يبدو أن مصر -التي تبحث لنفسها عن موقع ريادة باستضافتها قمة المناخ المقبلة «COP27»- جادة في خطة طموحة تحقق «صفر انبعاثات كربونية» في أقرب وقت ممكن. وهي إن تمكنت من ذلك ستكون في مصاف الدول المتحولة للطاقة النظيفة. كما ستبني لنفسها موقعًا هامًا في عصر الاقتصاد الجديد الخالي من الكربون.
في كلمته خلال أعمال اجتماع منتدى غاز شرق المتوسط السادس في القاهرة، قال وزير البترول، المهندس طارق الملا، إن مصر لديها خطة طموحة للتحول إلى الطاقة النظيفة بحلول 2025، مضيفًا أن هذه الخطة تعتمد على الغاز الطبيعي باعتباره «طوق نجاة» حقيقيا في الوقت الراهن، يسهّل عملية التحول إلى الطاقة النظيفة.
دور الغاز في خطة 2025 لـ«صفر انبعاثات كربونية»
تبني مصر استراتيجيتها الساعية لتخفيض انبعاثات الكربون على ثلاث أولويات.. يأتي في مقدمتها التوسع في استخدام الغاز الطبيعى كوقود انتقالي صديق للبيئة.. بالإضافة إلى التوسع في استخدام الهيدروجين كوقود نظيف. وأيضًا تنمية استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة. فضلاً عن الوصول إلى مزيج مناسب لاستخدام تلك الطاقات، خاصة طاقتي الشمس والرياح.
هذا ما تحدث عنه الوزير «الملا» في الجلسة الأخيرة لوزراء منتدى غاز شرق المتوسط. إذ قال إن الغاز الطبيعي أحد أهم الحلول المصرية لتحقيق التنمية المستدامة والتحول نحو الطاقة النظيفة. فهو الوقود الأنظف من حيث انبعاثاته الكربونية. كما أنه أحد أهم أدوات الدول الراغبة في الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية في وقت قصير.
وتسعى مصر -وفق حديث وزير البترول- إلى توفير التكنولوجيا والتمويل اللازمين لخطة التحول إلى الغاز هذه. إلى جانب العمل على بناء القدرات لتعزيز الانتقال السلس نحو الطاقة النظيفة والحد من الانبعاثات المدمرة.
مستشار وزارة الطاقة الأمريكية، نيكولاس شيرمان، كان قد أشاد بما حققته مصر في مجال الطاقة، خاصة اكتشافات الغاز الضخمة، التي تمت في البحر المتوسط والخطط التنموية، التي تتم في هذا الشأن، ومنها ما يحدث في حقل “ظُهر”، والذي فاق توقعات الجميع، مؤكدا دعم بلاده للخطوات الفاعلة التي تم التوافق عليها في قمة المناخ، بل ودعم القمة التي ستستضيفها مصر أيضاً العام المقبل “COP 27”.
ريادة «شرق المتوسط» في سوق الغاز
حقق منتدى شرق المتوسط مجموعة من الإنجازات في وقت قصير نسبيًا لا يتجاوز الـ3 سنوات، فقد تم إشهاره رسميًا على الصعيد الدولي، وأصبح نافذة فاعلة في التعاون الثنائي أو متعدد الأطراف، وزاد عدد أعضائه، وأسفرت أعماله عن 16 اجتماعًا لمجلسه التنفيذي، و6 اجتماعات وزارية و5 اجتماعات خاصة باللجنة الاستشارية لصناعة الغاز.
ونجحت لجنة المنتدى الاستشارية لصناعة الغاز في مضاعفة عدد أعضائه لنحو 32 دولة حاليًا. ويتم العمل من خلاله على تحقيق توازن بين العرض والطلب، وكذلك إرساء دعائم النمو الاقتصادي لأعضائه.
وتأتي قضية الحد من الانبعاثات الكربونية على رأس اهتمامات المنتدى. وذلك لما للقضية من أهمية عالمية في مواجهة التحديات المناخية والتغيرات التي تهدد حياة البشر.
تأثير هذا الهدف الطموح على المخططات العالمية وتقديم نموذج ريادي
انخفضت الانبعاثات الكربونية بنسبة 5.4% خلال عام 2020. ذلك بسبب تراجع الأنشطة الصناعية وحالة الإغلاق العام التي صاحبت جائحة «كوفيد-19». ما عظم من الآمال الإنسانية بإمكانية التوصل إلى التخلص الكامل منها في زمن ليس ببعيد. لكن سرعان ما عادت ماكينات المصانع للدوران لتستعيد الانبعاثات مكانتها بنسبة زيادة 5% خلال العام الجاري.
وفشلت قمة المناخ، التي انعقدت الشهر الماضي في غلاسكو “COP 26″، في التوصل إلى تعهد ملزم بالتخلص من استخدام الفحم في العالم، ومن بين 77 دولة وقّعت على “التعهد غير الملزم” التزمت 23 دولة فقط بالتخلص من الفحم في صناعة الطاقة، حيث وافقت الدول الغنية على التخلص منه خلال ثلاثينيات القرن الجاري، بينما تمسكت الدول الفقيرة بتحقيق ذلك خلال الأربعينيات منه.
ومن شأن خطة التخلص من الكربون لدول “غاز المتوسط” أن تطرح نموذجا بديلا وملهما قادرا على تحريك تلك التعهدات والاقتراب بها من أواخر العشرينيات عبر استخدام الغاز الطبيعي بديلا للفحم في محطات إنتاج الكهرباء والطاقة وتشغيل المصانع.
شرق المتوسط في سوق الغاز واحتياطاته بالنسبة للاحتياطي العالمي
رغم الاكتشافات الضخمة التي تحققت في السنوات الأخيرة بمجال الغاز في منطقة شرق المتوسط، يبدو أن المزيد ما زال في الطريق. حيث قدر تقرير صادر عن هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، صادر عام 2010، احتياطيات الغاز بـ3455 مليار متر مكعب. بالإضافة إلى 1.7 مليار برميل من النفط، بقيمة تسويقية تصل إلى 3 تريليونات دولار في حدها الأقصى. ما يعني أن المنطقة تعوم على بحيرة ضخمة من الطاقة. وقد تشكل أحد أهم مصادر الطاقة في العالم خلال الثلاثين عامًا المقبلة.
ويزيد من أهمية غاز المتوسط الموقع الاستراتيجي المتوسط للمنطقة في العالم. فضلاً عن قربها من مناطق الاستهلاك الكبرى للطاقة في أوروبا. وهو يضيف قيمة مضافة كبرى من حيث الأهمية. ويصبح أحد عناصر الاستقرار والأمن الجماعي المشترك بدلاً من أجواء المواجهة التي سادت خلال العقد الماضي.
توقعات التنمية وعائدات اللحاق بعصر الاقتصاد الجديد الخالي من الكربون
رغم التكلفة الباهظة لتكنولوجيا الطاقة النظيفة والتخلص من الكربون، خاصة في الدول النامية، والتي قدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة احتياجها إلى مساعدات تصل إلى 100 مليار دولار سنويًا لتحقيق هذا الهدف، فإن المؤكد هو أن عصر الطاقة النظيفة قد بدأ للتو ولا يمكن إيقافه.
ويمكن لمشروعات غاز المتوسط أن تستفيد من خطتها لجذب استثمارات ضخمة في الشركات والسندات الخضراء. كما تستطيع توجيه عائدات الغاز المتوقعة للتحول في القطاعات الإنتاجية الصديقة للبيئة، والانتقال مبكرًا وقبل مناطق أخرى من العالم نحو الاقتصاد الجديد.
وكانت مصر قد شهدت طفرة كبيرة في إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وبلغ إنتاج طاقة كهرومائية أكثر من 4 جيجاوات. بالإضافة إلى 1.6 جيجاوات في الساعة من طاقة الرياح. وأيضًا 1.2 جيجاوات من الطاقة الشمسية، و3 ميجاوات في الساعة من الوقود الحيوي. وذلك بنسبة زيادة 22% خلال عام 2021 عن العام السابق.
كما بدأت مصر بجهود كبيرة توطين صناعة السيارات الكهربائية عبر توقيع اتفاقيات شراكة مع شركة صينية لإنتاجها في مصانع شركة النصر لصناعة السيارات المصرية. وطرحت أيضًا مشروعًا طموحًا لتمويل الراغبين في تحويل سياراتهم من النفط إلى الغاز. بالإضافة إلى التوسع في إنشاء محطات تموين السيارات بالغاز، ونقاط شحن للسيارات الكهربائية على الطرقات.
ومؤخرًا، توجهت الدولة المصرية للبحث عن شركاء لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يستخدم الطاقة النظيفة في فصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، وتخزينه سائلاً لإعادة استخدامه في الصناعة والسيارات. وتشمل الاستراتيجية الوطنية لإنتاج الهيدروجين مشاريع بكلفة 4 مليارات دولار، وفقًا لتصريحات وزير الكهرباء.
ويمكن لخطط اللحاق مبكرًا بعصر الاقتصاد الجديد الخالي من الكربون أن تشكل خطوة هائلة نحو سد الفجوة الكبرى التي ازدادت خلال القرن الماضي بين الدول الغنية وبين الدول النامية. وكما شكل التصنيع وسيلة دول جنوب شرق آسيا المسماة بـ«النمور الآسيوية» في اللحاق بالعالم المتقدم، فقد تشكل الطاقة النظيفة وسيلة دول الشرق الأوسط وشرق المتوسط لتكون مصدرًا لنفط العالم الجديد خلال النصف الثاني من القرن الحالي.