بداية من تاريخ الأول من ديسمبر الجاري، بدأت المؤسسات الحكومية -بشكل رسمي- تطبيق قرار حذر دخول المواطنين والموظفين غير الملقحين ضد كورونا منشآتها. الأمر الذي وصل بتبعيته إلى المحاكم، ومن ثم المحامين غير الملقحين الذين منعوا من حضور جلساتهم، فوصفوا القرار بـ«التعسفي». بينما دفعت الدولة بضرورة اتخاذها هذه الإجراءات للسيطرة على الوضع الوبائي، وقد سبقته بإنذارات ودعوات لتلقي اللقاح، تفاديًا للمنع.
الوضع الوبائي وإجراءات السيطرة
الثلاثاء، سجلت مصر 949 حالة جديدة ثبتت إيجابية تحاليلها معمليًا للفيروس. بينما وصلت الوفيات اليومية إلى 62 حالة جديدة، وفق آخر إحصائية أصدرتها وزارة الصحة عبر حساباتها المختلفة.
وقد وصل إجمالي العدد الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا المستجد حتى الثلاثاء 358578 إصابة. فيما تماثلت 297536 حالة للشفاء، وتوفيت 20474 حالة.
بدأت مصر إجراءات التعامل مع أزمة فيروس كورونا التي ضربت البلاد في فبراير 2020 ببروتوكولات دوائية طورتها حسب الحاجة. وقد أدخلت فيها أدوية موجودة بالفعل يتم استخدامها لعلاج فيروسات أخرى. وهي أدوية تعتمد في عملها على تحفيز المناعة بشكل ما أو من خلال استهداف الفيروس نفسه. بينما بدأت الدولة أول إجراءات حملتها للتطعيم ضد كورونا باستخدام لقاح «سينوفارم» الصيني في أواخر يناير من العام الجاري للفئات الحرجة والعاملين بالمجال الطبي.
ما بين العامين 2020 و2021 شهدت مصر أزمات عدة مع تفشي فيروس كورونا في البلاد. واضطرت إلى فترات حظر تجول وإغلاق جزئي طال «المطاعم، والمقاهي، والكافيتريات، والكافيهات والكازينوهات، والملاهي، والمراكز التجارية». إلى جانب الأندية الرياضية والشعبية، ومراكز الشباب. في وقت وسعت حملاتها الإعلانية والتوعوية لحث المواطنين على الإقبال على تلقي لقاحات كورونا التي وفرتها بشكل تدريجي.
وفي نوفمبر الماضي، وصل إجمالي اللقاحات التي حصلت عليها الدولة إلى 77 مليون جرعة. وقد تنوعت بين أسترازينكا، وسينوفارم، وسينوفاك، وجونسون، وفايزر وموديرنا، وفق ما أعلنته وزارة الصحة ونقلته بوابة أخبار اليوم الحكومية المصرية. بينما كشف الوزارة عن عدد متلقى اللقاحات إلى الآن، في تقرير تناقلته وسائل الإعلام قبل أسبوع. حيث وصل عددهم إلى 43 مليون مواطن. وذلك بما يعادل 30% من المواطنين.
القرار 2750 بشأن غير الملقحين
تستهدف الدولة وفقًا للخطة التي وضعتها لمواجهة الجائحة الوصول إلى تطعيم 40% من المواطنين بنهاية العام الجاري. لذا فقد شددت من إجراءاتها لدفع المواطنين نحو التطعيم. وفي 19 أكتوبر الماضي، نشرت الجريدة الرسمية قرارًا لرئيس مجلس الوزراء حمل رقم 2750 لسنة 2021. وقد حظر هذا القرار دخول المواطنين المقار الحكومية إلا بآلية «التلقيح أو pcr».
وقد حدد القرار سريانه على كل وحدات الجهاز الإداري للدولة. وتشمل وزارات، ومصالح، وأجهزة حكومية، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة، والأجهزة والجهات التي لها موازنات خاصة. ذلك بالإضافة إلى العاملين بشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام. وأيضًا الشركات المساهمة التي تشرف على إدارة المرافق العامة إلى مقار عملهم.
وذكر القرار أنه سيتم تطبيقه عبر التأكد من حصول المواطن على أي من اللقاحات المضادة للفيروس. عبر الشهادة المُعدة لهذا الغرض، وتصدر من الجهة الإدارية المختصة. أو بتقديم شهادة بسلبية نتيجة تحليل PCR، لم يمض على إجرائه أكثر من 3 أيام.
أزمة المحامين مع قرار غير الملقحين
كانت المحاكم ضمن الجهات الساري عليها تنفيذ هذا القرار. وقد رفعت على أبوابها نص القرار الذي بدأ تفعيله في الأول من ديسمبر الجاري. وترتب على ذلك منع مجموعات من المحامين غير الحاصلين على اللقاح. وقد سبق ذلك، أن وجهت وزارة العدل، في أكتوبر، خطابًا إلى نقيب المحامين، رجائي عطية، تعلمه بقرار الحظر.
في احتجاج على هذا القرار، تجمهر بعض المحامين أمام أبواب المحاكم طلبًا للدخول وممارسة أعمالهم. وقد رضخت بعض هذه المحاكم وسمحت لهم. بينما رفضت محاكم أخرى كمحكمة زينهم إلا الاستجابة للقرار.
وأشار المحامون -في جروبات خاصة على «فيسبوك»- إلى أن الوضع متغير بين محكمة وأخرى. ففي محكمة شبرا الخيمة حدث تزاحم بين الجمهور والمحامين، مع إصرار المحكمة على تطبيق القرار واشتراط تقديم إثبات الحصول على التطعيم للسماح بالدخول. بينما في محكمة شمال الجيزة الابتدائية وتحت وقع تزايد أعداد الراغبين في الدخول تم فتح الأبواب. وقد شهدت محكمة زنانيري بشبرا مشادات بين المحامين وأمن المحكمة.
يقول المحامي ياسر سعد إن النقابات الفرعية تتواصل مع المحاكم لمد فترة سماح 15 يومًا. على أن يتم خلالها السماح للمحامين بالدخول إلى المحاكم لمباشرة أعمالهم. ويتسنى للبعض الحصول على اللقاح.
رغم الإعلان المسبق عن قرارات المنع، لا يزال عدد من المحامين غير راغب في الحصول على اللقاح. وتدفع هذه الفئة بأن الأمر يقع تحت بند الاختيار، فتلقي اللقاح ليس أمرًا جبريًا. كما أن حقيقة أن اللقاحات تحت التجربة أمر يثير قلقهم.
وقد وصل عدد متلقي اللقاح بين المحامين إلى قرابة 60%، وفق تصريحات أبو بكر الضوة، الأمين العام المساعد لنقابة المحامين، الشهر الماضي.
يقول «سعد»، إن استمرار أزمة رفض المحامين الحصول على اللقاح وبالتالي منعهم من دخول المحاكم أمر ينعكس بشكل مباشر على القضايا المنظورة. وهذا الأثر قد يصل فب بعض القضايا إلى حد شطب القضية.
هل مصر فقط من تطبق إجراء منع غير الملقحين؟
يقول فايد عطية، أستاذ مساعد الفيروسات الطبية والمناعة، إن قرار الحكومة ربط الحصول على اللقاح بدخول المصالح الحكومية صائب. وهو يستهدف السيطرة على الوضع الوبائي في البلاد. خاصة مع ظهور متحورات جديدة للفيروس أكثر انتشارًا قد يدفع تفشيها إلى إغلاق جديد. وهو يضيف أن الوصول إلى نسبة 70% من التطعيم بين الشعب المصري سينمع تفاقم الأمور.
ولا يرى عطية مبررًا للتخوف من اللقاحات عند البعض. إذ تم الإعلان عن اللقاحات منذ عام مضى، وتم الكشف عن أهمية الأمر وفوائده حتى يطمئن الجميع. ورغم ذلك لا يزال البعض متشكك، ما دفع الحكومة إلى اللجوء لهذا الإجراء، على حد قوله.
تحت عنوان «احصل على اللقاح وإلا تفقد وظيفتك»، يأتي الوضع الأمريكي مشابها لنظيره المصري. إذ تحث الإدارة الأمريكية أصحاب العمل في الولايات المتحدة على إصدار إنذارات نهائية لموظفيهم بضرورة التطعيم ضد فيروس كورونا وإلا سيفقدون أعمالهم. كما اتبعت المؤسسات هناك إجراءات تحفيزية، بتقديم مكافآت نقدية، وتذاكر لحضور مباريات رياضية. ووصل الأمر إلى حد تقديم مشروبات كحولية مجانية للتشجيع على التطعيم.
وفي السعودية، التي اقتربت من إعلان الوصول إلى نسبة 70% من التحصين، اُتخذت إجراءات شديدة في سبيل السيطرة على الوضع الوبائي. إذ قررت الدولة منع المترددين على الحج والسفر من الخارج، وحظرت دخول الجامعات ومراكز التسوق على غير الملقحين.
كما قررت السلطات المغربية فرض إبراز «جواز التلقيح» كشرط للتنقل بين المحافظات. وكذلك ضمن إجراءات السفر إلى الخارج، ودخول المؤسسات العامة والخاصة.
وقد حظرت منظمة الصحة العالمية مرات عدة من أن التشكيك بجدوى اللقاحات ضد فيروس كورونا المستجد، حتى تلك الأكثر فعالية بينها، قد يجعلها من دون فائدة. وقالت مسؤولة دائرة التلقيح في المنظمة كاثرين أوبراين -في تصريحات سابقة- «اللقاح الذي يبقى في براد أو ثلاجة أو على رف دون أن يستخدم لا يساهم في القضاء على هذه الجائحة».