منذ ما يقرب من 40 عاما كتبتُ رواية “أصوات”. وهي تناقش موضوع الختان. “بيقول اسمعي یا خالتي”: المرأة منا إذا لم تختتن تصبح ھائجة مثل القطة، تطلب الرجال ولا تشبع أبدًا. ثم إنھا ترھق رجلھا كل لیلة، بل تخونه كلما أتیحت لھا فرصة”. بهذه الكلمات عبّر الكاتب الراحل سليمان فياض عن كل صوت غاشم لا يزال يسري ويتردد بيننا إلى اليوم.

الختان “عفة وطهارة وألم أبدي”

من الشائع أن الختان “عفّة وطهارة للبنت”, وأنه الباب الأول لدخول الفتاة إلى عالم النساء. وأن الأمهات هن الفئة الأكثر خصوصية والتي تتحكم في المستقبل الزوجي لبناتهن بتقرير مصيرهن بالختان. وبرغم جهود يتم بذلها لإنهاء هذه العادة فإن السواد الأعظم يدين لها بالولاء. فضلا عن أن التشديد المعلن وسن القوانين لم يضع حداً لإنهاء هذه الجريمة بل يفتح طرقا جديدة في طريقة ومكان وتكلفة وتنفيذ الجريمة.

يتركز الختان في 30 دولة من دول أفريقيا والشرق الأوسط وبعض بلدان آسيا. ورغم التقدم الملحوظ لإنهاء هذه الممارسة العنيفة تُضار ملايين الفتيات بهذه البلدان ممن تقل أعمارهن عن 15. وبذلك يدخلن مع نحو 200 مليون فتاة وامرأة في جميع أنحاء العالم ممن يعِشن بالفعل مع أضرار تشويه أعضائهن التناسلية وتعاني مجتمعاتهن من آثاره.

أسطورة الختان والزواج

وفي ريف مصر ينطبق القول بأن عدو الحقيقة ليس الكذب وإنما القناعات. وعند سؤال “أم رجب” -61 عاما- امرأة من إحدى قرى محافظة المنيا عن الختان وابنها المتزوج حديثا: هل زوجة ابنك البالغة 18 عاما مختتنة؟ أجابت: “أمال يعني هيجيبوهالنا كده؟! مايصحش دي تبقى العين عليها وعرضة للقيل والقال”. وأضافت أنها لا تتصور كيف أن بنتا لا تختن! فالختان حسب مفهومها “مرحلة من مراحل الزواج”.

جريمة ختان في نص الليل

حكت “أم رجب” أن الأهالي حاليا يُحضرون الداية “القابلة” بعد نص الليل بـ200 جنيه “بعد ما يكون أهل البلد ناموا فتيجي ومعاها فوطة صغيرة ومشرط وشوية تراب فرن لكيّ الجرح ومنع النزيف”.

وقالت: “أحيانا الكوارث بتحصل. من وقت قريب كانت بنت من عيلتي معاقة ورغم كدا أصر أبوها على ختانها”. وذلك حتى لا يصدر منها شيء فيلوموا أهلها -حسب أم رجب- وفي أثناء عملية الختان حدث للبنت نزيف نتيجة قطع عرق بالخطأ. “فأخفوا البنت أسبوعين وكانوا مرعوبين أحسن تموت لكن ربنا سترها, وبرغم كده إحنا عاميلن على مصلحتها”.

وفي مدينة بني سويف تحكي مسعودة عبد الرحيم -68 عاما- أن لها 5 حفيدات جميعهن مُختتنات. فهي حريصة على ذلك. فعاداتهم وعُرفهم يقول إن البنت التي لا تُختتن يظهر ذلك في سلوكها وحركاتها وضحكها ولبسها. لذا “فهي عرضه للانحراف ودورنا نراقبها طول الوقت حتى تبلغ مرحلة الختان”.

دماء في غياب المخدّر

حفيدات “مسعودة” يدرسن بكليات هندسة وتمريض وجميعهن خضعن للختان. وتقول الجدة إن معظم الأمهات تقوم بذلك. وهنا في المدينة لا تزال الجراحات يتم إجراؤها يوميا في العيادات بالاتفاق مع الدكتور أو الممرضة بمقابل 400 جنيه.

هذا النوع من العمليات يلزمه بالطبع السرية والتكتم. لذا يتم إجراؤها في الصباح الباكر قبل ازدحام العيادات بالمرضى. وتؤكد “مسعودة” أنهم عادة لا يستخدمون في الختان أي مخدر: “هو رماد الفرن البلدي بنجيبه في برطمان”.

وقالت “ن.و” -إحدى المختتنات- إنها ظلت هاربة من أهلها ثلاثة أشهر حتى لا تتم لها عملية ختان. إذ كان عمرها في هذا الوقت 14 سنة, وكلما سمعت أن “الدّاية” في البيت تهرب. وذات مرة جاءت “الداية”: “كنت في البيت فطلعت السطوح وحاولت أرمي نفسي لأني كنت سمعت من بنات أعمامي أن ألم الختان صعب”.

وتضيف: “اترجّاني الجميع أنزل وكانت أمي بتبكي وأبويا حلف لو نزلت لن يصيبني أذى. نزلت أمسكوني وعملوا الختان ففقدت الثقة بنفسي وبالكل”.

الختان في ميزان العدالة

ويجّرم القانون المصري منذ 2008 عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وتم تشديد ذلك في 2016. وصارت العقوبة السجن من 5 لـ7 سنوات لمن يشارك في هذه العمليات. فيما لا تزال المصريات يخضعن لهذه العادة الاجتماعية التي لا تستند إلى أي أساس علمي أو ديني.

تقول “ن.ل” -مندوبة مبيعات في شركة أدوية- إنه بحكم عملها فإنها طوال اليوم موجودة في عيادات الأطباء. وشهريا ترى جراحات ختان كثيرة. فهي تعرف ذلك بمجرد خروج البنات من غرف العمليات من همسات الأهل.

تقول: “في الشهر الحالي كنت في عيادة دكتورة نساء معروفة في ملوي بالمنيا وعيادة أخرى لجرّاح في بني مزار وشفت عمليات ختان والكل شافها عادي”.

رأي الدين في الختان

رغم بشاعة الختان -تقول “ن.ل”- نجد كوادر طبية بيننا لا تزال تشجّع على هذه الجريمة. فيما تستند إلى نصوص دينية يتم تأويلها حسب أهوائهم. إذ استند د.مدحت عبدالهادي -اختصاصي نفسي في العلاقات الزوجية- إلى حديث “إذا التقى الختانان وجب الغُسل”. وهذا الحديث رواه أحمد في مسنده. ويفسره الطبيب “عبد الهادي” على أنه إقرار من النبي بوجود الختان أصلا. فيما فسرت دار الإفتاء المصرية الحديث بأن المعنى المراد من قول النبي “إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ” هو “الجماع بين الزوجين”. وأكدت الدار: “ليس في الحديث طلب للختان ولم يرد عن النبي أمر بختان أنثى كما لم يختن هو بناته”.

“عبدالهادي” قال إن الختان المطلوب ليس ما تقوم به الدايات في القرى لكنه ختان “بطرق شريعية تضمن العفة والطهارة”. وقد ذكّرناه بأن ما قاله انتهاك لنص قانوني يجرّم الختان لكنه عاد وأكد أنه يقصد نوعا محددا من الختان لا يتعرض للجهاز التناسلي للأنثى.

هذا الرأي الذي يروجه من يقف بين صفوف كوادرنا الطبية التي يفترض أن تكون مدعمة للقوانين الإنسانية وليست ضدها، يعكس سبب قفز مصر لمقدمة الدول بقائمة الأعلى في نسب الختان. إذ تحتل مصر -حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”- المركز الرابع عالميا والثالث عربيا بنسبة 91%. وتحتل الصومال صدارة العالم والعرب في نسب انتشار ختان الإناث بنسبة 98%. يلي الصومال في القائمة غينيا ثم جيبوتي ثم مصر يليها السودان -الثامن عالميا والرابع عربيا بنسبة 88%.

آثاره الكارثية على العلاقة الزوجية

وفي استبيان أجرته “مصر 360” على عينة ضمت 100 من النساء والرجال تبين أن ضحايا الختان ليست المرأة وحدها بل الرجل أيضا.

العينة التي استهدفها الاستبيان ضمت رجالا ونساء بين 25 و65 سنة. ومثّل الرجال فيها نسبة 35%. ويعيش أفراد العينة بين القاهرة ومحافظات بصعيد مصر.

إجابات الأزواج في الاستبيان دعت إلى الدهشة. فبعضهم يفضلها زوجة غير مختتنة لأنها تحصل على الاستثارة بأقل مجهود. ولكن غير المختتنة “تهلك الرجل دون أي نتيجة” بحسب أحدهم. معللا ذلك بأن أجزاء الإثارة يتم قطعها في هذه العملية فتصبح بذلك المرأة كتلة من الثلج.

عن هذا يحكي “ب.ر.خ” أنه تزوج من سنوات طويلة من زوجة مختتنة. في البداية لم يجد معاناة معها. ولكن مع تقدمه في العمر صار هو الضحية لختان زوجته، التي صارت تعاني البرود. رغم أنه لا نقص لديها في الرغبة. بالعكس تماما فالزوجة المختتنة لديها رغبة وشهوة عالية لكن أجزاء الإثارة لديها تمت إزالتها فزاد الزوج جهده ليعوض هذا البرود فلا يجد نتيجة. ولذلك تنفر منه زوجته.

ويقول “ي.ل” إن زوجته لم تكن مختتنة حين تزوجها, وبعد فترة وبإلحاح أمه التي اكتشفت الأمر في أثناء ولادة الزوجة, نبهت الزوج بأن زوجته غير مختتنة وبذلك هي عرضة “للانحراف”. وهنا اقترحت الأم إجراء ختان للزوجة “ولا من شاف ولا من دري”. وبالفعل تم ذلك بموافقة الزوج والأهل. وفيما بعد اكتشف الرجل الكارثة في العلاقة الزوجية. لقد صارت زوجته لا تشعر بأي شيء. هي فقط تفعل ذلك إرضاء للزوج الذي لم يعد يُشبعها بل زاد الأمر سوءا بأنها صارت عصبية ومتوترة دائما.

يقول الكاتب الراحل سليمان فياض في رواية “أصوات”: “إنني على يقين بأن كل امرأة تختن بناتها هي في الأصل تثأر لنفسها من العنف الذي حدث لها”.