البكاء ليس حلًا لكنه مساحة للراحة، أمر أشبه برفع الغطاء عن الحلة لتخفيف الضغط، نبكي لأننا عجزى، نقف أمام المشكلات، ولسنا جميعًا بنفس القدرة.
أحدهم يرفع مائة كيلو بينما رفيقه لا يستطيع رفع عشر، ونحن لا نُتهم بضعفنا على التحمل، لكن من حولنا مشغولين بصُنع المحاكمات.
الإنسان ابن الشقاء يجنح نحو الراحة وعلى الرغم من كون الراحة هدف كبير إلا أن بعضهم يسلك نحوها طريق ملئ بالنقائص، طريق معيوب ومعطوب، ملئ بالتخلي والأحكام المسبقة والتجاهل، كل ذلك من أجل ألا يتحمل أعباء مضافة.
ذات يوم كانت (س) تشكو لصديقتها أن ابنها مصاب بحساسية صدر، وأنها تضطر للذهاب إلى طبيب في منطقة بعيدة تحتاج مواصلات نحو ثلاث ساعات، وأن العبء ليس فقط المادي ولكن أيضًا إرهاق أن تتحرك وحدها وهي تحمل طفل وحقيبة إضافية لمستلزمات رضيع، فما كان من الصديقة (ن) سوى أن أخذت تحكي عن مرض ابنها، وأنهم لا يجدون ثمن العلاج، وسيل من الشكوى، أنسى (س) أوجاعها، مرت فترة ورُزقت (س) بمبلغ وكانت (ن) دائمة الدعوة لها لزيارتها، أخذت (س) المبلغ الذي حصلت عليه وذهبت تشتري من السوق كل متطلبات البيت، وحملت كل شيء وتوجهت نحو صديقتها، لكنها فوجئت أن صديقتها تعيش في شقة فارهة، حتى أن (س) لا تملك مجرد مقعد يُشبه أحد مقاعد الصديقة الشكاءة، وكانت السُفرة عامرة وكرم (ن) واضحًا، ولأن كثير من النساء الصديقات يتشاركن وقفة المطبخ، دخلت (س) مطبخ صديقتها لتكتشف كذب إدعاءات الفقر.
خرجت (س) بمشاعر مرتبكة بين الضيق من صديقتها، شعورها أنها أقل وأفقر، ذهبت بكل المشاعر الإيجابية وعادت بكل الخيبة والضيق.
عندما كانت (ن) تقابل ضغوط صديقتها لم تفكر في أن هناك إنسان يشعر بالهم ولا يحتاج أكتر من كلمة (معلش) أكيد هتقدري تعدي، ربنا معاك، هذه الكلمات البسيطة التي ستجعل الأمر يمر، لكنها قدمت شكوى أكبر.
نتحدث عن اختلاف الذائقة، لكنه مجرد كلام نتداوله لنظهر بصفة المتحضرين والمثقفين، إلا أن كثيرين عند الفعل لا يبدون كما يتحدثون، أحيانًا ما يظهر سؤال لدي متى بدأ فعل المزايدة على الآخرين؟ هل الأمر مرتبط بالتجارة؟ والمراهنات؟ هل مرتبط بأفعل التفضيل المنشغل بها العرب؟ لا توجد إجابة واضحة حتى يمكن معرفة متى بدأ فعل التقليل من الآخر شخصًا ومشاعر ومنجز، ربما يعود الأمر إلى ولع وشغف العرب بالأفضلية وأن القائل هو الأفضل، ومن ثم يقوم بتقليل من قيمة أي فعل يفعله غيره.
التقليل من الآخرين يبدأ من قدرتهم على التحمل وصولًا لنجاحاتهم، لكن أصعبها حين يأتيك شخص يشاركك همه أو مشكلته فتقوم بالتسفيه منها والحكم عليه بالضعف وأن الأمر تافه، لكن أغلبنا لا يذكر شيء إلا إذا كان هو الطرف الأضعف، لا نحزن من رد فعل الآخرين إلا إذا كنا نحن المضغطين، ضحايا الحزن والهم، لا نعرف وقع الكلمة وأثرها إلا عندما نسمع كلمات محبطة، فهل جرب أحدنا أن يضع نفسه مكان من يستمع إليه؟
هل جربت أن تحكي أنت مشكلة وتقول لنفسك ما ستقوله للآخرين؟
التباين بين البشر كبير ومتعدد وفى كل المستويات لكننا نغفل أهم قيمة دعت لها كل الأديان واعتمدت عليها كل الفلاسفة وهي قيمة التأمل والتدبر.
قد تكون مشكلتي أنني بحاجة إلى مبلغ صغير ليكن عشرة جنيهات، ومن يستمع إلىّ مشكلته أنه بحاجة إلى أضعاف ما أحتاجه، نظريًا ما يحتاجه قيمته أعلى، لكن بنظرة أخرى قد أكون بلا عمل، ولا عائل، والحصول علي نصف المبلغ الذي أحتاجه أمر شاق، بينما من يستمع إليّ ذو وظيفة مرموقة ويمكنه كسب هذا المبلغ بإنجاز مهمة صغيرة، لمثل هذه الأمور كانت نظرية النسبية، لا شيء مطلق، لا حمول مطلقة، وإنما تُقاس الأشياء وسط ظروفها وزمانها، ووسط الضغوط وقدراتنا المختلفة في تحملها ومواجهتها المؤكد أن الكلمة الطيبة فارقة، مع كل الاختلاف تتلاقى وتتفق أن الكلمة الطيبة هي الحل دومًا، ما الذي يضر انسان حين يسمع شكوى آخر أن يقول له كلمة جميلة، أن يُشعره بأنه مُحق في احساسه بالضغوط، وأن الأمل هو دافعنا نحو التقدم.
تقويم النفس هو الفعل الأصعب الذي يواجه الانسان في حياته، لكن البداية تكون من قبول الاختلاف وتفهم أن المشكلة التي يحكيها الآخر ويشكو من ضعفه أمامها قد تكون فعلًا بنفس الحجم له، حتى لو ظهر الآخر بأنه مجرد شاك ويدعي ذلك من قبيل ردع الحسد، فهي أيضًا أفكار ومعتقدات تتحكم في قدرتنا على استقبال الشكوى من الآخرين، فقد نراهم في حال جيد، ولذا ننكر عليهم أنهم يشعرون بالضغوط.
ستهون أغلب الضغوط والصعاب إذ وجد الانسان كلمة طيبة واحساس بالمساندة والتقدير، إذا جربنا أن نتأمل ما حولنا، ونُعيد حساباتنا حول أنفسنا وما نعانيه من نقائص نخفيها تحت السجادة لكن أثرها ينعكس على من يحيطون بنا، فالقمامة المخفية أسفل السجادة رائحتها تؤذي الآخرين حتى لو لم يروها.