قبل أيام عاتب اللاعب السابق ذو الشعبية العريضة محمد أبوتريكة، قناة «بين سبورت» القطرية، التي يتعاون معها معلقًا على المباريات الكروية، محتجًا على ظهور كابتن إحدى فرق الدوري الإنجليزي، مرتديًا شارة الكابتن المزينة بعلم «الرينبو»، في إشارة لدعم مجتمع «LGBTQ».
أبوتريكة –الذي بدا مستاءً– حث إدارة القناة القطرية على عدم إذاعة مثل هذه المباريات مستقبلاً، لعدم السماح بتمرير رسائل التسامح مع المثلية إلى المنازل. إذ أنها -على حد قوله- لا تتناسب مع «ديننا ولا عقيدتنا». بينما دعا اللاعبين المسلمين والعرب في إحدى أقوى الدوريات في العالم إلى الإحجام عن المشاركة في مباريات هاتين الجولتين.
ويخصص الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم الجولتين 13 و14 من مباريات الموسم الكروي كجولات دعم للمثليين. وفيهما يرتدي قادة الفرق العشرين المتنافسة في البطولة شارةً عليها علم «الرينبو».
وقد سارعت إدارة القنوات إلى النأي بنفسها عن جدل أبوتريكة. فأصدرت بيانًا، جاء فيه: «بصفتنا مجموعة إعلامية عالمية، فإننا نمثل وندعم الأشخاص والأسباب والمصالح من كل خلفية ولغة وتراث ثقافي في 43 دولة متنوعة بشكل كبير، كما نعرض كل يوم».
أما مجموعة «رينبو مصر»، فقد وصفت حديث أبوتريكة بـ«الكراهية». وقالت إن «هناك فارق كبير بين حرية الرأي والتعبير وبين خطاب الكراهية». وإن ما قاله أبو تريكة عن المثلية باعتبارها ظاهرة يجب التصدي لها ومحاربتها، هو «تحريض وخطاب كراهية واضح وصريح ولا يمت لحرية الرأي بصلة». إذ بالفعل المثليين، والمثليات يتعرضون لعنف بسبب ميولهم/ن الجنسية التي لم يختاروها تمامًا، «كما لم يختار أبو تريكة ميوله الجنسية».
في الوقت نفسه تداعى عدد من محبي تريكة، من الجماعات المحافظة إلى تأييده بشدة. وكان منطق أغلبهم أن الوضع أقرب إلى حرية التعبير، لا يرتقي إلى خطاب كراهية أو تحريض.
ما بين أبوتريكة وإلهان عمر
بالتزامن مع ذلك، عقدت عضو الكونجرس الأمريكي المسلمة إلهان عمر -مؤتمرًا صحفيًا- استعرضت فيه ما تعرضت له من زميلتها بالمجلس، اليمينية لورين بويبرت، التي وصفتها بأنها عضوًا في «مجموعة جهادية»، وأنها قد تكون «إرهابية».
وقد تسببت تلك التصريحات في تلقي إلهان تهديدات بالقتل من أشخاص متطرفين. قالت «إن هناك ما لا يحصى من التهديدات، ما يسبب لها ولفريق عملها الكثير من الخوف»، معتبرة أن هذا ينشر الخوف لدى المجتمع كله.
وتُصنف إلهان من أقليات المجلس. إذ أنها واحدة من ثلاثة أعضاء مسلمين فقط بالمجلس. وقد استدعى الخطاب المعادي والمتكرر دعوة النواب الديمقراطيين في مجلس النواب بإعفاء بويبرت من مهامها في لجان المجلس. ذلك لما وصفوه بأنه «تعصب أعمى ضد الإسلام».
حرية تعبير أم كراهية؟
بعيدًا عن تريكة وإلهان، فإن التفرقة بين حرية التعبير وخطاب الكراهية وتقييم الضرر الناتج عنه يحمل إشكاليات عديدة. وهو يحتاج إلى منهجية لتحليله والوقوف على أثره.
في ورقتها المعنونة بـ«خطابات التحريض وحرية التعبير الحدود الفاصلة»، اعتبرت مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» خطابات التحريض بصورها المتنوعة من أكثر الموضوعات إثارة للجدل عند الحديث عن علاقتها بحرية التعبير، وكيفية الفصل بين التعبير المشروع، الذي لا يحوز منعه أو تقييده، والتعبير الذي يترتب عليه انتهاك حقوق أخرى؛ كالحق في الحياة والحق في سلامة الجسد.
وتكمن إحدى أهم الاشكاليات في تحديد ما هو مشروع وما هو غير مشروع، في إطار التعبير عن الرأي والوسيلة المستخدمة في التعبير. ذلك في غياب تعريفات دولية دقيقة لبعض المسميات والمصطلحات ذات الصلة بهذه القضية. مثل مصطلح خطاب الكراهية، الذي يعتبر المحور الأساسي ويتفرع عنه التحريض على العنف والعداء والتمييز العنصري.
في رأي الكاتب والحقوقي تامر موافي، فإنه على الرغم من صعوبة تحديد خطاب الكراهية بدقة. إلا أن خطاب تريكة يدخل في إطار الكراهية والتحريض بشكل أوضح. ويدلل على ذلك استخدامه كلمات مثل «المقاطعة»، و«النبذ»، وغيره في حديثه.
الأثر الأكثر حدة بفعل الشهرة
ويعلل موافي اختلاف الرأي حول المسألة إلى الاعتياد الكبير للخطاب الحاد تجاه بعض الأقليات، خصوصًا المثليين. إذ أنه غالبًا ما تنتفض الغالبية للخطابات التي تمسها مثل التعرض للمسلمين على سبيل المثال. في حين يتم تجاهل حقوق الأقليات بسهولة.
في الوقت نفسه، يعتبر موافي أن حجم الكراهية يتوقف على عدة شروط، منها: موقع الشخص، ومدى تأثيره على جماهيره، وشعبيته. وفي حالة تريكة، فإن الأثر أكثر حدة، بالنظر إلى شعبيته التي تصل إلى الناس في المنازل بكل سهولة. ما قد ينتج الغضب والعنف على تلك الجماعة. وهو بذلك يعد تحريضًا واضحًا على العنف.
المشكلة عند موافي أن الأغلبية لا تؤمن حقيقةً بمسألة حرية التعبير، إلا فيما يخص مصالحها. كما أن اعتياد التعايش مع الآخر واحترام اختياراته أمر غير وارد.
ومع ذلك، لا يرجح موافي استخدام التشريعات ضد خطابات الكراهية. لأنها ببساطة يمكن استغلالها في قمع حرية التعبير، والخلط بينهما. خصوصًا في ظل المزاج الرجعي حاليًا. ومثال على ذلك، قانون ازدراء الأديان الذي كان من المفترض أن يتم استغلاله لحماية الأقليات، فمالت الكفة ناحية الأغلبية، والكتب الدينية المجردة.
ولهذه الأسباب، فإن المحامي الحقوقي محمد عبيد يرى ضرورة تجريم الكراهية، ولكن مع تحديدها بدقة متناهية، بحيث تحمي الأشخاص، لا الأشياء المجردة.
فيما يخص قانون ازدراء الأديان، يلفت المحامي الحقوقي محمد عبيد إلى أن النصوص الواردة بالقانون خلطت بين حرية التعبير، والكراهية، فكان القانون بمثابة سلاح تستغله الأغلبية ضد الأقلية، بدلاً من أن يحمي القانون هذه الفئة.
حماية للأديان وإهمال للأشخاص
تعود الباحثة النسوية إلهام عيداروس إلى تاريخ إقرار قانون ازدراء الأديان، فتقول إن الحجة للاستعانة بهذا القانون في عهد السادات كانت تعرض الأقلية المسيحية للاضطهاد. لكننا فوجئنا بنصوص لم يبد الغرض منها سوى التنكيل بالمعارضين للفكر السائد. فغالبًا ما تم استخدام هذا القانون لصالح الأغلبية وليس حماية الأقلية كما كان الدافع الأساسي من إقراره.
وبالعموم، لا يوجد لفظ كراهية في التشريعات المصرية، بحسب عبيد. لكن هناك القانون 176 لعام 2006، الذي ينص على أن «يعاقب بالحبس كل من حرض بإحدى الطرق المتقدم ذكرها على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام».
وقد أوضحته المادة 171 بنص «كل من حرض واحدًا أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علنًا أو بفعل أو إيماء صدر منه علنًا أو بكتابة أو رسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكًا في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها».
وقد حدد نص المادة النتائج المترتبة على التحريض المعاقب عليه، فذكر «إذا ترتب على هذا التحريض وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل. أما إذا ترتب على التحريض مجرد الشروع في الجريمة فيطبق القاضي الأحكام القانونية في العقاب على الشروع».
ويشمل فعل التحريض -وفق المادة- «القول أو الصياح علنيًا إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق أو إذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى. ويكون الفعل أو الإيماء علنياً إذا وقع في محفل عام أو طريق عام أو في أي مكان آخر مطروق أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان. وتعتبر الكتابة والرسوم والصور والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل علنية إذا وزعت بغير تمييز على عدد من الناس أو إذا عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق العام أو أي مكان مطروق أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان».
الفصل بين الحرية والكراهية.. المهمة الصعبة
وترد العقوبة المترتبة على ذلك إلى المادة 98 (و)، إذ تنص على «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية».
لكن يبقى أن كثيرين يأخذون على جميع هذه المواد أنها ذات إشكاليات. ففي رأي عبيد عبارة «من شأنه» الواردة في القانون تفتح الباب للتأويل، وهي غير محددة. كما أن عبارات مثل «السلم العام» أيضًا تتضمن نفس الغموض، والخشية على تداخلها مع حرية التعبير. فضلاً عن أن الموادالقانونية لا يجب أن تعتمد على نتائج مستقبلية.
إن الفصل بين الحرية والكراهية مسألة ليست سهلة أبدًا حتى في أوروبا نفسها. لكن عبيد يرى أن الحرية هي التعبير عن الرأي فيما يخص الفكرة دون المساس بأشخاص بعينهم، أو طائفة محددة سواء إثنية أو عرقية، أو دينية. وعليه فإنه يعتبر حديث تريكة خطاب كراهية بشكل قاطع. ذلك لأنه يمس إحدى الفئات المظلومة في المجتمع بالأساس.
في انفوجراف عن ماهية خطابات الكراهية، حددت «مؤسسة المادة 19» عددًا من المعايير لتمييز خطاب الكراهية الذي يجب أن يقيد. وكان منها ما هو يتعلق بالسياق الاجتماعي والسياسي للفئة المخاطبة. فضلاً عن تأثير المتحدث وثقله. إلى جانب نية الإقدام على فعل الضرر. وكذلك مدى الخطاب أي الوسائل المستخدمة لوصوله، والمحتوى نفسه المقدم، وأخيرًا رجحان وقوع الضرر.
منظومة الأغلبية.. وتدرج الخطاب
حول تلك المعايير، تنتقد الناشطة النسوية إلهام عيداروس المنظومة الثقافية الاجتماعية برمتها. لأنها تقوم على حماية المعتقدات السائدة، أكثر من الاهتمام بحماية الإنسان. فقد ينتفض المجتمع وقوات إنفاذ القانون من أجل المؤسسات، أو حتى الأديان، في حين لا يتم الالتفات إلى البشر. كما لا يوجد تشريع فعلي يعمل على حماية الأقليات.
تقول إلهام إننا نسمع كثيرًا عن حماية قيم الأسرة أو الكتب المقدسة، أو حتى رجال الدين، فيما لا يتم النظر للأمر إن تسبب في أذى لمجموعة من البشر.
«نحن أمام سيولة في الألفاظ وعدم دقتها»؛ على حد قولها.
هناك خطاب للكراهية يندرج تحت بند التحريض على العنف، لكنه لا يرتقي إلى تحريض على العنف المباشر. هذا المستوى من خطاب الكراهية لا تعتبر إلهام أن حديث أبوتريكة ارتقى إليه. رغم كونه خطاب كراهية بالتأكيد. ترى إلهام أن خطابات العنف المباشر هي التي يجب تقييدها. كما أن العقوبات على ذلك يجب أن تختلف وتتدرج. ففي حالة تريكة يجب أن يتم الأمر مع اللاعب بشكل إداري كأن تحقق القناة التي يعمل بها في الأمر.
وتلفت عيداروس إلى أن العقوبات بمختلف أنواعها يجب أن يتبعها تنبيه اجتماعي. ومن ثم نقاش عام حول خطورة هذه النوعية من الخطابات.
وهي تقول إن خطاب أبوتريكة لا يوصف سوى بأنه «مضلل». فلا يوجد في المسألة أي إجبار، بل هو مجرد تعاطف مع جماعات شهدت المذابح والاضطهاد منذ قرون. كما هو الحال مع التعاطف مع حركة السود في الدوريات الأوروبية والركوع من أجل المغدور «جورج فلويد» أثناء المباريات. قبول الأمر من عدمه لا يجب أن يزامن إبداء عدم الاحترام لمختلف الجماعات.