تشهد الساحة الدولية هذه الأيام تبادلاً للتصريحات الساخنة، بين روسيا من جانب، والولايات المتحدة وحلف الناتو من جانب آخر. حيث استقبلت المناطق الواقعة بالقرب من الحدود الأوكرانية حشودًا عسكرية روسية. الأمر الذي واجهه الحلفاء بمناورات تعدت ما أسمته روسيا «الخط الأحمر».
كأنها حرب باردة جديدة إذن، بما تحمله من رفع لدرجة الاستعداد في الجانبين، واللقاء المرتقب من أجل حل الأزمة بين الرئيسين؛ الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين. وهي أجواء تُعيد إلى الأذهان ما شهده العالم قبل ما يزيد عن النصف قرن بين القوتين العُظمتين، فيما عُرف وقتها بـ«عملية خليج الخنازير» وأزمة الصواريخ الكوبية.
الحلفاء لإنقاذ أوكرانيا
مساء الإثنين الماضي، أجرى رئيس الولايات المتحدة جوزيف بايدن، اتصالاً هاتفيًا مشتركًا مع الحلفاء الأوروبيين؛ لبحث التصعيد الروسي. ضم الاتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
خلال الاتصال، ناقش الحلفاء قلقهم المشترك بشأن «الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا والخطاب الروسي الحاد على نحو متزايد»، حسب بيان الخارجية الأمريكية.
دعا قادة الغرب روسيا إلى تهدئة التوترات. واتفقوا على أن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد للمضي قدمًا لحل النزاع في دونباس، واقترحوا أن يكون الحل من خلال صيغة نورماندي وتنفيذ بروتوكول مينسك.
أكد القادة أيضًا على دعمهم لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، واتفقوا على أن تبقى فرقهم على اتصال وثيق. بما في ذلك من خلال التشاور بشأن نهج منسق وشامل مع الحلفاء في الناتو، والشركاء في الاتحاد الأوروبي.
13 يومًا في خليج الخنازير.. ذاكرة الحرب الباردة
تُشبه هذه الحالة المتوترة ما شهده العالم خلال 13 يومًا في أكتوبر/تشرين الأول 1962. عندما بدا العالم وكأنه على شفا حرب نووية. بعد أن قام الزعيم فيدل كاسترو -في أعقاب الإطاحة بالديكتاتور باتيستا- بتأميم جميع الشركات المملوكة لأمريكا في كوبا، ورفض دفع تعويضات.
وكما ترغب روسيا في استعادة واحدة من ممتلكاتها السوفيتية، دافعة المد الغربي بعيدًا. أيقن الجالسون في واشنطن في مطلع الستينيات من القرن الماضي أن الولايات المتحدة بات لها دولة شيوعية في حديقتها الخلفية.
ففي أبريل/نيسان عام 1961، وبعد تنصيبه مباشرة رئيسًا للولايات المتحدة. وافق جون كينيدي على خطة لغزو كوبا والإطاحة بحكم كاسترو. وهي العملية التي عُرفت باسم «خليج الخنازير».
كانت الخطة تقتضي بأن تعمل المخابرات المركزية الأمريكية على إنزال 1400 من المنفيين الكوبيين على الساحل الجنوبي للبلاد، بهدف إثارة انتفاضة مناهضة للشيوعية.
لكن القادم الجديد للبيت الأبيض -في اللحظة الأخيرة تقريبًا- ألغى وعده بدعم القوات الجوية لهجوم المنفيين. ما أدى إلى هزيمة المتمردين بسهولة، عندما واجههم 20 ألف جندي كوبي مدججين بالسلاح.
وعلى عكس لجوء أوكرانيا اليوم للناتو لحماية نظامها من البطش الروسي. اتفق كاسترو مع السوفييت على نشر صواريخ متوسطة المدى في جزيرته لردع واشنطن عن التفكير في أي محاولة أخرى للغزو أو قلب نظام الحكم الشيوعي. لتصير كوبا قاعدة عسكرية متقدمة للاتحاد السوفيتي.
حشد القوات
تتناقل وسائل إعلام أمريكية مخاوف مسؤولين في الاستخبارات من اجتياح قد يبدأ مطلع العام المقبل 2022. في وقت ادعت أوكرانيا أن روسيا حشدت أكثر من 90 ألف جندي بالقرب من حدودهما المشتركة. وأشار تقرير نشرته صحيفة الواشنطن بوست إلى أن العدد يصل إلى 175 ألف جندي.
لكنّ موسكو نفت الأحاديث عن أنّها تستعد لشن هجوم على جارتها الجنوبية، ودافعت عن حقها في نشر قوات على أراضيها بالشكل الذي تراه مناسبًا.
واتّهم بوتين الدول الغربية بـ«التصعيد في نزاع أوكرانيا عبر إجراء مناورات عسكرية في البحر الأسود، وإرسال قاذفات للتحليق على مقربة من الحدود الروسية»، معتبرًا أنّ «خفض التوتر، عسكريًا وسياسيًا، من مصلحة كل من أوروبا والعالم».
وقال بوتين إنّ «القاذفات الاستراتيجية لدول الناتو تحلق على مسافة 20 كم من حدود روسيا»، مضيفًا أنّ «هذا يتجاوز الخط الأحمر».
وتوعَّد في اجتماع موسَّع في وزارة الخارجية الروسية، بردّ ملائم على النشاط العسكري لحلف شمال الأطلسي بالقرب من حدود بلاده، معتبرًا أنّ «الناتو اتَّخذ مبادرته لكسر كل آليات الحوار».
لكن بايدن، قبل اتصال مرتقب بين الرئيسين اليوم الثلاثاء، أكّد أنّه «لا يقبل الخطوط الحمراء لأي أحد».
وبينما فرض سلف بايدن -كينيدي- حصارًا بحريًا على كوبا لمنع السفن السوفيتية المشتبه في حملها صواريخ نووية من الوصول إلى الجزيرة. تلقى رسالة من خروتشوف يقول فيها إن السفن السوفيتية «لن تتوقف عند الحصار، لكنها ستشق طريقها».
البحث عن نصر في الحرب الباردة الجديدة
في أزمة الصواريخ الكوبية اعتبر الجانبان أنهما حققا النصر. فقد أنقذ خروتشوف النظام الشيوعي في كوبا من غزو الولايات المتحدة، وتفاوض على صفقة بشأن إزالة صواريخ جوبيتر الخاصة بهم في تركيا. ومن جانبه، حافظ كينيدي على وعده الانتخابي بأن يقف في وجه الاتحاد السوفيتي، وأبقى الصواريخ النووية خارج كوبا.
وفي ذلك الوقت، ومن أجل ضمان سهولة الاتصال بين واشنطن وموسكو في حالة نشوب صراع في المستقبل. تم إنشاء خط ساخن يوفر اتصالاً هاتفيًا مباشرًا بين البيت الأبيض والكرملين.
وقد تطور هذا الخط عبر السنوات، ليصير محادثات عن طريق الفيديو، كالمزمع إجراؤه اليوم لاحتواء الأزمة الأوكرانية. بينما يأمل المسؤولون في كلا الجانبين أن تنتهي الأزمة بسلام كما حدث قبل ما يزيد عن النصف قرن.