خلال مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، في أغسطس/آب الماضي، ظهر وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان وهو يسترسل في حديثه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. أثناء دخول قادة دول أخرى كفرنسا والأردن وقطر ورئيس وزراء الإمارات (حاكم دبي) إلى القاعة لالتقاط الصور التذكارية.

ثم بدا وكأن انهماكه ألبسه خطأ بروتوكوليا؛ ليظهر في مقدمة الصورة الجماعية بينما من المفترض أن يقف في الصف الثاني المخصص لوزراء خارجية: السعودية فيصل بن فرحان. وتركيا مولود تشاووش أوغلو، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وأمين منظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين.

وعبد اللهيان هو ذات الشخص الذي حضر حفل تنصيب السيسي عام 2014 ممثلا عن بلاده، بصفته مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية. وخرج حينها بتصريحات تكيل المديح للقاهرة، على شاكلة أن «أمن مصر وإيران واحد». وأنه يتمنى النجاح للسيسي في إعادة مصر إلى مكانتها الحقيقية والقيام بأداء دورها فى تطورات العالم الإسلامي والعربي.

وأشار حينئذ الدبلوماسي الذي يجيد العربية، إلى أن «هناك تقاربا في وجهات النظر بشأن سوريا (..) وسيكون هناك سعي مشترك في المستقبل القريب من أجل الوصول لحل سياسي [هناك]».

واختياره لرئاسة الدبلوماسية الإيرانية مؤشر واضح عن اتجاه الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي في سياساته الخارجية الموجهة صوب تحسين العلاقات مع جيرانه. وهو ما كشف عنه بوضوح في أول مؤتمر صحفي عقب انتخابه، قائلا: «إيران تريد التفاعل مع العالم.. أولوية حكومتي ستكون تحسين العلاقات مع جيراننا في المنطقة». وأوضح أنه «لا عقبات» أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية. «لا عقبات من الجانب الإيراني أمام إعادة فتح السفارتين».

اقرأ أيضا| المغرب والجزائر.. في ظلال الصراع الإيراني الإسرائيلي

ألقى ذلك الضوء على تاريخ من العلاقات المعقدة بين البلدين والتي عرفت التقارب حينا، والقطيعة في غالب الأحيان. وإن حدث من فترة لأخرى تواصل على مستويات مُخفضة التمثيل. ومؤخرا يدور الحديث عن اختراق محتمل وخجول في العلاقة بينهما، دون نسيان ظلال التأثير الخليجي الحاضرة دوما.

الخليج كمدخل للعلاقات

لسنوات، وتحديدا منذ قدوم السيسي إلى رئاسة مصر وفي ظل تحالف قوي مع كلا من السعودية والإمارات وقتها. فقد ربطت القاهرة علاقتها مع طهران، المقطوعة دبلوماسيا منذ أكثر من 40 عاما، ببوابة الخليج.

وقال السيسي خلال ترشحه للرئاسة عن العلاقات مع إيران إنها ستأتي من خلال دول الخليج. وأنه «من حق إيران تأمين مصالحها، ولكن من حقنا أن نؤمن مصالحنا، ولدينا ما يؤهلنا لذلك، فالتوازن قائم من خلال الجيوش العربية. ونحن لا نتحدث عن تهديد مصالح الآخرين، لكن نبحث عن علاقة متوازنة وعادلة».

وفي يوليو 2015  ذكر الكاتب المصري الراحل محمد حسنين هيكل أن «المعركة تدور حاليا في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران. لكن هناك محاولات هائلة لكي لا يحدث التقارب، ومن ثم لا يُمكن الجزم بوضوح بالنسبة إلى مسار العلاقات الثنائية بين مصر وإيران».

سياقات إقليمية متغيرة

ومع سياقات إقليمية متغيرة بعد 6 أعوام من هذا الحديث، من قدوم جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة وتغير التوجهات الأمريكية الاستراتيجية. بالتركيز على منطقتي المحيط الهندي والهادئ لاحتواء الصين. بجانب إثبات سياسة المعارك الصفرية التي ماجت بها المنطقة فشلها؛ تحركت الكثير من المياه الراكدة في العلاقات الدبلوماسية بين مختلف الأطراف المتنازعة. ومن بينها بالطبع السعودية وإيران.

وشهدت الفترة الماضية محادثات بين مسؤولي كلا البلدين -وإن تسير بخطوات حثيثة- ما تنعكس آثارها على مصر أيضا. وهو ما عبّر عنه بوضوح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة بأن طهران تأمل في تطوير العلاقات مع القاهرة.

وسبقه مدير عام دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الخارجية الإيرانية، مير مسعود حسينيان. عندما أشار إلى أن «تحسن علاقة طهران مع السعودية مستقبلا، سينعكس إيجابا على علاقاتها مع عدد كبير من دول الخليج وشمال إفريقيا». موضحا أن «بعض دول المنطقة، كمصر والسودان والمغرب وغيرها، قطعت علاقاتها معنا بعد القطيعة التي حصلت بيننا وبين السعوديين».

وفيما لم تعلق الخارجية المصرية على الإفادات الإيرانية، نقل مصدر مصري مطلع على ملف العلاقات مع طهران. لصحيفة «الشرق الأوسط» -الممولة سعوديا- أن «القاهرة تتلقى بشكل شبه مستمر، وبصورة غير معلنة، رسائل من طهران بشأن الرغبة في استئناف العلاقات».

تذبذب مؤشرات التقارب

تعتقد الباحثة في الشأن الإيراني سالي شعراوي أنه لا يُمكن التكهن بشكل مطلق بمدى إمكانية حدوث التحول النوعي في العلاقات المصرية – الإيرانية مستقبلا. وذلك في ظل التغير الدائم في مؤشر التحالفات والظروف الدولية والإقليمية وما يطرأ من تطورات في أنماط ومسار العلاقات الدولية بصفة عامة.

وتظن شعراوي أن المؤشرات الإيجابية التي أشار إليها هيكل تعبر عن سعي مصر لدفع إيران إلى انتهاج سياسة معتدلة. لكن دون أن يكون ذلك على حساب العلاقة مع الخليج، ومن ثم يرى هذا التوجه أنه لا مجال لعودة العلاقات الاستراتيجية بينهما. و«ذلك الأمر لا يمنع مصر في الوقت ذاته عن لعب دور وساطة بين دول الخليج وإيران، شريطة أن تقبل بهذا الدور كل من السعودية وإيران».

المؤشرات الدالة على حدوث التقارب بين الدولتين تتغير دوما ما بين الصعود والهبوط إذا. و«القاهرة تتبع سياسة مستمدة من السياقات الإقليمية للأحداث في علاقتها مع طهران» وفقا للباحثة.

تقاطع المسارات

بعدما انكفأت القاهرة على وضعها الداخلي لسنوات، تحاول الآن استعادة دورها الإقليمي المحوري. بحسب ما تحدثت عنه سابقا ورقة لمجلس العلاقات الأوروبية الخارجية، وهو ما دفعها للتحرك دبلوماسيا في دول عدة.

وتقاطع مسارات مصر مع دول تقع تحت نفوذ إيراني قوي، تبدى بوضوح في أربع دول هي العراق وسوريا ولبنان رفقة اليمن.

زار السيسي العراق لأول مرة منذ 30 عاما لرئيس مصري في يونيو/حزيران، وتكثفت مساعي إدماج سوريا في جامعة الدول العربية مجددا. وتم الاتفاق على نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا. كبديل للنفط الإيراني الذي سعى حزب الله لاستجلابه، في ظل أزمة الطاقة الكبيرة.

وأما اليمن، فقد استقبل السيسي، وزير دفاع الحكومة الشرعية -المعترف بها دوليا- في سبتمبر/أيلول في توقيت ذا دلالة. وهو تراجع قوات الأخير ميدانيا لصالح الحوثيين. وهنا زاوية القاهرة على المشهد هي تهديد الملاحة البحرية في مضيق باب المندب، المدخل الجنوبي لقناة السويس.

اقرأ أيضا| المنتدى العربي الاستخباري: هل تحاول القاهرة ترسيخ دورها الأمني الإقليمي؟

الطاقة وإعادة الأعمار كوسيلتين

العراق

في العراق كان مشروع الشام الجديد، رفقة الأردن، مدخلا لبناء شراكة اقتصادية طويلة الأمد مع بغداد. سواء على صعيد الطاقة أو شركات إعادة الإعمار، فيما اعتبره معهد «تشاتام هاوس» هدف سياسي واضح لتقويض النفوذ الإيراني.

مضيفا أنه «من السهل أن ندرك سبب ترحيب الحكومات الغربية والقادة العرب بمثل هذا التحالف. يبدو الأمر جيدًا جدًا لدرجة يصعب تصديقها، وهذا على الأرجح لأنه كذلك. في حين أن القيادة العراقية قد ترغب في تعميق العلاقات مع الأردن ومصر -مع الأخيرة أكثر من الأولى- فإن إيران بالكاد ستغض الطرف وتترك عمان والقاهرة يسرقان بغداد».

وعلى الصعيد الاقتصادي، يشير معهد «بروكنجز» إلى أنها محاولة لتقليل الاعتمادية العراقية على طهران. ومن بينها واردات الكهرباء التي قد تمدها بها مصر كبديل عن الأولى.

ويشرح المعهد «الإيرانيون قد ينظرون في الواقع بشكل إيجابي إلى التعاون الاقتصادي العراقي مع مصر والأردن -إذا في كانوا في المستقبل قادرين على الاستفادة اقتصاديا».

وعلى النقيض إذا سعت مصر والأردن، وكذلك الولايات المتحدة، إلى استخدام هذه الشراكة كوسيلة لعزل إيران. فإن طهران ستزرع المشاكل بلا شك. «سيعتمد المدى الذي يمكن أن يُسمح لإيران بالاستفادة منه في النهاية على نتيجة مفاوضاتها الجارية مع إدارة بايدن».

وقد كشف موقع «إنتليجنس أونلاين»، المعني بالأخبار الاستخباراتية. أن محادثات خلف الكواليس جرت بين وفد من المخابرات المصرية ومسؤولين إيرانيين حول تأمين الشركات والمصالح المصرية في العراق.

سوريا

في سوريا، فإن المساعي المصرية لإعادة دمج نظام بشار الأسد مع الحاضنة العربية مجددا، ليست خفية. وهو ما تحدث عنه عبد اللهيان -كما ذُكر سابقا- وعبّرت عنه القاهرة في أكثر من مناسبة على لسان وزير خارجيتها سامح شكري. والتي قد تُتوج بحضور دمشق في قمة الجامعة العربية المقبلة (مارس/آذار) في الجزائر.

اقرأ أيضا| تقويض النفوذ الإيراني في سوريا: هل تنجح المساعي الإقليمية؟

وتأتي محاولات الإدماج أو إعادة التأهيل في سياقين. سياق اقتصادي لفتح طريق أمام شركات إعادة الإعمار ومد شبكات الطاقة والغاز. ضمن التموضع المصري كمركزإقليمي  للطاقة. وسياق سياسي يحمل هدفين:

الأول، إيجاد دور في عملية أستانا، التي تتألف من تركيا وإيران وروسيا، بحسب ما قالته حفصة حلاوة. معدة ورقة مجلس العلاقات الخارجية، نقلا عن مسؤول مصري على إطلاع مباشر بالمفاوضات مع الجانب التركي، في مايو/أيار.

والثاني، دعم نهج الدبلوماسية في مفاوضات طهران مع الخليج. «تعتقد مصر، نظرًا لحجم سكانها العرب السنة. أن بإمكانها تقديم دعم مادي وحماية مصالحها في المفاوضات بين إيران ودول الخليج العربية» وفقا لمقابلة للباحثة مع دبلوماسي مصري.

ويعتقد نيل كويليام الباحث في معهد «تشاتام هاوس» أنه من غير المرجح أن تجد مصر نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران.

ويقول لـ«مصر 360» إنه على الرغم من أن البلدين قد ينظران إلى المنطقة من خلال عدسات مختلفة ويعتبر كل منهما نفسه فاعلًا رئيسيًا. إلا أنه «لا يوجد الكثير مما يوحي بأن السعي وراء أجندتيهما المختلفتين سيؤديان إلى صراع -مباشر أو غير مباشر- من خلال وكلاء في سوريا أو العراق».

مصر وإيران.. علاقة ليست قوية ولا عدائية

«العلاقة بين مصر وإيران ليست قوية ولا عدائية بشكل خاص. كلتا الدولتين فاعلتان مستقلتان بشدة في السياسة الخارجية. وعلى الرغم من أن كلاهما حساس تجاه الأنشطة في الخارج القريب، إلا أن إيران قد حققت القليل من التدخلات الكبيرة في جوار مصر». وبحسب كويليام  فإن تحديث القاهرة لعلاقاتها مع سوريا والعراق من غير المرجح أن يتم اعتباره «تهديدا جادا» للمصالح الإيرانية.

ويرى، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنه ما بعد ترسيخ الدور الدبلوماسي «تدعي مصر أن إعادة سوريا إلى الحظيرة سيساعد في اعتدال النفوذ الإيراني في ذلك البلد ويمنح القاهرة الفرصة للاستفادة من علاقاتها مع موسكو لتشكيل سلوكيات الأسد وسياساته».

وعلى ذكر موسكو، فإنه لديها هدفا أيضا في تقويض النفوذ الإيراني ضمن صراع على المناطق الاستراتيجية. وهو ما تتفق فيه مع إسرائيل -كذلك- التي منحتها الضوء الأخضر للهجمات الجوية الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في سوريا.

وتناغما مع ذلك الاتجاه، لن ترغب إسرائيل بتقارب مصر إيراني «يقوي خصومها في غزة» وفقا للصحفي المتخصص بالشؤون الإيرانية في «بي بي سي فارسي» كاظم والي. الذي يتوقع أن المحادثات المصرية – الإيرانية لن تذهب أبعد من التعاون والتنسيق في مجالات محددة تخص البلدين.

لبنان

عن صفقة الغاز المصرية مع لبنان، يقول مركز «كارنيجي» إن هدف إدارة أوباما سابقا كان تحقيق توازن قوى إقليمي ذاتي التوليد. بعد الانسحاب العسكري الأمريكي، وهو توازن قد يتفق معه جو بايدن اليوم. «كانت مصر والأردن على ذات الاتجاه في لبنان. ويبدو أنهما نجحا في إقناع إدارة بايدن بدعم نهجهما».

أوباما في مقابلة مع ذي أتلانتيك عام 2016، قال إن «المنافسة بين السعوديين والإيرانيين. التي ساعدت في تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن، تتطلب منا أن نقول لأصدقائنا. وكذلك الإيرانيين، أنهم بحاجة إلى إيجاد طريقة فعالة لمشاركة الجوار وإقامة نوع من السلام البارد».

هذه الرسالة تجد صدى لها في العالم العربي، بحسب المركز. وفي غياب الولايات المتحدة التي تعمل كجهة تنظيمية في الشرق الأوسط. بتعبيره، تكدس الدول العربية أوراقًا للعب ألعاب القوة الخاصة بها على المستوى الإقليمي. «في الشرق الأوسط، تفرض الأنظمة قواعد لعب جديدة. إنهم يستعدون لمنطقة تبتعد عن أمريكا».

وبالنظر إلى أن العديد من البلدان التي تلعب فيها إيران دورا مهيمنا -سوريا واليمن ولبنان والعراق- لديها إما أغلبية سنية أو أقليات مهمة معادية لإيران، فإن «خلق فرص لإجبار إيران على التسوية أمر منطقي».