بعدما أصدر رئيس الجمهورية القانون رقم 150 لسنة 2021 بتعديل قانون العقوبات، والمتضمن تغليظ عقوبة جريمة إفشاء الأسرار العسكرية، بتعديل نص المادة (80 أ) من قانون العقوبات لتشديد العقوبة على إفشاء أسرار الدولة. ارتفعت الغرامة من 5 آلاف حتى 50 ألف جنيه، بدلا من الغرامة الحالية التي تتراوح بين 100 حتى 500 جنيه، مع الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 5 سنوات، وذلك مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر.
وتشمل الجرائم المعاقب عليها في المادة: إفشاء أسرار الدولة المصرية، والحصول بأية وسيلة غير مشروعة على سر من أسرار الدفاع عن البلاد، أو إفشائه لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها، وإذاعة سر من أسرار الدفاع عن البلاد، واستخدام وسائل التراسل مع جهة أجنبية، وتنظيم واستعمال أية وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو تسليمه أو إذاعته، كما تضم الجرائم: استخدام الإحصاءات لصالح دولة أخرى، وجمع الاستبيانات أو الإحصاءات أو إجراء الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة أو مهامها أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم دون تصريح كتابي من وزارة الدفاع، واستخدام وسائل الخداع خلال الحرب، فإذا وقعت الجريمة في زمن الحرب أو باستعمال وسيلة من وسائل الخداع أو الغش أو التخفي أو إخفاء الشخصية أو الجنسية أو المهنة أو الصفة أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، أو كان الجاني من ضباط القوات المسلحة أو أحد أفرادها أو من العاملين المدنيين لديها كانت العقوبة السجن، ويعاقب بالعقوبة نفسها عند الشروع في ارتكاب هذه الجرائم.
وحتى نتمكن من القول عن مدى إعاقة مثل هذا التعديل لتداول المعلومات، فلابد وأن نتطرق لمعنى أو مفهوم السر الحربي أو العسكري، حيث يمكن تعريف مفهوم إفشاء السر العسكري بأنه الإفضاء بوقائع لها الصفة السرية من شخص مؤتمن عليها بحكم وضعه أو وظيفته أو مهنته أو فنه، بصورة مخالفة للقانون، وتمثل الحكمة من تجريم إفشاء الأسرار تكريساً لواجب أخلاقي تقتضيه مبادئ الشرف والأمانة. وقد تضمنت كافة القوانين والشرائع موجب الحفاظ على الأسرار وتجريم إفشائها، ليس فقط لحماية صاحب السر ومكانته ومركزه وشرفه، بل وأيضاً لصيانة المصلحة العامة في المجتمع، وعدم تعريض سمعة المهن والمراكز السامية النبيلة للإهانة أو لعدم الثقة والاحترام، كالطب والمحاماة والقضاء والوظائف وغيرها. فإن لم يجد المريض طبيباً يركن إليه ويودعه سرّه، أو لم يجد المتهم محام يطمئن إليه ويصارحه بسرّه، لأدى ذلك إلى المس بحقوق الإنسان والإضرار بالمجتمع ككل.
وقد أكدت اللجنة التشريعية في تقريرها عن ذلك القانون على أن الالتزام بالمحافظة على الأسرار العسكرية من الواجبات المهمة الملقاة على عاتق المواطنين وعلى كل من يقيم على أراضي الدولة، وأضافت أن أسرار الدفاع عن البلاد من الأسرار التي يوليها المشرع في بلدان العالم عناية خاصة لتعلقها بمصالح حيوية للدولة، وقد علقت عن هذا التعديل بأنه قد جاء ليتواكب مع الظروف القائمة وما تواجهه الدولة من أخطار.
ولكن قد اعترض بعض النواب على هذه التعديلات من ذلك ما ذكره النائب محمد عبد العليم داود بأن هذا التعديل يمثل قيدا على حريات الباحثين والصحفيين في الحصول على المعلومات.
وأول ما يمكن ملاحظته على هذا التعديل التشريعي، بخلاف التشدد في العقوبة، والذي بات سمة مميزة للمشرع المصري خلال الحقبة الأخيرة، ما جاء به هذا التهديل من معاقبة على الشروع على تلك الجريمة، ولست مدركا كيفية تحقق الشروع في جريمة الحصول على معلومات متعلقة بأسرار الدفاع، إذ من حيث المنطق القانوني، حيث أنه من الأساس هناك العديد من أنواع الجرائم التي لا يتصور فيها الشروع حيث لا يتصور الشروع في نوعية الجرائم التي تأبى طبيعة ركنها المادي الخضوع لأحكام الشروع، كما أن هذا التعديل يسمح بإحالة المدنيين إلى المحاكمة أمام المحاكم العسكرية.
لكن الأهم والأجدر بالذكر هو مدى تعارض تلك التعديلات مع حرية تداول المعلومات، إذ على الرغم من إقرار وتأكيد القانون الدولي لحقوق الإنسان والدستور المصري بالحق في حرية تداول المعلومات والحصول عليها، إلا أن الغالب في التشريعات المصرية هو التقييد من الحقوق والحريات الواردة بالوثيقة الدستورية تحت مزاعم متعددة وإن كان يغلب معظمها تحت بند الأمن القومي، ذلك على الرغم من المحاولات الحقوقية الدولية لمحاولة الوصول لتعريف محدد لمفهوم أو معنى قاطع الدلالة للأمن القومي إلى أن تم الوصول إلى وثيقة المبادئ العالمية للأمن القومي والحق في المعلومات، وقد توسعت هذه الوثيقة في شرح وتفسير معنى الأمن القومي، إلا أنها أجمعت على ضرورة أن يتفق مع المتطلبات اللازمة لأي مجتمع ديمقراطي.
وبالطبع سوف يكون الرد على مثل هذه الاعتراضات هو أن التعديل التشريعي لم يقم بمنع الحصول على المعلومات، ولكنه قد وضع لها الاشتراطات اللازمة والتي أهمها هو الحصول على التصريح اللازم من الجهة المختصة بذلك، ولكن إلى أي مدى سيكون التصريح متاحا أو في أي وقت سيكون سامحا لطالب الحصول على البيان او المعلومة. وإن كان الأغلب سيكون الأمر عائقاً أما الباحثين أو الصحفيين إلى درجات بعيدة.
هذا بخلاف عدم تحديد معنى أو تعريف للسر العسكري، بحيث يمنع من الخلط في تحديد المعنى توسيعا أو تضييقا، بما يسمح بالإحالة للمحاكمة العسكرية تحت هذه المظنة، وهو ما يذكرنا بما حدث في قضية الصحفي / إسماعيل الإسكندراني، والذي تمت محاكمته أمام المحكمة العسكرية في القضية رقم 18 لسنة 2018 عسكرية، وكان أحد تلك الاتهامات التي وجهت إليه هو الحصول بطريقة غير مشروعة على أحد الأسرار العسكرية.
وما نسعى إلى إقراره من خلال هذا المقال هو المحاولة إلى وضع تعريف محدد لمفهوم السر العسكري أو المعلومة العسكرية، وألا يكون هذا التعديل التشريعي عائقا أمام ممارسة حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات بحسب أنها الأصل العام الذي يجب المحافظة عليه وتطويره سعيا لتحقيق الصالح العام.