بلا شك تعد تجربة نجم وقائد منتخبنا المصري محمد صلاح في نادي ليفربول الإنجليزي، واحدة من أنجح التجارب. ربما في تاريخ كرة القدم، وبالتأكيد الأهم على مستوى الوطن العربي والأفريقي والمصري. وهو ما تؤكده الأرقام، بعيدًا عن المشاعر والانتماءات. فالفرعون المصري سطّر تاريخًا استثنائيًا في ملعب أنفيلد. وكتب اسمه بحروف من ذهب، كأحد أفضل اللاعبين في تاريخ الدوري الإنجليزي. لكن ورغم ذلك فإن الشكوك تساور الجميع حاليًا حول تلك الرحلة الجميلة واحتمالية وصولها إلى النهاية القريبة.
جددت إدارة ليفربول عقد ستة من أهم اللاعبين في الأشهر الماضية. وهي تستهدف بشكل واضح الحفاظ على القوام الأساسي للفريق. بينما هدفها الحالي بالتأكيد التجديد لثلاثي الهجوم؛ صلاح وماني وفيرمينو. بيد أن العوائق كثيرة وتحول دون بقاء صلاح في الريدز. على عكس ما أعلنه اللاعب نفسه في أكثر من مناسبة بأنه لا يرغب في الرحيل.
ما يظهر في الأفق حاليًا هو رغبة باريس سان جيرمان الفرنسي، العملاق المالي الكبير تحت الملكية القطرية برئاسة ناصر الخليفي، في ضم صلاح كبديل محتمل بعد رحيل وشيك لمهاجمه كيليان مبابي، بطل العالم مع فرنسا في مونديال روسيا 2018 إلى ريال مدريد. ذلك الرحيل المحتمل الصيف المقبل مع نهاية عقده، والذي سيدفع سان جيرمان إلى تعويضه بنجم الريدز. في سبيل استكمال المثلث الهجومي المدمر الذي يضم الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار دا سيلفا.
لكن يبقى هنا سؤال محير. هل يبقى الملك المصري مع ليفربول على غرار الأسطورة ستيفن جيرارد وإيان راش ومايكل أوين؟ أم ينتقل لمحطة أخرى في مسيرته صوب العاصمة الفرنسية باريس؟ ومن هناك يسطر تاريخًا جديدًا بأموال طائلة تفوق عقده الحالي في إنجلترا.
مفاوضات زيادة الراتب الأسبوعي
وصل النجم محمد صلاح إلى ليفربول في صيف 2017 قادمًا من روما نظير 42 مليون يورو. وبعد تألق عاشه في أولى أشهره بأنفيلد، قررت إدارة ليفربول تجديد التعاقد، ومنحته راتب أفضل وضمان لاستمراره فترة أطول.
عقد صلاح الحالي مع ليفربول ممتد حتى صيف 2023. وبموجبه يتقاضى النجم المصري راتب 200 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا. وهو بذلك الأعلى أجرًا من بين لاعبي الريدز. ولا تزال مفاوضات جارية بين اللاعب ووكيله رامي عباس وإدارة ليفربول وقد بدأت منذ أشهر على زيادة جديدة. وهي مصدر الخلاف الحالي حسب تأكيدات الصحف الإنجليزية.
يرى صلاح أنه يستحق راتبًا مماثلاً لكيفن دي بروين نجم مان سيتي، وقريبًا مما يتقاضاه كريستيانو رونالدو مع مان يونايتد. وقيل إنه طلب 500 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا. بينما تأبى إدارة الريدز منحه هذا الرقم الذي تعتبره ضخمًا. وهي تخشى ما سيترتب عليه من ضرورة تعديل رواتب باقي نجوم الفريق.
المعلوم إلى الآن أن المفاوضات لم تغلق بعد. وربما ينجح الطرفان في الوصول إلى حل وسط، أو يخضع ليفربول لرغبة اللاعب. لكن في حال فشل تجديد عقد صلاح فإن ليفربول قد يوافق على بيعه في صيف 2022، لجني الأموال من صفقته وتجنبًا لرحيله المجاني في 2023 بانتهاء عقده.
سان جيرمان أقرب المحطات لصلاح.. ولكن
بالإذعان لفرضية أن الاتفاق بين صلاح وليفربول حول التجديد سيفشل، فإن وجهات قليلة للغاية ستصبح متاحة أمام نجم الريدز. وهو أمر تفرضه متطلباته المادية الضخمة. هنا تكون الوجهة الأولى باريس سان جيرمان. حيث يسعى العملاق الفرنسي لتعويض رحيل كيليان مبابي، وصلاح الأنسب لتعويض هذا الدور.
لكن ماذا عن ريال مدريد؟
الملكي الإسباني أيضًا وجهة محتملة لانتقال صلاح. وهو في فرص ضم نجم منتخبنا يتساوى مع برشلونة. ذلك بعد وصول تشافي هيرنانديز لتدريب النادي الكتالوني. خاصة وأن صلاح أعلن في وقت سابق وبصورة واضحة أنه يريد اللعب في الدوري الإسباني يومًا ما.
وتبقى الإشارة إلى أن بعض الشائعات تحدثت عن اهتمام نيوكاسل بالتعاقد مع صلاح أيضًا. ويعزز ذلك استحواذ صندوق الاستثمار السعودي على النادي الإنجليزي العملاق.
البقاء والتحول لأسطورة خالدة
أعلن صلاح في أحد المقابلات التليفزيونية وفي مناسبات صحفية سابقة، عن رغبته الأساسية في الاستمرار مع ناديه الإنجليزي. لكن الأمر يتوقف على عوامل أخرى.
وأجاب صلاح عن مصيره في النادي الأحمر: «قلت ذلك أكثر من مرة، لو القرار في يدي فأنا أريد البقاء في ليفربول، لكن القرار في يد الإدارة.. عليهم أن يجدوا حلاً لهذه المسألة. ليست هناك مشكلة، لكن يجب أن نصل لاتفاق في موضوع العقد، الأمر متروك لهم».
يرى صلاح أن القيمة المادية دليل على مدى تقدير النادي له، وأن النادي مستعد لفعل أي شيء في سبيل استمراره بين صفوفه. إلا أن القرار في جانب آخر منه ليس مبني على الأمور المادية فقط. فهناك طموح الفريق والمدرب وما يريد فعله مع اللاعبين. وهذه نقاط هامة تحدد القرار الصائب.
ومع ذلك، فقد أشار صلاح أيضًا إلى أن استمراره في الدوري الإنجليزي حاليًا هو الاختيار الأفضل. فهو الدوري الأقوى في العالم. كما أنه أشبع رغبة النجم المصري في خوض المغامرة. ومعه أثبت أنه يستطيع اللعب مع الكبار. «عندما رحلت إلى إيطاليا كان في ذهني أنني سأعود إلى إنجلترا، وسنرى ماذا سيحدث في المستقبل»؛ هكذا قال صلاح في أحد تصريحاته.
صلاح أكبر من أن يرفض له طلب
حديث صلاح المستمر عن الدوري الإنجليزي إنما يعكس رغبة حقيقية في البقاء مع ناديه. ومن ثم التحول لأسطورة بين جماهيره.
إذا استمر نجمنا على المنوال نفسه سيصبح بلا شك الهداف التاريخي للنادي، وأحد أهم أساطيره على مدار تاريخه الطويل وعصوره الذهبية. فقد حطم صلاح كل أرقام النجوم العرب والأفارقة في الدوري الإنجليزي. وقريبًا سيفعل في دوري أبطال أوروبا، ليسير بخطى ثابتة نحو تحطيم كل الأرقام السابقة في تاريخ النادي الأحمر الشهير.
لكن وعلى ما يبدو، يضغط صلاح بالرحيل سبيلاً لتنفيذ طلباته المادية. وهو أمر يعززه بتألقه الثابت ويحرج به إدارة ناديه أمام الجماهير، ليدفعها للتساؤل حول أسباب عدم إتمام صفقته وفق رغبته. بات صلاح أكبر من أن يُرفض له طلب زيادة قيمة العقد، فقيمته السوقية حاليًا تصل إلى 180 مليون يورو.
الرحيل لباريس من أجل الأموال والكرة الذهبية
أحمد حسام ميدو نجم ومدرب الزمالك السابق وأحد نجوم مصر المهاجرة إلى أوروبا مع بداية الألفية الجديدة، تمنى أن ينتقل صلاح إلى باريس سان جيرمان قريبًا. فهو يرى في هذا الانتقال فرصة للفوز بجائزة البالون دور (الكرة الذهبية). خاصة بعدما حل النجم المصري سابعًا في ترتيب المسابقة للعام الحالي، وفي قائمة حصد ليونيل ميسي نجم باريس المركز الأول فيها.
ميدو ضمن كثيرون يرون المركز السابع ظلمًا كبيرًا لصلاح. وهو يعتقد بأن رحيل مثل هذا النجم إلى الدوري الفرنسي هو الطريق الوحيد من أجل الفوز بالجائزة. ويعزز ذلك أن ناصر الخليفي رئيس نادي باريس سان جيرمان هو أقوى رجل في كرة القدم خلال الفترة الحالية. ووجود صلاح في ناديه يعزز فوزه بالبالون دور. ذلك لأن الأمر لا يتوقف على النواحي الفنية أو البطولات فقط. لكن هناك أبعاد أخرى، منها الجوانب التسويقية، والقدرة المالية الضخمة للنادي.
إلا أن هذا الرأي وعلى رجاحته من نجم مصري عرف الاحتراف والتألق في أندية أوروبا الكبيرة، هو يصطدم مع أحلام طفولة النجم المصري، الذي لطالما صرح برغبته في الانتقال إلى أحد قطبي الكرة الإسبانية، سواء ريال مدريد أو برشلونة. وهنا سيكون عليه التضحية نوعًا ما بعرض باريس، خاصة من الناحية المادية. إذ لا يقدر نادٍ بأوروبا في الوقت الحالي على توفير الرواتب الضخمة التي يدفعها الفرنسي -المملوك لدولة قطر- لنجومه، وعلى رأسهم ميسي ونيمار.
كذلك سيفقد صلاح جزءًا معنويًا يخص الجوائز الفردية التي يساعد فيها الخليفي كثيرًا، بدوره كرئيس قوي من الناحية الاقتصادية والتسويقية. وأيضًا سيلعب صلاح لو انتقل إلى الدوري الإسباني في دوري أقل من الناحية الفنية من دوريات أخرى، وعلى رأسها الإنجليزي الذي ينافس على هدافه منذ آخر 4 مواسم.
فإلى أين ينتقل صلاح؟ لا يزال هذا في علم الغيب.