في ظل انشغال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بمحاولة ردع المتمردين القابعين على مسافة عشرات الكيلومترات من عاصمته. وقف وزير الخارجية الصيني وانج يي في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الإثيوبي دمقي مكونن، الأربعاء الماضي، ليؤكد ثقة بكين ودعمها لحكومة آبي أحمد، وفي حكمة الشعب لحل مشاكله بنفسه.
وانج يي أكد على “وقوف بلاده بقوة ضد أي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا”. لكنه، لم يُحدد من هم الذين يحاولون التدخل في شؤون إثيوبيا.
صداقة مُخلِصة
زيارة وانج هي أول زيارة لمسؤول صيني رفيع منذ اندلاع أزمة تيجراي، وانتقالها إلى تهديد العاصمة أديس أبابا، مؤكدا أن “الصين صديق مخلص تربطه علاقات قوية مع شعب وحكومة إثيوبيا”. مُقدِّرًا بشكل كبير “التزام الصين القوي بسيادة إثيوبيا ووحدة أراضيها”،
ووصف وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء الإثيوبي الوضع في البلاد بـ “كل شيء آمن ولا يزال هادئًا وتحت السيطرة”.
وذكر وانج أن الصين تتبع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية. وشدد على كون بلاده لا تتدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا وتعارض تدخل القوى الخارجية. ناهيك عن محاولتها ممارسة ضغوط على إثيوبيا لتحقيق أهدافها الخاصة.
وقال وانج إن الصراعات الحالية في إثيوبيا تُعّد -في جوهرها- شأنا داخليّا لها. معربًا عن ثقته في أن إثيوبيا “لديها القدرة والحكمة على حلها بالوسائل السياسية وفقا للقانون لتحقيق الشمول والاستقرار”.
أهمية استراتيجية
تأتي الزيارة في أعقاب مشاركة وزير الخارجية الصيني في المنتدى الثامن للتعاون الصيني- الأفريقي، والذي أقيم في العاصمة السنغالية دكار. وهي زيارة كانت مقررة ضمن جولة شملت الأردن ولبنان.
ويتزامن توقيت الزيارة مع الوضع الحرج الذي تواجهه حكومة أديس أبابا، الذي دفع عددا من الدول الكبرى لتحذير رعاياها من التواجد في الأراضي الإثيوبية، وبدأت في إجلاء كثيرين منهم، بينما ظلّت الصين محتفظة بعدد كبير من مواطنيها العاملين في مجالات الاستثمار في إثيوبيا. كما يلفت محمود علام، السفير المصري الأسبق في الصين.
ويعتبر مراقبون أن الموقف المتشدد للولايات المتحدة تجاه الحكومة الإثيوبية هو بسبب الروابط القوية بين حكومة آبي أحمد والصين. ما يجعل دعم الجماعات المُناهضة للضغط على الحائز على نوبل للسلام، هو محاولة لمنع تنامي نفوذ بكين بالمنطقة.
فرغم كونها دولة حبيسة، والجفاف والفقر الغذائي التي تعاني منه، تُمثِّل إثيوبيا بُعدًا استراتيجيًا مهمًا للصين. فهي تجاور شرقًا جيبوتي التي تضعها الصين على قائمة أولوياتها. بل وأنشئت أول قاعدة بحرية لها خارج البلاد في جيبوتي لتكون قاعدة إمداد للسفن المشاركة في حفظ السلام والعمليات الإنسانية.
حدود متوغلة
يلفت الكاتب الصحفي طارق السنوطي، المتخصص في الشأن الصيني -نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام- إلى أن الموقع الجغرافي لإثيوبيا يدعم مصالح التوغل الصينية في شرق القارة، حيث تلامس حدودها دول منطقة القرن الأفريقي، وهي التي تُعزز طريق التجارة الصينية.
وقال السنوطي لـ “مصر 360”: زيارة وانج لا تأتي من فراغ، فالعلاقات الصينية الإثيوبية وطيدة ومتميزة على كافة المستويات، تدعهما الاستثمارات الصينية الكبيرة في كافة المجالات.
وتابع الكاتب المتخصص في الشأن الصيني أن الصينيين يرون في إثيوبيا دولة محورية وكبيرة في شرق أفريقيا. إضافة إلى أن أديس أبابا تستضيف مقر منظمتين هامتين بالنسبة للصين، أولهما الاتحاد الأفريقي، وهو ذلك المبنى الضخم الذي تبرعت به الصين إلى دول القارة؛ ومقر اللجنة الاقتصادية التابعة للأم المتحدة لأفريقيا، وكلتاهما منظمتان هامتان بالنسبة للصين.
نفوذ تكنولوجي
برزت إثيوبيا كساحة للتنافس الأمريكي-الصيني في المجال التكنولوجي والاقتصادي بشكل عام. حيث يمكن القول إن استهداف إثيوبيا بالعقوبات يمثل جزءاً من الصراع التكنولوجي على أديس أبابا.
وخلال العقدين الماضيين، طورت إثيوبيا روابط تجارية واستثمارية قوية مع الصين. ووفقًا لإحصائيات مبادرة أبحاث الصين وأفريقيا في جامعة جونز هوبكنز، فقد وقّعت الحكومة الإثيوبية اتفاقيات قروض خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2018 بمبالغ تقدر بـ 13.7 مليار دولار.
لكن المؤشر الأكبر على النفوذ التكنولوجي الذي تتمتع به الصين في إثيوبيا، تمثل في إطلاق أول قمر صناعي إثيوبي باسم ETRSS-1 في ديسمبر 2019. بدعم من الحكومة الصينية.
كما أعلنت السفارة الصينية في أديس أبابا في فبراير الماضي عن الاتفاق على تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا بين البلدين، دون الحديث عن تفاصيل أو طبيعة هذا التعاون.
علاقة ممتدة
شهد عام 2000 تطورا مهمًا في العلاقات الصينية الاثيوبية، عبر إقامة “منتدى التعاون الصيني-الأفريقي”، وإطلاق استراتيجية جديدة طويلة الأجل يتعاون فيها الجانبان ويدعم كلًا منهما الآخر.
استضافت إثيوبيا بالتعاون مع الصين المنتدى الثاني عام 2003. كانت المرة الأولى التي يُعقد فيها المؤتمر في أفريقيا؛ ثم كانت قمة المؤتمر الثالث عام 2006 بحضور 63 من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية. وصدر عن قمة بكين ورقة سياسية أفريقية-صينية تُعلن فيها سياسة الصين بـ “احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”.
هذه الورقة انعكست على العلاقات الصينية-الإثيوبية، وأدت لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية.
وفي عام 2005، عرضت الصين مساعدة إثيوبيا بسبب اتهامات بانتهاكات حقوق الانسان أثناء الانتخابات الإثيوبية. في المقابل، استفادت الصين من الدعم الإثيوبي لسياسة “صين واحد”، ودعمها الثابت للصين في تايوان.
وتُعّد الصين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر لإثيوبيا، وفقاً للأمم المتحدة، إذ تمثل حوالي 60% من جميع المشاريع الجديدة الممولة من الخارج في البلاد في عام 2019.
وتعمل في إثيوبيا أكثر من 500 شركة صينية، بإجمالي استثمارات تفوق 1.5 بليون دولار. من ضمن هذه الاستثمارات شراكات عدة في مجالات الكهرباء وبناء السدود، وأضخمها هو سد النهضة.
التعاون العسكري
مع عمق العلاقة بين البلدين، أمدت الصين أثيوبيا بالعديد من الاسلحة والعتاد العسكري أثناء حربها مع إريتريا في الفترة بين عامي 1998 و2000.
ومع تطور العلاقات بين البلدين تنامت العلاقات العسكرية بينهم فتعددت الزيارات العسكرية بين البلدين، كما تقوم الصين بدعم اثيوبيا عسكريا من خلال تدريب وتأهيل أفراد الجيش الاثيوبي، كما تبرعت وزارة الدفاع الصينية لبناء مستشفى عسكري في منطقة “بي شوفت”في إقليم الارومو.
نتيجة لذلك تزايدت مبيعات الصين العسكرية لإثيوبيا وخاصة في مجال الاسلحة الصغيرة والعربات المدرعة.
لكن مع قوة العلاقة، يستبعد السفير المصري السابق في بكين، محمود علام، أن تقدم الصين أي نوع من الدعم العسكري للحكومة الإثيوبية في مواجهة تحالف المتمردين موضحا أن الصين لديها سياسة واضحة، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، سواء صديقة أو غيرها. فقط تدعو أطراف النزاعات إلى الجلوس والتفاوض.
ورغم هذه العلاقة العميقة، فإن بكين لا يُمكن أن تكون قطعت أي نوع من التعهدات بالوقوف إلى جانب الحكومة الإثيوبية بشكل عسكري، سواء بالدعم المادي أو التقني “وربما هم واثقين في قدرة إثيوبيا على تحيق الاستقرار، وفقا لعلام.
تنافس مُعلن
وعلى عكس السياسة الصينية التي تقتضي بالتعامل مع الحكومات الشرعية فقط. استضافت واشنطن في وقت سابق ممثلي جماعات مسلحة ومعارضة لتشكيل تحالف ضد رئيس الوزراء آبي أحمد علي للسعي إلى فترة انتقال سياسي.
ويشمل التحالف المسمى “الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية”، قوات جبهة تحرير تيجراي، جيش تحرير أورومو. إضافة إلى سبع مجموعات أخرى من جميع أنحاء البلاد.
وحسبما قال يوهانيس أبرهة، أحد المنظمين، وهو من مجموعة تيجراي، لوكالة أسوشيتدبرس.فإن التحالف الجديد يعمل على “إقامة ترتيب انتقالي في إثيوبيا” حتى يتمكن رئيس الوزراء من الرحيل في أسرع وقت ممكن.
كر وفر
وبينما تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في الذكرى السنوية الأولى على اندلاع حرب تيجراي، بدفن أعداء الحكومة، محذرا من تكرار سيناريو سوريا وليبيا في بلاده. تشهد البلاد حالة من الكر والفر، لا تبدو في الأغلب لصالحه.
وقال بيان نشره الموقع الإلكتروني للسفارة الأمريكية لدى إثيوبيا “الوضع الأمني في إثيوبيا غير واضح تماماً. ننصح المواطنين الأمريكيين الموجودين في إثيوبيا، بمغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن”.
جاء ذلك بينما أعلنت الحكومة الإثيوبية، عن سيطرة قواتها على منطقة “جاشانا أربيت”، التي تعد محورا استراتيجيا يربط أربع مدن كبرى في إقليم أمهرة.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإثيوبية، لجسي تولو، إن الجيش والقوات الخاصة لإقليم أمهرة “تمكنوا من كسر الدفاعات والخنادق المسلحة لجبهة تحرير تيجراي بمنطقة جاشانا أربيت والسيطرة عليها تمامًا”.
وأوضح تولو، في مؤتمر صحفي، أن المنطقة تعتبر محورًا استراتيجيًا يقطع الطريق لقوات جبهة تحرير تيراي من العودة لإقليمها. وأضاف أن الجيش الاثيوبي ما يزال يحقق انتصارات على مختلف الجبهات.
ملاحقة النفوذ
على جانب آخر من المطامع. توضح الدكتورة إيمان فخري، في تحليلها للصراع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، أنه إذا استمرت العلاقات الأمريكية-الإثيوبية في التدهور حال استمرار الولايات المتحدة في الضغط على إثيوبيا بسبب النزاع الدائر في إقليم تيجراي -وهو أمر مرجح الحدوث- فمن الممكن أن تقوم مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية بسحب تمويلها لتطوير شبكات الجيل الخامس للهاتف المحمول في إثيوبيا،
ولفتت في التحليل الصادر عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. وجاء بعنوان “كيف تلاحق إدارة بايدن النفوذ الصيني في إثيوبيا؟” أن ذلك سيمثل فرصة كبرى للصين لترسيخ نفوذها في إثيوبيا.
وأشارت فخري إلى أنه من المتوقع أن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في إدارة حربها بالوكالة مع الصين في إثيوبيا. حيث سيكون من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- أن تتخلى إثيوبيا عن علاقها بالصين، خاصة في ظل تراجع الدعم الأمريكي.
وأوضحت أن الانخراط الصيني المكثّف هو سيناريو يدعمه استمرار فرض إدارة بايدن للقيود على شركات التكنولوجيا الصينية. ومن ثم فمن المرجح ألا تجد الصين مفرًا من استمرار وجودها في إثيوبيا. حتى في حالة نشوب نزاعات داخلية.
سد النهضة
يلفت الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة إلى أن الصين واحدة من كبرى الدول ذات المصالح في إثيوبيا، وتملك الكثير من المصانع والشركات هناك” وعلى رأس هذه الشركات العاملة في مجال السدود. فقد بنى الصينيون عدة سدود لإثيوبيا، وحاليًا يعملون معهم في سد النهضة”.
يقول شراقي لـ “مصر 360”: هناك تعاون ضخم في مجال الطاقة الكهربائية، خاصة بعد اكتشاف فساد في إدارة السد. ما اضطر رئيس الوزراء آبي أحمد لاستبعاد الشركة الإثيوبية “ميتك” والمكلفة بالأعمال الكهربائية. عندها حلّت الشركات الصينية محلها.
وفي عام 2013، قدمت الصين 1.3 مليار دولار إلى البلاد لبناء خطوط نقل من السد. وشاركت شركات صينية، مثل “China Gezhouba Group” و “Voight Hydro Shanghai”، في بناء سد النهضة.
واتضح جليًا موقف بكين المُساند لإثيوبيا في كلمة المندوب الدائم تشانج جيون أثناء جلسة مجلس الأمن حول سد النهضة، عندما قال إن بلاده “تؤمن بأنه من خلال الجهود المشتركة يمكن استكمال السد. وأن يكون مشروعًا تنمويًا يعزز الثقة المتبادلة والتعاون”.
في المُقابل، حاولت إدارة الرئيس بايدن انتهاج دورا أكثر توازنًا في القضية، لكن ازداد موقفه تعقيدًا نتيجة التصعيد الذي حدث في إقليم تيجراي، والذي وصفة القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي روبرت جوديك إنه يشمل “أعمال التطهير العرقي”.
ونتيجة لذلك، وقع الرئيس بايدن على أمر تنفيذي في السابع عشر من سبتمبر، يهدد بفرض عقوبات على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وذلك من بين آخرين مسؤولين عن أعمال العنف في تيجراي.