يبدو مشهد الدعم الذي حظى به حديث محمد أبو تريكة اللاعب الأكثر شعبية في الوطن العرب، عن التصدي لمحاولات دعم الأقليات الجنسية، منسجما مع توجهات المجتمعات في الشرق الأوسط، مغلفا بأبعاد دينية وأخلاقية، لحماية المجتمع من أغراض خبيثة، تسعى لها مجتمعات الغرب، لهز الاستقرار الاجتماعي، الذي ينعم به الناس في الشرق، بعد أن استطاعوا بناء جدار صلب، من الأخلاق والمبادئ الدينية والأعراف، التي جعلتهم يعيشون في محبة ومساواة دون ظلم أو تفرقة أو هيمنة فريق على الآخر.
المفردات التي جعلتهم نسيجا واحدا متماسكا فيما بينهم “مسلمين، مسحيين، شيعة، بهائيين، ملحدين، نساء، سكان أصليين، عمال، أصحاب أعمال، أصحاب سلطة ونفوذ”. الجميع هنا متساوون في الحقوق والواجبات، لديهم بنية تشريعية تحميهم وتضع الفرص المتساوية أمامهم، لديهم قيم وأعراف مجتمعية تحترم وتقدر الجميع دون أي استثناءات، فمُفرد أقليات هنا في هذا النعيم لا مكان له من الإعراب، سوى تدخل الغرب الذي يحاول دائما هدم صرح الإنسانية في تلك البقعة من العالم.
الوصاية والاستحقاق الذكوري
عندما تتفحل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجائرة على حقوق السواد الأعظم من الناس يقفز على السطح الخطاب اليميني ذو البعد الشعبوي لكي يقدم فروض الطاعة للشمولية والقمع في مواجهة حركة الشعوب .
الخطاب الذي يقول نحن أصحاب الفضل المطلق، نحن المجتمع الأوحد الذي يعيش فيه الإنسان بكرامة، لا تنظروا إلى الطرف الآخر من العالم، فنحن لدينا إنسانية فريدة من طراز خاص لا تشبه أحدا، تختلف تمام الاختلاف عن المجتمعات الأخرى في أي مكان، تيار ينتشر ويتوغل في جميع أنحاء العالم، هدفه صنع قطيع يقبل بكل ما يمارس ضده من حرمان وقمع وفرض وصاية وهيمنة لفئة من البشر عن غيرها .
حلفاء في مناهضة الحرية
قطاع من الداعمين لمطالب “أبو تريكة” وللأسف الشديد جزء منهم محسوبون على النخبة ينطلقون من فكرة حرية التعبير، بأنها جزء أصيل من حريتهم التي تبدأ من التباهي بممارسة الكراهية والتمييز والإقصاء للأقليات لتصل للحض على ممارسة العنف ضدهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، “طالما هناك حركات دعم لماذا تقمعون الحركات التي تتصدى لدعم الأقليات الجنسية ماحدش بيمنعهم هم /ن أحرار لكن كمان احنا مش هاندعمهم ولا قابلين فعلهم” هذا الخطاب المراوغ الذي يحاول إنكار حرية الفرد والجماعة من أجل المزيد من الاستحقاق وهيمنة على اختيارات وتوجهات البشر باسم حرية الرأي والتعبير، يعلن أصحابه تحالفهم مع تيار اليمين المعادي للحرية والمساواة، خطابهم يحمل إشكالات تهديد متعددة، يؤكد أن هدف الأقليات الجنسية هو إغواء المجتمع، بأنهم وباء يمكن أن يضرب أطفالهم وشبابهم، ليستفحل الأمر عندما تمتلك النخب منصات يعلنون من خلالها عن أيدلوجيات يدافعون فيها عن حق المواطنين والمواطنات في الحرية والمساواة ومناهضة الإفقار والاستغلال، لكنهم يستبعدون الأقليات الجنسية من المشاركة بأن يكون جزء من حركتهم حتى كأفراد قرروا أن يتبنوا وجهات نظرهم في الدفاع عن الشعوب المقهورة، فلا تقبل الأحزاب السياسية والنقابات والعديد من منظمات المجتمع المدني أن يكون احد المتحدثين باسمها منتميا للأقليات الجنسية، أو أن تكون قضايا الأقليات الجنسية والملاحقات الأمنية ومعاقبتهم بإجراءات سالبة للحرية دون أسانيد تشريعية وإقصاؤهم من حقوقهم في التعليم، والسكن، وتلقي الخدمات الطبية، والحصول على فرص عمل لائقة على أجندة عملهم وخطابهم الموجه للسلطات باعتبارها قضايا في صميم دفاعهم عن حقوق المواطنة.
التيار الحليف صاحب النفوذ الأكبر ذو الصبغة الدينية والأكثر عدائية يستخدم أدوات الترهيب للمجتمع ككل باعتبار أن التعددية والاختلاف هي تطاول على ما يسميه الفطرة الإنسانية، والدعوة لها هو تضليل من شأنه ضياع المجتمع والأمة، فهناك من يحاول دائما هدم روابطها، وعندما تبحث عن هذا الشرير تشعر بالارتباك، فجميع من يرفع تلك الشعارات حلفاء في كل أرجاء العالم مع اختلاف دلالات الصبغة وسياقاتها، فتارة تكون ضد الأقليات الدينية أو السكان الأصليين أو الأقليات الجنسية، فجميعهم سواء، والمطالبة بحقوقهم تهديد مباشرة للهيمنة والاستغلال الممارس على الشعوب في كل بقاع الأرض.
فالحلفاء لديهم شراكة واضحة في إنكار أن الحقوق والحريات هي ممارسات يقوم بها الأفراد والجماعات في العلن دون تعرضهم لأي شكل من أشكال التمييز أو الإقصاء والنبذ على المستوى الخاص والعام، فالإعلان عن الميول والتوجهات والهوية الجنسية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان في التعبير عن ذاته وما يتتبعه من آثار على مستوى تمكين الفرد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
اليمين الساعي دائما نحو قولبة البشر والعداء فيما بينهم لفرض هيمنته واستحقاقه ونفوذه على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية يسعى دائما لجعلنا قطيعا، للحفاظ على مكتسبات صنعها عبر تاريخ طويل من قمع كل صوت يدعو للتحرر والمساواة لخلق حياة تشاركية يصنعها الجميع.