وافق مجلس النواب على مشروع قانون تنظيم وتنمية استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية. ليتماشى مع تعدد أدوار الشركات العاملة في ذلك المجال، بداية من تحويل الأموال والتمويل متناهي الصغر وحلول الدفع الإلكتروني. والتأجير وتقسيط السيارات، والأجهزة المنزلية والتخصيم، والتأجير التمويلي، ووساطة الأوراق المالية والتأمين.
وتخضع السوق المالية المصرفية لرقابة البنك المركزي، أما غير المصرفية فتشرف عليها الهيئة العامة للرقابة المالية. وتتضمن مجالات واسعة بداية من سوق رأس المال (البورصة)، وأنشطة التأمين، والتمويل العقاري. والتأجير التمويلي، التخصيم، وتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، والتمويل الاستهلاكي. لكن يستهدف التشريع الجديد أن يعطيها صلاحيات أكبر فيما يتعلق بالأنماط الجديدة من التكنولوجيا المالية.
يعطي القانون الجديد للهيئة صلاحيات واسعة لاعتماد أي أدوات حديثة لتيسير التعامل في مجال استخدام التكنولوجيا المالية. وجمع البيانات رقميا والتحقق منها وتحليل مؤشراتها من خلال برامج معدة. واستخدام آليات الذكاء الاصطناعي للكشف عن مخالفات للقوانين المنظمة، والاشتباه في غسل الأموال. والإنذار المبكر للمخاطر المتعلقة بالسيولة أو التمويل أو غيرها من الأمور المتعلقة بالاستقرار المالي.
القانون ودمج الفقراء والمهُمشين
وكشفت المؤسسة العالمية للاتصالات المتنقلة أن أكثر من 60% من سكان العالم استخدموا التكنولوجيا المالية في تعاملاتهم عام 2016. ما زاد من فرص دمج الفقراء والمهُمشين وتحولهم إلى النظام المالي الرسمي بخفض التكاليف. وتوسيع فرص الحصول على أنواع جديدة من المنتجات والخدمات المالية بطرق أسرع و أكثر أمنا. ما يجعل التمويل أيسر وفي متناول جميع الأفراد.
لكن لا يعني ذلك عدم وجود مخاطر لانتشار التكنولوجيا المالية مثل المعاملات غير العادلة. أو مخاطر سلامة وسرية البيانات. وظهور عروض رقمية وهمية قد تكون موضعًا للشك ومجهولة الهوية. وزادت تلك المخاطر نتيجة لغياب الوعي والثقافة لدى الأفراد بالتكنولوجيا المالية ليس في مصر فقط ولكن في العالم بأسره.
وتهدف التعديلات الجديدة لمعالجة تلك النقطة بنشر الوعي بالأنشطة المالية غير المصرفية التي يتم مزاولتها باستخدام التكنولوجيا المالية. وحماية حقوق المتعاملين في هذه الأنشطة والحفاظ على المناخ التنافسي الذي يساعد على نموها.
وحملت التكنولوجيا المالية مع تنامي استخدامها عالميا بعض الظواهر السلبية مثل تهميش بعض الفئات. التي ليس لديها معرفة وإدراك كافٍ بالخدمات المالية مثل النساء أو كبار السن أو الريفيين. بجانب تعرضهم لخطورة فرط الاستدانة بسبب كثرة استخدام البطاقات الائتمانيةـ. خاصة بالنسبة للطلبة أو ذوي الدخول المنخفضة؛ نتيجة لقلة ثقافتهم المالية.
نمو كبير
ساهم تنامي تحويل الأموال عبر الهواتف المحمولة والدفع الرقمي في زيادة أعداد الشركات. التي تزاول أنشطة للتمويل المتناهي التي لا تتجاوز المبالغ التي ضخها 3 آلاف جنيه. ففي الماضي كانت إجراءات التحصيل وزيارة العميل تستهلك مكسب الشركة ما يجعلها نشاطًا غير مغرٍ. أما حاليًا فيتم التحويل والسداد بضغطة زر.
وارتفعت أرصدة التمويل متناهي الصغر في مصر إلى 22.53 مليار جنيه حتى نهاية يونيو 2021. مقارنة بـ 17.22 مليار جنيه للشهر ذاته من 2020، كما ارتفع أعداد المستفيدين منها إلى 3.32 مليون مستفيد. مقارنة بـ3.1 مليون مستفيد خلال الفترة المقارنة ذاتها.
تعتبر شركة “الأولى للتمويل متناهي الصغر” أقدم الشركات العاملة في مجال تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بمصر. قبل أن يدخل إلي حلبتها البنوك مثل البنك العربي الأفريقي الدولي الذي أسس شركة “سندة”. وشركة فوري للدفع الإلكتروني التي أسست هي الأخرى شركة للتمويل متناهي الصغر. و”سي أي كابيتال” التي أسست “ريفي”، وكلها تستهدف سوق العملاء ممن لا يتعاملون مع البنوك.
دفعت موجات التضخم أيضًا إلى تنامي السداد عبر شركات للتمويل الاستهلاكي التي تدفع قسمة السلعة على تم يتولى العميل السداد لها. وتتيح تلك الشركات خدماتها من تقسيط الهواتف المحمولة حتى الأجهزة الكهربائية مرتفعة الثمن.
بحسب الإحصائيات الرسمية، فقد سجل شهر يونيو الماضي تمويلات من تلك الشركات بنحو 1.596 مليار جنيه. لنحو 103.361 ألف عميل.
إقبال جماهيري
وتكشف الحصص السوقية لشركات التمويل الاستهلاكي ارتفاع الإقبال الجماهيري عليها فخلال النصف الأول من العام الحالي. ضخت “كونتكت للتمويل الاستهلاكي” تمويلات بلغت 1.835 مليار جنيه. تلتها “بي تك” بنحو 1.244 مليار جنيه، ثم “فاليو” بنحو 776.5 مليون جنيه. فـ “مشروعي” بنحو 658.6 مليون جنيه، ثم “أمان” بـ 641.5 مليون جنيه.
أمام ذلك التنامي الواضح تسعى التعديلات الجديدة إلى رفع مستوى الشفافية. وضمان سلوكيات مقدمي الخدمات المالية ووكلائهم والعاملين لديهم واحترامهم حقوق المتعاملين.
تسير بنود مشروع القانون في ركب إحاطة المتعاملين والمستفيدين من الخدمات المالية غير المصرفية بأسعارها والخدمات المقدمة. وشروطها، والمخاطر المتوقعة، والمعاملة العادلة بوضع الحد الأدنى من المعايير للمؤسسات المالية أثناء تعاملها مع العملاء. ليطمئنوا بأن الخدمات المعروضة عليهم آمنة وغير مضللة.
كما تهدف أيضاً إلى الحد من المخاطر باتخاذ التدابير التي تقلل من المخاطر التي يواجهها المتعاملون كالنصب والاحتيال. أو تناول بيانات العملاء بشكل غير ملائم. والتي تزداد درجة خطورتها تباعا مع نمو الخدمات المالية المبتكرة.
متعاملون جدد
يوجد قطاع كامل للخدمات المالية غير المصرفية بالبرصة يضم شركات السماسرة التي تدير حسابات العملاء ومحافظهم. وتعتمد على الإنترنت في عمليات الشراء والبيع لصالح الغير. ويحتل ذلك القطاع المرتبة الثانية أو الثالثة في حجم التعاملات اليومي بحصة لا تقل عن 10% من أحجام التداولات يوميًا.
مع الحملات الإعلانية الأخيرة التي دشنتها إدارة البورصة، زاد أعداد المسجلين في السوق بنحو 57 ألف مستثمر خلال الـ 11 شهرا الأولى من العام الحالي. مقابل 25 ألفًا خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، ما يتطلب إجراءات جديدة لحماية المستثمرين الجديد. خاصة في ظل نقص المعلومات المالية لدى بعضهم.
وقفز عدد عقود التأجير التمويلي إلى 1416 عقداً بقيمة 24.9 مليار جنيه خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي. بنسبة نمو 43% في عدد العقود، و16.4% في قيمتها.
التأجير التمويلي هو عقد تأجير تمويلي ينشأ بين المؤجر والمستأجر. وبمقتضاه يلتزم الأول بنقل معدة أو آلة مملوكة له إلى حيازة المستأجر لاستخدامه في القيام بنشاطات تدر دخلاً لمدة محددة وبإيجار معين.
إصدار سندات “التوريق”
في الفترة ذاتها، تمت الموافقة على إصدار سندات “التوريق” بقيمة 3.96 مليار جنيه نسبة نمو 25% في عدد الموافقات. و20.5% في قيمة الإصدارات.
يتعلق التوريق بتحويل أقساط القروض طويلة الأجل إلى سندات وبيعها بسوق الأوراق المالية بهدف الحصول على قيمتها فور إصدارها. مما يتيح للشركات المصدرة توفير سيولة تمكنها من التوسع في تقديم مزيد من القروض دون انتظار مواعيد سداد الأقساط
وقفز إجمالي عدد شركات التخصيم إلى 22 شركة حتى نهاية مارس 2021 مقابل 13 شركة في نهاية الشهر ذاته من عام 2020. في ظل تعديلات جديدة سمحت لشركات التخصيم بتقديم خدمة تخصيم الحقوق المالية الآجلة لشركات السمسرة. في الأوراق المالية الناشئة عن مزاولة نشاط شراء الأوراق المالية بالهامش.
التخصيم هو عقد تمويل ينشأ بين المُخصم والبائع وبمقتضاه يقوم الأول بشراء الحقوق المالية الحالية والمستقبلية الناشئة عن بيع السلع وتقديم الخدمات. وتجاوز حجم الأوراق المخصمة ما يزيد عن 11 مليار جنيه في نهاية 2020 مقابل 10.6 مليار جنيه لعام 2019 بزيادة قدرها 6.6%.
العقوبات في القانون الجديد
يعتبر نشاط التأمين أيضًا أحد أكبر القطاعات المندرجة في القطاع المالي غير المصرفي. وتتوزع خدماتها ين شخصيات اعتبارية كالشركات أو المؤسسات أو الأفراد.
قفزت قيمة الأقساط المحصلة لتأمينات الممتلكات والمسؤوليات 19.8 مليار جنيه خلال أول 5 شهور بنسبة نمو 30.4%. بينما بلغ إجمالي التعويضات المسددة من شركات التأمين خلال الفترة ذاتها 9.3 مليار جنيه بنمو 38.1%.
كما تندرج عقود التمويل العقاري التي توفرها شركات وليس بنوك ضمن القطاع المالي غير المصرفي والتي سجلت أيضَا تناميًا إلى 2058 عقدًا بقيمة 2.3 مليار جنيه ممنوحة من الشركات بنسبة نمو 123% في عدد العقود و164.1% في قيمة التمويل.
وتعتبر العقوبات أحد عناصر التشريع الجديد، فمع منح الرقابة المالية الضبطية على من يعرقل عملها. تم فرض عقوبة تتراوح بين الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه. كل من زاول أو أنشأ أو أدار أحد الأنشطة المالية دون الحصول على ترخيص أو موافقة.
الضبطية القضائية والقانون
شملت أيضًا عقوبة الحبس مدة لا تجاوز شهراً وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه. لمن يتعمد منع أحد العاملين بالهيئة ممن يتمتعون بصفة الضبطية القضائية من أداء أي من الأعمال المكلفين بها. أو يتعمد حجب البيانات أو المستندات أو الوسائط الالكترونية المطلوبة.
كما ينص مشروع القانون بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه. أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف الأحكام المتعلقة بالإخلال بسرية المعلومات، وتتعدد الغرامات بتعدد المجني عليهم.
من المفترض أن يعزز القانون الجديد الشمول المالي باعتبار أن تلك الشركات لديها قدرة كبيرة على الوصول للعملاء بمختلف فئاتهم. كما يوجد لديها تنويع كبير في الخدمات التي يمكن تقديمها للشركات الصغيرة عكس البنوك التي لديها قواعد شديدة الصرامة.
ويتماشى أيضًا مع سياسة مؤقتة للحكومة بتسوية المنازعات وحل شكاوى المتعاملين. دون الوصول للقضاء عبر السرعة في تسوية شكاوى العملاء المتعلقة بتوفير الخدمات المالية. لضمان الثقة في النظام المالي الكلي والحصول على نتائج مرضية لكل من المؤسسات المالية والمتعاملين.