اتهامات بالإسفاف واللهث وراء «التريند» وغيابٌ للمعايير المهنية والأخلاقية طالت الإعلامي شريف عامر، مقدم برنامج «يحدث في مصر» على قناة «إم بي سي مصر». ذلك على خلفية استضافته «يوسف سوستة»، صاحب مهرجان «شيماء».
على مدار سنوات عُرف عن البرامج التي يقدمها «عامر» أنها موجهة إلى «كريمة المجتمع»، خلال مسيرته التي قاربت على الثلاثة عقود، ابتعد خلالها بنسبة غالبة عن الفقرات الجدلية وخناقات «التوك شو»، التي تستهدف حصد المشاهدات.
لغته ونبرته الهادئة وتساؤلاته وضيوفه صنّفوه في مساحة ليست زاعقة. إلا أنّ ما بناه في عقود تأثر بعد وقائع عدة أزالت الشعرة الفاصلة بين الإسفاف والرصانة التي يبيع بها.
«شريف عامر طول عمره عايش في علبة قطيفة، ولما قرر يخرج نزل…». هكذا وصفه أحد متابعيه على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر». كرد فعل على ما أسماه «أخطاء عامر» المتتالية. ليأتي رد عامر ودفاعه بـ: «ببساطة.. مصر 100 مليون، فيها كل حاجة، نفهم، نشوف، نقرر، ونعالج بدون ترفع وتجاهل، لأننا لا نملك منعا ولا حظر في عصر له أدوات جديدة لا أوراق اعتماد فيها، شخصية تتحول لعنوان ساعة، وتختفي أو تستمر.. كل المختلف معي له الحق في ذلك. أنا كمان لي حق الاختلاف معه».
لسنا هنا في مقام الحديث عن الإعلامي شريف عامر وحده. فلا نحتاج إلى عمل استبيان رأي عام لنكتشف كم الخسائر التي لحقت ببرامج التوك شو المتحولة -لأسباب عديدة ومختلفة ومتشعبة- من نقطة مضيئة للنقاش والحوار عبر متخصصين إلى مجرد وعاء لتبنّي الظواهر الاستفزازية. والتي توصف جماهيريًا في بعض الأحيان بـ«المبتذلة»، فقط للبحث عن أكثر نسبة المشاهدات.
الثقة المفقودة ببرامج التوك شو
لخّصت دراسة أعدها محمد طه، الباحث في جامعة بني سويف، وحملت عنوان «تقييم الشباب المصري لمصداقية البرامج الحوارية خلال الانتخابات الرئاسية 2014 والبرلمانية 2015»، أسباب فقدان الشباب الثقة في برامج «التوك شو».
أجريت الدراسة على 400 شاب مصري من أربع محافظات «القاهرة- الإسكندرية- المنيا- قنا». بواقع 100 من كل محافظة.
وأشارت الدراسة إلى ترتيب مصادر المعلومات الأكثر مصداقية بالنسبة لفئة الشباب. حيث جاءت مواقع التواصل الاجتماعي في مقدمة مصادر المعلومات، التي اعتمدها شباب العينة خلال فترتي الانتخابات الرئاسية 2014 والانتخابات البرلمانية 2015 بنسبة 68%. وفي المرتبة الثانية جاءت الفضائيات المصرية الخاصة بنسبة 41.8%. وفي المرتبة الثالثة جاءت المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت بنسبة 31.8%. وحلت رابعًا الفضائيات العربية بنسبة 27.3%، وخامسا المواقع الإلكترونية للصحف بنسبة 26.3%. ثم المواقع الإلكترونية للقنوات الإخبارية بنسبة 24.8%.
وفقًا للدراسة، فإن نسبة كبيرة من المشاهدين، خاصة الشباب، لم تعد البرامج الحوارية بالنسبة لها مصدرًا للمعلومات أو فهم حدث بعينه. فضلاً عن أن أكثر من ثلث الجمهور لا يثقون في القضايا العامة، التي تتناولها برامج «التوك شو». كما أن برامج الكوميديا السياسية أسهمت في توسيع المعرفة السياسية أكثر من البرامج الحوارية المسائية.
ويمكن عرض نتائج الدراسة في 4 نقاط هامة، هي:
- لا يلتزم مقدمو البرامج الحوارية بمعايير المهنية والموضوعية في أثناء تناول الأحداث المتلاحقة
- تركز البرامج الحوارية على الجوانب السلبية دون ذكر الإيجابيات، ما يصيب المشاهد بالإحباط
- تقدم البرامج الحوارية خطا سياسيا واحدا دون احترام عقلية المشاهد المصري
- تنافست البرامج الحوارية على تحقيق السبق الإعلامي دون مراعاة المسؤولية الاجتماعية والمصلحة العامة
النقاط الأربع السابق ذكرها لخصت أزمة برامج «التوك شو» من غياب المسؤولية الاجتماعية وعدم احترام عقلية المشاهد. وذلك وصولاً إلى التركيز على الجوانب السلبية لجذب المشاهد وتحقيق نسبة مشاهدات كبيرة.
التوك شو.. من الجدية لحضيض التريند
على مدى عشر سنوات أو أقل قليلاً، بالتحديد قبل ثورة 25 يناير 2011، مثلت برامج الـ«توك شو» المتنفَّس الوحيد للمشاهد المصري. حيث حصلت على هامش حرية غير مسبوق لطرح قضايا مسكوت عنها بصيغة مهنية محايدة. وابتعدت عن إثارة الجدل. فكانت البرامج المسائية فقرة يومية دسمة لمتابعة أحداث الحياة العامة في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وكان مقدم البرنامج هو الطرف المحايد في القضية. وأحيانًا هو صوت الشعب الغاضب، والرافض للقرارات الرسمية. كل ذلك تغير في أعقاب الثورة لتحول المنابر الإعلامية إلى مساحة استقطاب المشاهدين وتلقينهم التوجيهات. فضلاً عن تناول القضية من وجهة نظر أحادية.
غياب المعالجة وفقر الأحداث
يرى الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز أن السبب الرئيسي وراء النفور من برامج «التوك شو» هو غياب المعالجة المهنية للقضايا والأحداث الجارية، فضلاً عن نضوب الساحة العامة من الأحداث التي تمنح «التوك شو» الطابع الساخن في فتح ملفات أو مناقشة قضايا تهم قطاعات كبيرة من المجتمع.
ونوّه «عبد العزيز» إلى أن برامج «التوك شو» مرت بثلاث مراحل؛ الأولى هي «العشرية» التي سبقت ثورة 25 يناير، حيث فتحت الأبواب على مصراعيها، ومن ثم مرحلة ما بعد الثورة والاستقطاب من الأطراف العاملة في الشأن العام، وأخيرًا المرحلة الحالية، التي نشهدها وهي مرحلة البحث الحثيث -في ظل جمود عام- عن قضايا تثير انتباه المشاهد.
بالطبع، وجود فقرات خفيفة ضمن برامج «التوك شو» ضروري، إذ تضمن من خلالها جذب مشاهد أقل متابعة للشأن العام، لذا كانت بعض البرامج تستضيف فقراتٍ غنائية أو رياضية أو مناقشة ظواهر اجتماعية، فرأينا شعبان عبدالرحيم ضيفًا رئيسيًا في برامج «التوك شو»، فيما ذهب الإعلامي يسري فودة إلى تقديم حلقة كاملة لفرد مساحة لفرق الأغاني أو الشعراء، ضمن أحداث برنامجه، الذي اعتاد أن يفتح الملفات الشائكة وأن يطرق مساحات اشتباك.
في هذا يقول «عبد العزيز»: «في السابق كانت البرامج التي تحمل صبغة جادة تلجأ إلى الفقرات الخفيفة للخروج عن النسق، لكن في الوقت ذاته محافظة على طبيعتها المهنية، لكن حاليًا في ظل نضوب الأحداث تحولت الفقرات الخفيفة في البرامج الحوارية إلى كونها فقرات دسمة، لذا نجد ظواهر جديدة على خريطة برامجنا، وهذا ما يسبب حالة النفور والغضب عند البعض من برامج التوك شو».