بينما لا تزال الأوضاع الأمنية والسياسية غير مستقرة في إثيوبيا، تحاول مصر الحشد الدبلوماسي لإيجاد موقف توافقي يمكن أن يقود إلى انفراجة في ملف سد النهضة. وذلك من خلال الدعوة لجولة تفاوضية جديدة تنتهي باتفاق ملزم بين الدول الثلاث.

إثيوبيا ترفض التنسيق في تشغيل سد النهضة

أعلنت القاهرة عن محاولات إثيوبيا الدائمة للإضرار بالأمن المائي لمصر. فبينما ترفض التنسيق والتعاون في مراحل التشغيل، فإنها تراوغ لكسب المزيد من الوقت. وفق ما قاله وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي، الذي اعتبر أن “إنشاء إثيوبيا سد النهضة بهذا الحجم الضخم، وبدون وجود تنسيق في التشغيل هو سابقة لم تحدث من قبل”.

كان الوزير بمقر وزارة الخارجية المجرية على هامش مشاركته في مؤتمر “كوكب بودابست للتنمية المستدامة” المنعقد في المجر. وأشار عبدالعاطي إلى أن “الأمر يستلزم وجود آلية تنسيق واضحة وملزمة بين سد النهضة والسد العالي، وهو ما ترفضه إثيوبيا”.

وزير الري أثناء إلقاء كلمة بالأكاديمية الدبلوماسية المجرية
وزير الري أثناء إلقاء كلمة بالأكاديمية الدبلوماسية المجرية

وقال عبد العاطي إن مصر عرضت على إثيوبيا العديد من السيناريوهات. والتي تضمن قدرة السد على توليد الكهرباء بنسبة تصل إلى 85% في أقصى حالات الجفاف. وأضاف: “وجود آلية تنسيقية في إطار اتفاق قانوني عادل وملزم، يعد ضمن إجراءات التكيف مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية”.

كما أشار إلى أن مصر وافقت على إنشاء العديد من السدود في دول حوض النيل. وبينها خزان أوين في أوغندا، الذي قامت مصر بتمويله، بالإضافة للعديد من السدود في إثيوبيا، مثل تكيزي، وشاراشارا، وتانا بلس.

وزير الري: إثيوبيا تعمدت إصدار بيانات مغلوطة لدول المصب

كما تحدث عبدالعاطي عن تعمد إثيوبيا إصدار بيانات مغلوطة والانفراد بإدارة السد، مما تسبب في حدوث أضرار كبيرة لدولتي المصب. وأوضح الأضرار التي تعرضت لها السودان نتيجة الملء الأحادي في العام الماضي. والذي تسبب في معاناة السودان من حالة جفاف قاسية. أعقبتها حالة فيضان عارمة، بسبب قيام الجانب الإثيوبي بتنفيذ عملية الملء الأول بدون التنسيق مع دولتي المصب.

وأضاف أن الجانب الإثيوبي، أطلق كميات من المياه المحملة بالطمي خلال شهر نوفمبر/تشرين ثان 2020، بدون إبلاغ دولتي المصب. وهو ما تسبب في زيادة العكارة بمحطات مياه الشرب بالسودان.

محطة بحر البقر لتحلية المياه
محطة بحر البقر لتحلية المياه

عبد العاطي: 4 تحديات مائية تواجه مصر

وألقى عبدالعاطي الضوء على التحديات المائية التي تواجهها مصر، وعلى رأسها الأفعال الأحادية لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي. بالإضافة إلى الزيادة السكانية والتغيرات المناخية ومحدودية الموارد المائية. الأمر الذي يستلزم وضع السياسات اللازمة واتخاذ العديد من الإجراءات وتنفيذ مشروعات كبرى لتحقيق الإدارة المتكاملة والمثلى للموارد المائية.

وشدد على أن قضية المياه هي قضية محورية في مجال تحقيق التنمية المستدامة. الأمر الذي يستلزم زيادة التعاون وتبادل الخبرات بين مختلف دول العالم في مجال المياه. كما أكد في الوقت نفسه ما تمتلكه مصر من خبرات وطنية يمكنها التعامل مع التحديات التي يواجهها قطاع المياه.

مصر تعتمد بنسبة 97% على مياه نهر النيل. وتصل احتياجات مصر المائية لنحو 114 مليار متر مكعب سنويًا يقابلها موارد مائية لا تتجاوز الـ60 مليار متر مكعب سنويًا

واستعرض وزير الري الموقف المائي في مصر، مشيرًا إلى أن مصر تعتمد بنسبة 97% على مياه نهر النيل. وتصل احتياجات مصر المائية لنحو 114 مليار متر مكعب سنويًا يقابلها موارد مائية لا تتجاوز الـ60 مليار متر مكعب سنويًا. بعجز يصل إلى 54 مليار متر مكعب سنويًا. ويتم سد تلك الفجوة من خلال إعادة استخدام المياه. واستيراد محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنويًا.

السيسي يحذر من “فرض الأمر الواقع” في ملف سد النهضة

في السياق، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على موقف مصر الثابت بصون أمنها المائي. وذلك من خلال التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.

وأكد السيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز: “أهمية التوصل اتفاق شامل وملزم وعادل بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. وأهمية أن يدفع المجتمع الدولي بهذا الاتجاه ويعمل على دعم ومساندة عملية تفاوضية فعالة لتحقيق هذا الهدف”.

وطالب السيسي بـ”ضرورة الابتعاد عن أي نهج أحادي يسعى إلى فرض الأمر الواقع وتجاهل الحقوق الأساسية للشعوب. ورؤية مصر لجعل نهر النيل مصدرا للتعاون والتنمية كشريان حياة لكل شعوب دول حوض النيل”.

تقرير: تصعيد مصري إثيوبي جديد بشأن سد النهضة

في الأثناء، لاحظ تقرير موقع المونيتور الأمريكي وجود تصعيد مصري إثيوبي جديد بشأن سد النهضة. وذلك من خلال تحذير وزير الري محمد عبدالعاطي من تداعيات عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الخلاف.

وقال وزير الري إن أي نقص في المياه سيؤثر على العاملين في القطاع الزراعي. ويتسبب في عدم الاستقرار الأمني ​​والاجتماعي في المنطقة وزيادة الهجرة غير الشرعية.

عامل على سلم بناء في سد النهضة الإثيوبي
عامل على سلم بناء في سد النهضة الإثيوبي

وصرح عبد العاطي، عقب لقائه مسؤولين أمريكيين في القاهرة، بأن مصر أبدت مرونة كبيرة خلال مختلف مراحل المفاوضات. في إطار رغبتها في التوصل إلى اتفاق عادل وملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، مع مراعاة إجراءات محددة. للتعامل مع حالات الجفاف المختلفة حيث تعتمد مصر بشكل أساسي على نهر النيل في الإمداد بالمياه.

عبد العاطي استقبل ماثيو باركس خبير المياه في حكومة الولايات المتحدة. ونيكول شامبين نائبة سفير الولايات المتحدة في القاهرة. وممثلي السفارة الأمريكية بالقاهرة. وقال عبد العاطي خلال الاجتماع: “حاولت مصر عدة مرات بناء الثقة خلال مراحل المفاوضات. لكن هذا لم يقابل بحسن نية من جانب إثيوبيا”.

اكتمال 83% من أعمال البناء في سد النهضة

وقال الوزير إن تصرفات إثيوبيا تسبب في أضرار مادية بمليارات الدولارات. في محاولة للتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن هذه الإجراءات الأحادية التي عطلت نظام نهر النيل. بينما أعلن كيفل هورو، مدير مشروع سد النهضة، أن 83% من أعمال البناء في سد النهضة قد اكتملت.

ونقلت قناة “الجزيرة” عن هورو قوله إن إثيوبيا نجحت في استكمال الملء الأول والثاني للسد بـ18.5 مليار متر مكعب من المياه “بفضل كمية الأمطار التي فاقت التوقعات”.

سد النهضة عقب الملء الثاني
سد النهضة عقب الملء الثاني

وتقول إثيوبيا إنها أكملت بنجاح التعبئة الثانية كما هو مخطط لها، بسعة 13.5 مليار متر مكعب من المياه. لكن خبراء المياه المصريين والسودانيين أكدوا أنه لا يمكن تخزين أكثر من 3 مليارات متر مكعب. بالإضافة إلى 4.9 مليار متر مكعب من المياه التي تم تخزينها في السد خلال التعبئة الأولى في يوليو/تموز 2020.

في المقابل، استغرب عبد العاطي من ادعاء إثيوبيا أنها ملزمة بملء السد من جانب واحد كضرورة بناء ولغرض توليد الكهرباء. وأشار إلى أن أديس أبابا تدعي أنها بدأت ملء بحيرة السد العام الماضي على الرغم من أن توربينات السد ليست جاهزة لتوليد الكهرباء. وأنها كررت نفس السيناريو هذا العام دون البدء في توليد الكهرباء أيضًا.

محاولات فاشلة

فشلت محاولات الاتحاد الأفريقي المستمرة منذ يونيو/حزيران 2020 في التوسط في صفقة لإنهاء الجمود في المفاوضات. وعقدت الجولة الأخيرة في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية في أبريل الماضي، لكنها لم تؤد إلى اتفاق بشأن استئناف المفاوضات. وتبادل الطرفان بعد ذلك الاتهامات بعرقلة المحادثات.

وفي منتصف سبتمبر أصدر مجلس الأمن بيانا دعا الدول الثلاث إلى استئناف المفاوضات بروح بناءة وتعاونية، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي “للانتهاء بشكل عاجل من نص اتفاقية ملزمة ومقبولة للطرفين بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.”