يكفي لإدراك اللا المساواة في الدخول والثروات عالميًا أن ننظر إلى حقيقة أن أغنى 10% من إجمالي سكان العالم حاليًا يحصلون على 52% من الدخل العالمي. بينما يحصل أفقر 50% على 8% فقط. وفي حين لا يكاد يمتلك نصف السكان الأفقر حول العالم أي ثروة، بنسبة 2% فقط، فإن شريحة الـ 10% الأغنى تمتلك ما يعادل 67% من إجمالي الثروات عالميًا.

هذه الهوة العظيمة في اللا مساواة بين سكان العالم، اتجهت إلى الصعود والتفاقم تقريبًا منذ ثمانينيات القرن العشرين. ذلك بعد سلسلة من برامج رفع القيود عن الاقتصاد، وانسحاب الدولة من دورها التنظيمي. ثم تطبيقها بأشكال مختلفة من بلد لآخر. ومع ذلك، فإن أزمة انعدام المساواة ليست أمرًا يصعب ضبطه وإخضاعه لقوانين تحقيق العدالة. لكن للوصول إلى هذا، نحن بحاجة لإرادة سياسية، كما يشير تقرير «اللا مساواة في العالم» لعام 2022.

التقرير الذي يتضمن 228 صفحة، يتتبع التفاوتات في مستوى الدخول والثروات على مستوى العالم. وهو يستند في بياناته وتحليلاته على عمل أكثر من 100 باحث من مختلف قارات العالم، غذوا قاعدة بيانات اللا مساواة حول العالم على مدار 4 سنوات. ذلك في إطار السعي لفرض ضريبة تصاعدية على الثروة على نطاق عالمي. فضلاً عن اعتماد سجل مالي دولي يُسهل اتخاذ إجراءات ضد التهرب الضريبي.

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأعلى في اللا مساواة

تشير بيانات التقرير إلى تفاوت في مستويات انعدام المساواة في الدخل بين مناطق العالم. حيث تتباين التفاوتات كثيرًا بين المنطقة الأكثر مساواتية (أوروبا) وتلك الأكثر لامساواتية (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا). ففي أوروبا، يبلغ نصيب الشريحة العشرية الأغنى من حيث الدخل حوالي 36%. في حين يبلغ نصيب نفس الشريحة في الشرق الأوسط 58%.

لقد تناقصت اللا مساواة على مستوى العالم بين الدول وبعضها البعض. وفي نفس الوقت، زادت اللا مساواة داخل الدول نفسها. حيث تضاعفت الفجوة بين متوسط الدخول التي يجنيها العشر الأغنى، وتلك التي يجنيها نصف السكان الأفقر، لتصل إلى 15% مقارنة بـ 8.5%. وهي قفزة تعني أنه برغم النمو ومحاولات اللحاق الاقتصادي في الدول الناشئة، ما زال عالم اليوم يعاني اللا مساواة. كما أن اللا مساواة داخل الدول هي اليوم أسوأ بكثير.

"التفاوت

تكشف خريطة العالم عدم المساواة أيضًا أن متوسطات مستويات الدخل القومي لا تخبرنا إلا قليلاً عن اللا مساواة. فمن بين الدول ذات الدخول العليا -مثلاً- هناك بعض الدول شديدة اللا مساواة (مثل الولايات المتحدة). بينما تعتبر أخرى أقرب إلى المساواة (مثل السويد). وكذلك ينطبق الحال بين الدول ذات الدخل المتوسط أو المنخفض. إذ يشهد بعضها مستوى متطرف من اللا مساواة (مثل البرازيل والهند)، وبعضها مستوى مرتفع (مثل الصين). بينما تتميز أخرى بمستويات نسبيًا منخفضة (مثل ماليزيا والأوروجواي).

متوسطات مستويات الدخل القومي لا تخبرنا إلا قليلاً عن اللا مساواة

للاطلاع على التقرير.. اضغط هنا

حكومات تزداد فقرًا وقطاع خاص يزداد غنى

يقول التقرير إن اللا مساواة العالمية اليوم تبدو في نفس مستوياتها المرتفعة التي شهدتها ذروة حقبة الإمبريالية الغربية في بدايات القرن العشرين. إلا أن شريحة النصف الأفقر من السكان تجني اليوم نصف ما كانت تجنيه نظيرتها في عام 1820.

أيضًا، هناك فجوة كبيرة تظهر بين صافي الثروة الحكومية وصافي الثروة لدى القطاع الخاص. إذ زادت ثروات الدولة بشكل لافت خلال الأربعين عامًا الماضية. بينما صارت حكوماتها أفقر. فالغالبية العظمى من الثروة تقع في أيدي القطاع الخاص.

على سبيل المثال، خلال ذروة أزمة كورونا (كوفيد-19)، اقترضت الحكومات من القطاع الخاص، ما يعادل 10-20% من الناتج المحلي.

هذا الاعتماد على القطاع الخاص في سد العجز الحكومي يؤثر بالتالي على قدرات الدول على معالجة هذه الأزمة في المستقبل، وعلى مواجهة التحديات الكبرى، مثل التغير المناخي.

لقد استأثر أصحاب الملايين حول العالم بنصيب غير متناسب من إجمالي الثروة العالمية، خلال العقود الماضي. إذ حصل أغنى 1% عالميًا على 38% من إجمالي الزيادة في الثروة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، في حين حصل الـ 50% الأفقر على 2% فقط. وهو ما يرجعه التقرير إلى التفاوت الكبير بين معدلات نمو الثروة في أعلى شرائح سلم توزيع الثروة، ومعدلات نمو أسفل الشرائح. كان العام 2020 صاحب أعلى زيادة مسجلة في نصيب المليارديرات من الثروة العالمية.

كان العام 2020 صاحب أعلى زيادة مسجلة في نصيب المليارديرات من الثروة العالمية.
كان العام 2020 صاحب أعلى زيادة مسجلة في نصيب المليارديرات من الثروة العالمية.

يظهر التقرير أن الدول الغربية نجحت في خفض مستويات اللا مساواة في الثروة بين بدايات القرن العشرين والثمانينيات. لكن ظل نصف السكان الأفقر لا يملكون إلا قليلاً من تلك الثروة.

اللا مساواة الجندرية.. للنساء 35% من إجمالي الدخل عن العمل

يقدم التقرير في العالم 2022 أول تقديرات عن اللا مساواة في الدخل العالمي المرتبطة بالجندر. إذ بلغ نصيب النساء في إجمالي الدخل عن العمل ما يناهز 30% في عام 1990. وهو يقف اليوم عند أقل من 35%.

ويظل انعدام مساواة في الدخل بحسب النوع مرتفعة، والتقدم في سبيل تضيق هذه الفجوة عالميًا بطيئًا، وإن كان يختلف من دولة لأخرى.

"تظل

الأغنياء مسؤولون عن 50% من انبعاثات الكربون

من الأرقام المثيرة التي استعرضها التقرير ما يتعلق بتغير المناخ وانبعاثات الكربون. توضح قاعدة البيانات عن اللا مساواة في انبعاثات الكربون، أن الـ 10% الأغنى من سكان العالم مسؤولون عن 50% من إجمالي الانبعاثات، بينما الـ 50% الأفقر مسؤولون عن 12% فقط. ولا يرتبط ذلك بالدول الغنية مقابل الأخرى الفقيرة. مثلاً، حين ننظر إلى نصيب الفرد ضمن أهداف 2030 المتعلقة بالمناخ، نجد أن نصف السكان الأفقر في الدول الغنية يحققون بالفعل أو يقتربون من تحقيق تلك الأهداف. فيما لا يزال الـ 10% الأغنى في تلك الدول بعيدين عنها.

هنا، ينصح التقرير أن تستهدف السياسات المناخية الاثرياء الملوثين أكثر من غيرهم. يشير التقرير إلى أن ضرائب الكربون تستهدف إلى الآن المجموعات ذات الدخل المتوسط والمنخفض أكثر من غيرهم. في حين أبقت على العادات الاستهلاكية للمجموعات الأغنى على حالها.

الضريبة التصاعدية لحل أزمة اللا مساواة

يقدم تقرير اللا مساواة في العالم 2022 عددًا من السياسات التي تهدف إلى إعادة توزيع الثروة والاستثمار في المستقبل. وهو ينصح بفرض ضريبة تصاعدية على ثروات أصحاب الملايين حول العالم. يمكن جمع ما يعادل 1.6% من إجمالي الدخل العالمي. ومن ثم إعادة استثماره في التعليم والصحة والتحول البيئي.

كما يؤكد التقرير على ضرورة المضي قدمًا في اتجاه سياسات اقتصادية أكثر عدالة، سواء على المستوى الدولي أو على مستوى كل دولة. ويعود فيشدد مجددًا على أن اللا مساواة كانت دائمًا خيارًا سياسيًا، ومن الضروري استلهام السياسات المطبقة في دول أخرى أو في أزمنة أخرى من أجل تصميم مسارات تنموية أكثر عدالة.

جدول يوضح العوائد التي تنتج عن ضريبة صغيرة تصاعدية على الثروة على أصحاب الملايين حول العالم
جدول يوضح العوائد التي تنتج عن ضريبة صغيرة تصاعدية على الثروة على أصحاب الملايين حول العالم

للاطلاع على التقرير.. اضغط هنا