قررت الحكومة المصرية رفع أسعار أسطوانة البوتاجاز، بنحو 7.7%، اعتبارًا من أمس (السبت). وتراوحت الزيادات الجديدة للأسعار بين 5 جنيهات لأسطوانة المنازل الصغيرة و10 جنيهات للأسطوانات التجارية الكبيرة. فكيف تؤثر هذه الزيادة على الوضع الاقتصادي لمحدودي الدخل؟ ودورها في التأثير على أسعار الأنشطة التجارية وأسعار السلع الاستهلاكية؟
بمقتضى القرار الجديد، سيصبح سعر الأسطوانة 70 جنيهًا (4.4 دولارات) بدلاً من 65 جنيهًا في السابق. بينما سيتراوح سعر الأسطوانة للاستهلاك التجاري من 130 إلى 140 جنيهًا (8.9 دولارات) بزيادة قدرها 10 جنيهات.
مصير أنبوبة الغلابة مع هيكلة الدعم
في عام 2014/ 2015 بدأت الحكومة ممثلة في وزارة البترول، خطة ترشيد دعم الطاقة. وذلك بتطبيق زيادات متتالية في أسعار الوقود. وقد أعلنت حينها عن خطة لإلغاء الدعم وتحرير سعر الطاقة بحلول عام 2021، ومحاسبة المواطن بسعر التكلفة. على أن يتم ربط سعر بيع المنتجات البترولية بالأسعار عالميًا، من خلال لجنة تسعيرة الوقود التلقائي التي شُكلت لهذا الغرض.
قبل اعتماد برنامج رفع الدعم عن الوقود -الفترة من 2010 وحتى 2015- كانت الدولة تعاني من عجز واضح في توفير الوقود، ومنها أسطوانات البوتاجاز. ومن ثم كان لذلك تأثير على مختلف الأنشطة التجارية والمنزلية التي لم يصلها الغاز الطبيعي. ولذا اتجهت الدولة إلى تطوير القطاع وإقامة مشروعات إنتاج جديدة لتلبية احتياجات السوق من أسطوانات البوتاجاز، كما يقول محمد حنفي مدير عام غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات لـ «مصر 360».
لكن إلى الآن لم تصل الدولة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي. رغم عمليات البحث والتنقيب المكثفة التي تم السنوات الماضية، كما يوضح حنفي.
إنتاج البوتاجاز
ورغم التوسع في خطط زيادة توصيل الغاز الطبيعي إلى المنازل والوحدات التجارية. بقيت فئة عريضة من المواطنين لاتزال تعتمد على أسطوانات البوتاجاز بشكل أساسي في حياتها اليومية. وكذلك هو الأمر بالنسبة للأنشطة التجارية في المناطق التي لم يصلها الغاز الطبيعي.
مصادر مسؤولة بالهيئة العامة للبترول، أكدت لـ «مصر 360»، أن إجمالي المعروض من كميات البوتاجاز في السوق المحلية يتراوح بين 260 : 265 ألف طن شهريًا. وهي تنقسم إلى قرابة 135 ألف طن استيراد و130 ألف طن إنتاج محلي.
ولم يصل التوسع في إنتاج البوتاجاز -وفق المصادر- إلى مرحلة الإنتاج الذاتي. كما لاتزال هناك فجوة كبيرة بين العرض والطلب. لذا تحاول الدولة سد الفجوة عبر الاستيراد الخارجي. وهو ما يجعلها عرضة للتأثر بتقلبات الأسعار العالمية من النفط الخام. ومن ثم تحريك أسعار أسطوانات البوتاجاز للجمهور المستهلك.
لماذا ارتفعت أسعار البوتاجاز؟
رغم التحركات المستمرة في أسعار المنتجات البترولية، إلا أن الحكومة لاتزال تدعم أسطوانة البوتاجاز بما يتجاوز الـ 100 جنيه للأسطوانة الواحدة، كما يشير محمد طاهر وكيل وزارة البترول السابق. وهو يضيف في حديثه لـ «مصر 360»، أن هذا الأمر يحمل موازنة الدولة أعباءً إضافية، تُثقل من كاهل دعم الطاقة خلال العام المالي الجاري.
يضيف طاهر أن الارتفاعات المستمرة في أسعار النفط عالميًا تسببت في زيادة كافة أنواع المنتجات البترولية، ومنها أسطوانات البوتاجاز. فقد وصل سعر الطن مؤخرًا إلى حوالي 800 دولار، مقابل 450 دولار خلال السنوات الماضية. ذلك في الوقت الذي تستورد فيه مصر حوالي 50% من احتياجات السوق المحلي. وبالتالي فالارتفاع في قيمة فاتورة شراء الوقود شهريًا أمر مبرر وإجباري.
وكانت أسطوانة البوتاجاز بعيدة عن قرارات زيادة الأسعار. لكن التقلبات المستمرة في سعر خام برنت، وتجاوزه حاجز 80 دولارًا للبرميل، جعل الحكومة غير قادرة على تحمل تلك الأعباء الإضافية في الموازنة، على حد قول وكيل البترول السابق.
ويرى المهندس حسام عرفات، رئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية سابقًا، أن رفع أسعار أنابيب البوتاجاز لا يزال محدودًا مقارنة بالتكلفة الحقيقية. ويضيف -في حديثه لـ «مصر 360»- أن الأزمة الحقيقية في إنتاج البوتاجاز. فإلى الآن نستورد حوالي 50% من احتياجات السوق من الخارج. وبالتالي ستضطر الحكومة لتحريك الأسعار في ظل الأسعار العالمية المرتفعة بشكل كبير، عن سعر البيع داخليًا.
كيف يؤثر تحريك الأسعار على محدودي الدخل؟
مع ارتفاع أسعار أسطوانات البوتاجاز، فإن الآثار الجانبية السلبية تؤثر على كافة تفاصيل الحياة اليومية للمواطن. خاصة فئة المواطنين من الطبقات المتوسطة والفقيرة ومحدودي الدخل. ذلك باعتبارها الفئات التي لاتزال تستهلك أسطوانات البوتاجاز، لموقعهم في المناطق النائية البعيدة عن خطوط نقل الغاز الطبيعي.
ليس لدى رمضان أبو العلا الخبير البترولي أدنى شك في كون تحريك أسعار البوتاجاز يؤثر على شرائح مجتمعية عدة. بما يشمل الأنشطة التجارية، وما يتبع ذلك من ارتفاع بأسعار السلع والمنتجات. إذ أن جميعها مرتبط بالزيادة الجديدة في تكلفة مدخلات التشغيل.
على سبيل المثال، تعتمد مزارع الدواجن بشكل أساسي على أسطوانات البوتاجاز في عمليات تدفئة المزراع خلال أشهر الشتاء. وهي تستهلك كميات مضاعفة خلال هذه الفترة من العام. وبالتالي تحريك أسعار أسطوانات البوتاجاز قد يزيد من سعر بيع الدواجن واللحوم في السوق الأيام المقبلة.
وينفق محدودو الدخل نسبًا كبيرة من دخولهم في توفير الطاقة الأساسية اللازمة لحياتهم اليومية. سواء أسطوانة البوتاجاز أو كهرباء أو وقود. وبالتالي، فإن أي زيادة في أسعار هذه السلع يترتب عليها مزيد من المعاناة لهذه الفئة، يقول أبو العلا.
يرى أبو العلا أنه لابد للحكومة أن تعمل بشكل رقابي على الحد من التبعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لقرارات تحريك أسعار البوتاجاز. ومن ثم ضبط ممارسات البعض الاستغلالية برفع زيادات غير مبررة في أسعار السلع.
لماذا لا يعوض تصدير الغاز فجوة البوتاجاز؟
تساءل عدد من خبراء الطاقة: لماذا لم يعوض الغاز الطبيعي الفجوة الحالية في أسعار البوتاجاز؟ باعتبار أن الدولة تمكنت الفترة الماضية من تصدير كميات من الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج.
هنا، يرى الخبراء أنه من المفترض أن يتم توجيه قيمة الغاز المصدر إلى الخارج لتوفير البوتاجاز بسعر ملائم للفئات الأقل دخلاً في الداخل. خاصة خلال الفترة الراهنة التي شهدت تحريك أسعار عدد من أنواع الوقود.
يشهد الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي حالة من الاستقرار. ويتراوح حاليًا بين 6.5 و7 مليارات قدم مكعب يوميًا. بينما تصدر مصر منه نحو 1.6 مليار قدم مكعب يوميًا، من محطتي إسالة الغاز «إدكو ودمياط». وهي تعول عليه في توفير عملة دولارية جيدة للموازنة العامة للدولة خلال الفترة الراهنة.
توفير الوقود ومُعضلة الأسعار
الحصول على الطاقة بشكل عام في مصر كان مُعضلة حقيقية قبل سنوات، لكن الأسعار كانت أقل بكثير مما عليها الآن. «صحيح الطاقة متوفرة بشكل جيد حاليًا لكن الأسعار مرتفعة أيضًا»؛ يقول محمد حنفي مدير عام غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات.
لذا، نحن أمام معادلة توفير المنتج مقابل زيادة الأسعار، وهي صعبة ولابد من إعادة النظر بها؛ حفاظًا على الفئات الأقل دخلاً، ولمنع تحريك أسعار بيع السلع والمنتجات الاستهلاكية بالسوق بشكل مستمر.
يطالب حنفي بالتوسع في مشروعات تكرير الوقود، من أجل الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من كافة المنتجات البترولية، التي تدخل كعنصر أساسي في حياة المواطنين، وكذلك الأنشطة التجارية التي يعتمد عليها محدودي الدخل.
ويوضح أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية المختلفة ومنها البوتاجاز، يجنب الدولة التأثر بتقلبات أسعار البترول الخام العالمي. ومن ثم الحفاظ على مستوى الأسعار المحلية للوقود المستهلك بالسوق.
احتياجات السوق
خلال الجمعية العامة لشركة بتروجاس التي عقدت سبتمبر الماضي؛ لاعتماد نتائج الأعمال للعام المالي 2020-2021، أكد المهندس رأفت عبد الهادي رئيس الشركة، أنه تم توفير نحو 3.7 مليون طن من البوتاجاز خلال عام 2020-2021، تمثل حجم استهلاك السوق المحلي في نفس العام.
وقد تمت تغطية احتياجات السوق المحلي من أسطوانات البوتاجاز المنزلية والتجارية بمعدل 314 مليون أسطوانة خلال العام الماضي؛ تم إنتاجها من 49 محطة تعبئة لأسطوانات البوتاجاز على مستوى الجمهورية، علاوة على زيادة مراكز توزيع الأسطوانات للمواطنين، ليصل الإجمالى إلى 3092 مركزًا على مستوى الجمهورية.
وذكر عبد الهادي أنه تم ضخ 3 ملايين و 876 ألف أسطوانة جديدة ومستصلحة للسوق بعد إعادة تأهيلها للحفاظ على حالة الأسطوانات والاستخدام الآمن. فيما تم توفير سعات استراتيجية لتخزين المنتج على مستوى الجمهورية تبلغ حوالى 220 ألف طن.