أشهر قليلة تفصلنا عن موعد انتخابات النقابات العمالية المقرر إجراؤها في يونيو المقبل بحسب تصريحات وزير القوى العاملة محمد سعفان. الأمر الذي يثير جدلا حول فرض الوزارة إجراء النقابات المستقلة لانتخاباتها في الموعد نفسه بالمخالفة للوائحها الداخلية. ومستقبل العمل النقابي المستقل في مصر بعد 13 عاما على تأسيس أول نقابة مستقلة، وأسباب تراجع عدد النقابات المستقلة في مصر من 1500 إلى 112 فقط.

في شهر أكتوبر 2007، وبينما يعتصم موظفو الضرائب العقارية أمام مجلس الوزراء. بدأت المناقشات بين المعتصمين في إنشاء نقابة مستقلة بعد أن تخلى الاتحاد العام لعمال مصر عن مطالبهم بل على العكس اتخذ موقفا ضدهم.

وشهد عام 2009، تأسيس أول نقابة مستقلة للعاملين في مصلحة الضرائب العقارية من قبل العاملين في الدولة في هذا القطاع. استنادًا إلى معاهدة منظمة العمل الدولية. التي ضمنت للعمال الحرية النقابية والحق في التنظيم. بعد ذلك، تأسست ثلاث نقابات أخرى قبل ثورة يناير 2011، وهي نقابة المعاشات، والعلوم الصحية، والمعلمين.

جاءت النقابات المستقلة كنتاج طبيعي للحراك العمالي الذي شهدته مصر خلال العشرية التي سبقت ثورة يناير. فمنذ عام 2000 وحتى العام 2010، شارك ملايين العمال في نحو 3400 إضراب

بداية الحصار

بعد ثورة يناير، وصل عدد النقابات المستقلة إلى 1500 نقابة. ووجهت السلطة أنظارها نحو الاتحاد المصري للنقابات المستقلة الذي يشكّل مظلة واسعة للنقابات العمالية غير الحكومية. وعملت على وضع هذه النقابات المستقلة من جديد تحت مظلة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الذي تديره الحكومة. وإلى تحجيم توقّعات النقابيين والعمال بالحصول على حقوقهم، لينخفض عدد النقابات المستقلة إلى 112 نقابة فقط بحسب الناشط العمالي وائل توفيق.

التضييق على النقابات المستقلة

كمال أبو عيطة وزير قوى العاملة السابق وأول نقيب للعاملين بالضرائب المستقلة، اعتبر أن التراجع في عدد النقابات المستقلة يعود للتضييق الذي تمارسه وزارة القوى العاملة ومن خلفها الأجهزة الأمنية على حق التنظيم النقابي.

يقول أبو عيطة لـ”مصر 360″. إن النضال العمالي وتدخل منظمة العمل الدولية، أجبر الحكومة المصرية. على التراجع والاستجابة لمطالب العمال فيما يخص تكوين اللجنة النقابية للمنشأة بما لا يقل عن خمسين عاملاً منضماً لها. بدلاً من 150 عاملاً، وتعديل نص المادة 12 من القانون ليكون إنشاء النقابة العامة من عدد لا يقل عن عشرة لجان نقابية. تضم في عضويتها خمسة عشر ألف عامل على الأقل بدلاً من خمس عشرة لجنة نقابية تضم في عضويتها عشرين ألف عامل على الأقل.

يتحدث أبو عيطة عن تمكن العمال من فرض تعديلا آخر. تمثل في أن يكون إنشاء الاتحاد النقابي العمالي من عدد لا يقل عن سبع نقابات عامة. تضم في عضويتها مائة وخمسين ألف عامل على الأقل- بدلاً من عدد لا يقل عن عشر نقابات عامة. تضم في عضويتها مائتي ألف عامل على الأقل.

لكن على الأرض يتم منع التأسيس –بحسب أبو عيطة- فإن وزارة القوى العاملة تعمل على منع إنشاء التنظيمات النقابية. من خلال التعنت في استلام الأوراق، والإجراءات التعسفية لمنع تأسيس النظام النقابي من خلال محظورات أمنية.

ولفت أبو عطية، إلى أن المحاكم تعج بالقضايا التي يرفعها عمال بسبب منعهم من تأسيس لجانهم النقابية.

انتخابات بالأمر

يرى أبو عطية أن الحديث عن توفيق الأوضاع وإجبار النقابات على إجراء انتخابات في موعد محدد. يستهدف حصار النقابات المستقلة والعودة بمصر لزمن التنظيم النقابي الواحد.

أعلن محمد سعفان وزير القوى العاملة، أن الانتخابات النقابية العمالية ستتم في موعدها المحدد وفقا للقانون في منتصف العام المقبل 2022. مؤكدا أنه لا يوجد أي نية للتأجيل، وشدد على أن الوزارة لا تتدخل في العمل النقابي. بل يقتصر دورها على التنظيم فقط. حيث إن ترك التنظيم الإداري دون تنظيم أو تحديث يُعد عيبا في الجهة الإدارية المشرفة عليه.

وأوضح وزير القوى العاملة أنه وفقا للائحة يتم تحديث البيانات الخاصة بالتنظيم النقابي كل عام. مشيرا إلى أن عدد اللجان النقابية يبلغ 1957 لجنة، بينما يبلغ عدد اللجان المهنية 275 لجنة. منوها إلى أن 65% من النقابات واللجان العمالية انتهت من تحديث بياناتها استعدادا للانتخابات. حيث إن النقابة العامة للعاملين بالإسعاف قامت بتسجيل بياناتها بشكل كامل.

وائل توفيق الناشط العمالي، اتفق مع كمال أبو عيطة واعتبر أن الحديث عن فترة لتوفيق الأوضاع. كان الهدف منها التخلص من أكبر عدد من النقابات المستقلة.

التعقيدات الإدارية

وقال توفيق لـ “مصر 360”. إن الأزمة ليست في قانون 213 لسنة 2017 الخاص بالتنظيم النقابي. لكن في التعقيدات الإدارية التي تمارسها وزارة القوى العاملة ومن خلفها الأجهزة الأمنية في التعامل مع النقابات المستقلة.

وأضاف: حصل العمال على أمرين هامين في القانون، الأول النص على إمكانية الحق لأي مجموعة من العاملين لتأسيس لجنة نقابية. ومنح اللجنة النقابية الشخصية الاعتبارية حتى في حال عدم وجودها ضمن نقابة عامة.

“للعاملين بالمنشأة الحق في تكوين اللجنة النقابية للمنشأة بما لا يقل عن خمسين عاملاً منضماً لها”-بدلاً من 150 عاملاً-وللعاملين في المنشآت التي لم تستوفِ النصاب المنصوص عليه فى الفقرة السابقة، وللعاملين فى المنشآت التى يقل عدد العاملين فيها عن خمسين عاملاً”.  المادة 11 من قانون التنظيم النقابي 

يتحدث توفيق عن إشكالية تنظيم الانتخابات في يونيو المقبل. ويؤكد أن دور وزارة القوى العاملة من المفترض أن يقتصر على مراقبة الانتخابات وأن ما يحكم تنظيم الانتخابات ليس موعد تفرضه الوزارة. لكنه للائحة التي تقرها الجمعية العمومية. ويوضح: حال تأسست نقابة مستقلة قبل عام وتنص لائحتها على إجراء الانتخابات كل 4 أعوام. فما يجبرها على إجراء الانتخابات في الموعد الذي تحدده وزارة القوى العاملة.

لكن توفيق يعود ويرجح أن تضطر النقابات المستقلة للاستجابة لضغوط وزارة القوى العاملة. خوفا من التعقيدات الإدارية، وحرمانها من الحصول على الأوراق اللازمة لممارسة نشاطها بحرية. كخطاب الصفة والخطاب الموجة للبنك..

انتهاكات 2018

يخشى قادة العمال، من أن يتكرر في الانتخابات المقبلة، ما شهدته انتخابات 2018

وبحسب تقرير لدار الخدمات النقابية: شهدت انتخابات 2018 تجاوزات فاقت كل التصورات. حيث تم استبعاد المئات أو بالأحرى الآلاف من المرشحين، وحرمانهم من حقهم في خوض الانتخابات. كما بلغ الأمر اتخاذ بعض لجان الإشراف على الانتخابات قرارات بحل لجان نقابية قائمة. ومكتسبة شخصيتها الاعتبارية على سند من القول بوجود لجان نقابية تابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر “الحكومي” في مواقعها. رغم أن القانون لا يجيز حل أي لجنة نقابية مكتسبة شخصيتها الاعتبارية.

عوامل داخلية

لا تتحمل الحكومة وحدها ما آلت إليه أوضاع النقابات المستقلة. فبحسب تقرير لـ”مبادرة الإصلاح العربي- صدر الشهر الماضي بعنوان “النقابات المستقلة حالة مصر 2004-2015: تجارب بين التطورات السياسية والعوامل الذاتية”. فإن أحد أسباب تراجع النقابات المستقلة يعود لأسباب داخل هذه النقابات.

ويلفت التقرير، إلى ما وصفه بالإنابة عن الجمهور، ما يعني توجه قيادات النقابات المستقلة للحديث بالنيابة عن مجموعات العمال التي تمثلهم. بدلاً من العمل على تنظيم العمال وبناء كوادرهم، لأنهم أعضاء ضمن هذه الكيانات. ولا يعطونهم تفويضاً كاملاً للحديث بالإنابة عنهم.

ويوضح التقرير، أن كل ما كان يريده العمال من القيادات النقابية، مساعدتهم في بناء كوادرهم. وتنظيم أنفسهم للتعبير عن مطالبهم، والسعي من أجل تحقيقها بشكل جماعي. وليس بالطريقة التي اتبعتها بعض أو معظم القيادات النقابية التي أصبحت تتحدث وتفاوض باسم العمال من دون أن تعود إليهم.