بعد ماراثون طويل من المفاوضات مع شركة “دونج فينج” الصينية، عاد مشروع إنتاج سيارة النصر الكهربائية “إي 70” إلى نقطة الصفر. لتبدأ وزارة قطاع الأعمال العام رحلة البحث عن بديل، وتعود مشاعر النوستالجيا لشركة كانت فخرًا للصناعة المصرية في الخمسينيات. وارتبطت طويلاً بمفاهيم سيادة الصناعة الوطنية.

جاء وقف التفاوض بين “النصر للسيارات” و”دونج فينج” بعد 10 أشهر من توقيعهما اتفاقا إطاريًا مطلع العام. عزا خلاله الطرفان طول فترة التفاوض بينهما التي ناهزت 36 شهرًا إلى تداعيات وباء كورونا مطلع عام 2020. والذي تم الكشف عنه بصورة تؤكد أن المفاوضات وصلت لطريق مسدود مع تأكيد حكومي عن البحث عن بديل للشركة الصينية.

كان من المفترض أن تنتهي اختبارات سيارات النصر في الشوارع المصرية بنهاية أكتوبر الماضي. بنحو 12 سيارة صنعتها الشركة الصينية كنماذج ستبدأ النصر للسيارات في إنتاجها 9 منها للاختبار من سائقي شركة أوبر و3 سيارات. سيتم اختبارها على الطرق الشاقة وغير الممهدة من جانب وزارة قطاع الأعمال.

تم اختبار السيارة وفقًا لمعايير محددة على مسافة قيادة تصل إلى 30 ألف كيلومتر لكل سيارة على مدى ثلاثة إلى أربعة أشهر. ووردت بعض الملاحظات الفنية والتجارية تم إرسالها للجانب الصيني لكنه لم يرد علها.

خلافات على السعر

لكن الخلاف بين الشريكين المصري والصيني بسبب الأمور التجارية والسعر النهائي للمكون المستورد من الشركة الصينية الذي يصل إلى 45%. خاصة في ظل حدوث متغيرات مستمرة بسوق السيارات الكهربائية. الذي ينمو بمعدلات كبيرة سواء داخل الصين أو عالميًّا.

أرادت وزارة قطاع الأعمال المصرية تخفيض سعر المكون المستورد بصورة كافية لتمكين شركة النصر للسيارات من إنتاج السيارة وطرحها بسعر تنافسي. خاصة أن الأسعار المستهدفة للبيع تراوحت بين 290 و400 ألف جنيه. وهو رقم كبير بالنسبة لغالبية المصريين والأسواق الأفريقية المستهدفة.

حصلت “النصر للسيارات” على موافقة وزارة المالية على تقديم دعم نقدي يصل إلى 50 ألف جنيه لمشتري السيارة الكهربائية المصنعة محليًا. وإعداد خريطة بالمواقع المرشحة لإنشاء شبكة تتضمن 3 آلاف محطة شحن عامة، بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية خلال عامين.

تتسم شركة دونج فينج بسياسة واضحة في رغبتها في تحقيق الربحية الكبيرة. حتى أنها تسعى لبيع حصتها البالغة 25٪ في “دونج فنج يودا كيا” مشروعها المشترك مع كيا الكورية ومجموعة يودا الصينية. فـالشركة الكورية تريد زيادة حصتها في المشروع المشترك بينما تعتقد “دونج فنج” أن الأرباح الناجمة عن المشروع قليلة.

بدائل محتملة

تظل الصين الخيار المحبب لمصر في إنتاج السيارة الكهربائية، فبحسب هشام توفيق. وزير قطاع الأعمال العام، تم اختيار 3 شركات صينية قبلت التفاوض على الشروط التي وضعتها الوزارة دون أن يفصح عن أسمائها.

وتملك الصين شركات ضخمة في صناعة السيارات الكهربائية تحتل المراتب الثلاثة الأولى. منها: “نيو” الصينية بقيمة سوقية تبلغ 61.5 مليار دولار التي تسعى حاليا للتوسع في الخارج. بجانب شركة “إكس بينج” بقيمة سوقية بلغت 33.4 مليار دولار، وكذلك “لي أوتو” بقيمة سوقية بلغت 30 مليار دولار.

لكن ربما تصبح “جنرال موتورز العالمية” البديل الأول لشركة النصر حاليًا فالشركة الأمريكية لديها مصنع في مصر بدأ الإنتاج عام 1985. وتعتزم زيادة استثماراتها العالمية بنحو 35 مليار دولار حتى عام 2025. لتصبح رائدة بسوق المركبات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة، بجانب تطوير تكنولوجيا إدارة بطاريات السيارات وغيرها

ستيف كيفر، رئيس “جنرال موتورز العالمية”، التقى مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أمس في اجتماع تناولت توطين السيارات بشكل عام في مصر. أكد خلاله (كيفر) أن الشركة في طريقها إلى إنتاج عدة أنواع من السيارات الكهربائية بحلول عام 2025. وستقوم باختيار موديل ومواصفات السيارة الكهربائية المناسبة التي ستقوم بتقديمها وتصنيعها بالسوق المصرية.

التوسع في السوق المصرية

ووفقًا لكيفر، فإن الشركة تعتزم التوسع في السوق المصرية بشكل كبير خلال الفترة القادمة. فضلاً عن تطلعها لمشاركة أفضل الممارسات التي رصدتها من واقع خبراتها في 60 سوقاً مختلفة مع الحكومة المصرية لدعم سياساتها في تطبيق “النقل الأخضر”.

لدى “جنرال موتورز” خطة غير معلنة لهزيمة سيارة “تسلا” الأكثر شهرة في مجال السيارات الكهربائية. واستطاعت تحقيق جزء منها عبر طرح سيارة “هونجوانج ميني” في الصين بالتعاون مع شريك محلي. وأصبحت الأكثر مبيعات منتصف العام الماضي متجاوزة تسلا.

 

لكن الشركة قد تجد في منصور شيفرولية التي تتولى تقوم بدور الوكيل لسيارات عالمية مثل أوبل الألمانية وبيجو الفرنسية. مع تجميع محلي لشيفروليه الأمريكية بديلاً أخر حال رغبتها في الشراكة المحلية بمصر. خاصة أن المجموعة المصرية قد أعلنت أنها بصدد توقيع مذكرة تفاهم مع “جي إم سي”. تهدف إلى دعم الشركات الناشئة العاملة في مجال التنقل الكهربائي، وزيادة معدلات الإنتاج والتصدير للأسواق الخارجية.

ويوجد شريك أمريكي آخر يمكن للنصر للسيارات العمل عليه أيضًا يتمثل في “فورد” التي ألغت خطة للشراكة مع ريفيان أوتوموتيف. فيما مجال تطوير سيارة كهربائية، ولديها (فورد) خطة لتعزيز تطويرها وتصنيعها للسيارات الكهربائية. بطاقة تصل إلى 600 ألف سيارة بحلول آواخر 2023.

لكن تظل المشكلة التي تواجه أي شراكة مصرية مع الجانب الأمريكي في السعر النهائي المتوقع للسيارة. ومدى قدرته على المنافسة، خاصة مع فوارق العملات التي قد تجعل المكون الأمريكي أغلى سعرًا. خاصة أن مصر تسعى لتقليل التكلفة حتى تمنح سيارتها أفضلية في التصدير.

فرصة آسيوية

توجد فرصة في شراكة مصرية صينية أيضًا ربما من بوابة شركة شاومي النشطة في مجال تصنيع الهواتف المحمولة وبطاريات الهواتف الخارجية. التي أعلنت قبل 8 أشهر عن بناء أول مصنع لها لإنتاج السيارات الكهربائية في بكين العاصمة لإنتاج ما يصل إلى 300 ألف سيارة سنويا، وسيبدأ عمله عام 2024.

تخطط “شاومي” لاستخدام متاجر البيع بالتجزئة للمساعدة في بيع سياراته، بنفس فكرة الهواتف. وربما تمثل مصر فرصة لها لدخول الشرق الأوسط وأفريقيا عبر التصنيع المشترك في مصر الذي يعطيها شهرة أوسع. خاصة أن الشركة الصينية ستحتاج فترة لكسب ثقة المستهلك في ظل وجود شركات عريقة منافسة في مجال إنتاج السيارات الكهربائية.

“نيسان” بديل مرشح بقوة للنصر للسيارات خاصة أن الشركة اليابانية توصلت في وقت سابق مع وزارة قطاع الأعمال العام لاتفاق مبدئي. لإنتاج نحو 100 ألف سيارة سنويًا قبل عامين ونصف العام في مجال السيارات التقليدية الموجهة للتصدير. مع رفع نسبة المكون المحلي بها قبل أن تغير مصر وجهتها نحو السيارات الكهربائية.

تطوير السيارات الكهربائية الجديدة

وأعلنت نيسان اليابانية هي الأخرى عن ضخ استثمارات بقيمة 17.6 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. في تطوير السيارات الكهربائية الجديدة وتكنولوجيا البطاريات كجزء من خطة كبرى طموحة مستمرة حتى 2030 المقبل، تتضمن 15 مركبة كهربائية جديدة.

الميزة في “نيسان” سعيها لإنتاج ببطاريات صلبة بالكامل (ASSB) بحلول عام 2028 وستجهز مصنعًا تجريبيًا في يوكوهاما عام 2024. وهي تقنية تقلل أوقات الشحن، مع خفض تكلفة حزم البطاريات إلى 75 دولارًا لكل كيلوواط في الساعة بحلول عام 2028. مع تخفيض إلى 65 دولارًا أمريكيًا في الساعة في المستقبل ما يجعلها نصف تكلفة بطاريات السيارات الكهربائية.

خطة الشركة اليابانية بالنسبة لمبيعات السيارات الكهربائية الجديدة حتى 2030، لا تتضمن أفريقيا فهي موجهة لأوروبا بأكثر من 75٪ من المبيعات. واليابان بنحو 55٪ من المبيعات، والصين بأكثر من 40٪ من المبيعات والولايات المتحدة بالنسبة ذاتها. ما قد يجعل الشراكة لها مع شريك إفريقي مقبولا بحثا عن فرص مستقبلية.

وسعت الحكومة في اجتماعها، أمس، مع شركتي “منصور” وكيل سيارات شيفروليه الأمريكية. ومسؤولي “جنرال موتورز العالمية” الترويج لتوطين صناعة السيارات في مصر ومنها السيارات الكهربائية. معلنة عن مجموعة من الحوافز الاستثمارية، لدعم توطين صناعة السيارات والصناعات المغذية لها.

استراتيجية وطنية

تستعد الحكومة، حاليًا، لإطلاق “استراتيجية صناعة السيارات في مصر” نهاية العام التي تشمل أيضًا الصناعات المغذية لها. والعمل على نقل التكنولوجيا المتطورة لأكبر نسبة ممكنة من المكونات المحلية. مع وجود مشروع أـكبر لتحويل مصر إلى مركز إقليمي ودولي لصناعة السيارات والصناعات المغذية لها.

نماذج مبشرة

بالنسبة للنماذج المبدئية للسيارة الكهربائية لـ”نصر للسيارات” فإنها كانت مبشرة. إذ تتضمن مزايا يمكنها المنافسة بداية من السرعة القصوى التي تصل إلى 150 كيلو متر في الساعة. بقدرة 145 حصانا ومدى قيادة يتخطى 400 كيلو متر في الشحنة الواحدة.

كما تحتوي على أنظمة أمان متطورة ومواصفات رفاهية مثل فتحة سقف وكراسي كهربائية وشاشة تحكم ومكيف هواء بتكنولوجيا بلازما. وأنظمة أمان إضافية مثل الرؤية المحيطية 360 درجة، مؤشر ضغط الإطارات.

لا يعرف حتى الآن مصير النماذج التي أرسلتها الشركة الصينية لمصر.. وهل يمكن استخدامها أم لا بعد فسخ التعاقد بين الطرفين أم لا؟في ظل عدم الإعلان عن تفاصيل بنود الاتفاق بينهما أو حتى تفاصيل إنهاء التعاقد.

توقفت الحركة الدءوبة التي شهدتها مصانع النصر في الشهور الأخيرة بعدما تأخر حلم تركيب خط الإنتاج الجديد أواخر العام الحالي. كما يجب على إدارتها مراجعة خطط المبيعات والإنتاج التي تم وضعها مع الشريك الصيني السابق. التي تضمنت إنتاج 25 ألف سيارة سنويًا في الوردية الواحدة تزيد إلى 50 ألفا إذا تم العمل بنظام الورديتين.

أول 100 سيارة كهربائية

لدى الشركة خطة إنتاج أول 100 سيارة كهربائية في عام 2022 مع طرح موديل في سبتمبر 2022 بثلاثة مستويات. في مدى سير البطارية الأول 250 كيلو والثاني 400 كيلو والأخير 500 كيلو في الشحنة الواحدة. لكنها ستحتاج للمراجعة وفقا للشريك الجديد وماراثون التفاوض معه. وربما تراجع الدولة أيضًا خطتها لإنشاء 3 آلاف محطة شحن تتسع لـ6 آلاف سيارة كهربائية في 18 شهرًا.

تتأثر أسواق السيارات عالميًا بأزمة نقص أشباه الموصلات، وهي الأزمة التي تدخل شهرها العاشر على التوالي. وتعتبر تلك الموصلات أساسية في العديد من الصناعات خاصة السيارات. باعتبارها الوسيلة الأساسية للتحكم في الفرامل وتسارع السيارة والتوجيه واستشعار الحرارة والضوء والأمطار.

من المتوقع أن تستمر أزمة نقص الرقائق الإلكترونية حتى العام المقبل في غالبية دول العالم. في ظل عجز منتجيها عن الوفاء بحجم الطلب الكبير، ما قد يعرقل الكثير من جهود النصر للسيارات للعودة أيضًا. ويرفع أسعار المنتج النهائي الخاص لها في اتفاقيات الشراكة.

لا تزال قائمة منتجات النصر للسيارات محفورة بأذهان من عايش عصرها الذهبي. خاصة ماركات رمسيس، ونصر 125، ونصر 131، ونصر 133، ونصر 127. وربما كان ذلك الحنين وراء رهان الحكومة على قدرة النصر الكهربائية على تحقيق مبيعات في السوق المحلية ومزاحمة المستورد.