“ضبابي” و”عدم اليقين” و”لايمكن التنبؤ به”.. تتداول تلك الكلمات على لسان اقتصادي العالم في ظل ترقب حذر لما سيحدثه المتحور الجديد لفيروس كورونا “أوميكرون”، وهي كلمات تحمل في الأساس الكثير من القلق لمن يتقن لغة الأرقام. وتعني ببساطة العجز عن اتخاذ القرار أو توقع حدوثه.

في تلك الأجواء، تتردد كثيرا كلمة سيناريوهات المحتملة، التي تنطلق من أقصى درجات التفاؤل حتى أكثرها سوداوية وتشاؤما وتتضمن دلائل وسياقات متعددة لكن في الوقت ذاته لا تعطي فرصة لبناء قرار استثماري.

سيناريوهات محتملة لتأثير أوميكرون

“جولدمان ساكس” وهي مؤسسة مالية معروفة وضعت عدة سيناريوهات محتملة لتأثير “أوميكرون” على الاقتصاد العالمي أولها سلبي بأن يحدث تباطؤ للنمو العالمي السنوي إلى 2% في الربع الأول من 2022، بأقل 2.5% عن توقُّعاتها الحالية بجانب هبوطه إلى 4.2% للعام المقبل.

أما السيناريو المتفائل، الذي وضعته جولدمان ساكس بأن يمر أوميكرون مثل المتحورات السابقة كدلتا ولمدا دون تأثير قوي على الاقتصاد العالمي كموجة رابعة من الوباء، وبالتالي تظل التوقعات للنمو الاقتصادي كما هو العامين الحالي والمقبل.

ما يجعل الضبابية متسيدة المشهد، قدوم المتحور الجديد في وقت كان الاقتصاد العالمى بدأ التعافي التدريجي من تداعيات الوباء، ويجني ثمار التلقيح، وعادت الحياة لطبيعتها في غالبية دول العالم.

جاءت الموجة بعد تقرير لصندوق النقد الدولي أكد أن الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات المتقدمة سيعود لمستويات ما قبل الوباء في عام 2022، بل وسيتجاوزه بنسبة 0.9% في عام 2024، في حين سيظل نمو الاقتصادات الناشئة والنامية عند مستوى أقل من التوقُّعات السابقة للوباء بنسبة 5.5% في عام 2024.

السفر والسياحة مرشحان لمزيد من الخسائر

وسط حالة عدم اليقين، تتوقع بنوك الاستثمار  أن يكون التأثير الأكبر للمتحور الجديد في قطاعي السفر والسياحة حول العالم، وإن كانت بعض البنوك تتوقع أن لا يتأثر القطاعان بدرجة كبيرة. وتستند هذه النظرة التفاؤلية إلى تزايد موجات التطعيم التي قد تحد من قوة الإصابات، واستمرار العمل والإنتاج حتى مع تغيير بعض قيود الوقاية والحد من انتشار الفيروس مجدداً.

لكن لمنظمة السياحة العالمية توقعات أكثر تشاؤما مرجحة أن تخسر السياحة حول العام تريليوني دولار عام 2021 وهو مبلغ مماثل للعام الماضي واصفة تعافي القطاع بأنه “بطيء” و”هش”. مضيفة أن التطورات الأخيرة المتمثلة بفرض قيود جديدة على خلفية انتشار أوميكرون وإجراءات الإغلاق في دول عدة خلال الأسابيع الفائتة، تُظهر أنه “وضع لا يمكن التنبؤ به إلى حد كبير”.

تأتي هذه التوقعات بعدما مرت صناعة السياحة بأشهر جيدة، وفقا لمنظمة السياحة العالمية، التي أكدت أن عدد السياح الدوليين الوافدين ارتفع بنسبة 58% خلال الربع الثالث من 2021 على أساس سنوي خصوصا الوافدة من أوروبا.

نقص كبير في الإمدادات الطبية

إشكالية البنوك الاستثمارية في تركيزها على المخاطر على عكس الاقتصاديين الذين ينظرون لجانبي الكوب الممتلئ والفارغ، فوفق مقاييس “بلومبرج إيكونوميكس” الجديدة يوجد نقص في الإمدادات العالمية التي تدفع الأسعار للقفز لأعلى، وتعرض التعافي الاقتصادي، للخطر.

تحذر الدراسة من خطر التضخم على الاقتصاد العالمي الذي يظهر لاعبا أساسيا مع ارتفاع أسعار كل شئ خاصة بعد تراجع البنوك المركزية عن رأيها السابق بأن التضخم العالمي مؤقت، فالمنتجون في العالم قد تفاجأوا بالانتعاش الاقتصادي بعد أن خفضوا طلبيات شراء المواد العام الماضي، عندما توقف المستهلكون عن الإنفاق، وبعضهم توجه للعمل لقطاعات أخرى.

في السياق نفسه، تكشف حركة الاستثمار في البورصات المخاوف بشكل أكبر، فمع وصف منظمة الصحة العالمية المتحور الجديد بأنه مثير للقلق اتجه المستثمرون بالأسواق العالمية إلى الأصول الآمنة لترتفع أسعارها (الذهب)، بينما شهدت الأصول ذات المخاطر (البورصة والسندات) انخفاضات حادة، وسجلت سندات الخزانة الأمريكية أكبر مكاسب ليوم واحد منذ مارس 2020، بينما تعرض مؤشر ستاندرد آند بورز لأكبر خسارة يومية منذ فبراير 2021.

حتى طريقة تعامل الدول مع الوباء ستخضع أيضا للغة السيناريوهات بداية من غلق بعض المرافق العامة، كالمطاعم وقاعات المؤتمرات ومنع التجمعات، أو تطبيق تباعد اجتماعي على مختلف المرافق العامة المغلقة أو في فرض تباعد اجتماعي على مختلف المرافق العامة المغلقة.

التلفيح سيلعب دورا في المتحور الجديد

عدالة اللقاحات

ما يجعل الاقتصاد العالمي في مأزق حاليا هو عدم عدالة توزيع اللقاحات، التي تعني وجود أماكن على الخريطة لم يتم تلقيحها، بل باتت قادرة على إظهار المزيد من التحورات الفيروسية باستمرار أو ارتفاع معدل الإصابات والوفيات، وهو النموذج الجنوب أفريقي الذي بات يهدد العالم الآن.

جوردون براون، سفير منظمة الصحة العالمية، أقر بفشل المجتمع الدولى في الوفاء بتحقيق التوزيع العادل للقاحات، فرغم أن العالم مع نهاية هذا العام سيكون قد أنتج 12 مليار لقاح، فإن 95% من البالغين فى الدول الأفقر مازالوا محرومين من اللقاح الذى تستحوذ عليه الدول الأغنى، ولن تصل أكثر من 80 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل للحد الأدنى المقرر عالميًا بتطعيم 40% من البالغين من سكان كل دولة.

يقول الدكتور محمود محيى الدين، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، إن هناك إصرارا في منظمة التجارة العالمية على عدم منح الإعفاء المؤقت من قيود حماية حقوق الملكية لما يتعلق بمواجهة الجائحة من لقاح وعلاج، ما جعل للعالم يضيع وقتًا ثمينًا منذ تقدمت جنوب أفريقيا والهند في أكتوبر عام 2020 بطلب الإعفاء الذى رفضته إدارة ترمب الأمريكية ودول غنية معها.

عاودت تلك الدول الكرة مجددًا ومعهما 60 من الدول النامية فى شهر مايو من هذا العام بطلب جديد، ولم يحرك هذا ساكنًا رغم موافقة ما أظهرتها الولايات المتحدة منذ عدة شهور، بعدما كانت معترضة على الموافقة من قبل، لتعارضها الآن دول أوروبية بحجج واهية، وفقا لمحيي الدين.

الدول الأغنى اشترت بالفعل ما يقترب من 90% من كافة اللقاحات، كما تسيطر على 70% من توريدات المستقبل. هذا فى حين أن عدد من حصلوا على اللقاح فى إفريقيا يقل عن 7% وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وأوفت الولايات المتحدة بحوالى 22% من تبرعاتها الموعودة فحسب، وهى بذلك أفضل نسبيًا من أداء الاتحاد الأوروبى الذى لم يتجاوز نسبة 15%.