بعث قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، مؤخرًا، باعتبار 17 ديسمبر/كانون الأول يوم عيد الثورة، عوضًا عن يوم 14 يناير/كانون الثاني، بردود فعل متفاوتة. خاصة في ظل تململ بعض القوى السياسية الحزبية والنقابية، من استمرار الوضع الاستثنائي المفروض منذ تدشين القرارات الدستورية التي اتخذها سعيد، في يوليو/تموز الماضي. الاتحاد العام التونسي للشغل إحدى هذه القوى التي امتعضت من ذلك الأمر.

غير أن الرئيس التونسي، قال، أمام اجتماع للحكومة، إن «الانفجار الثوري» انطلق من سيدي بوزيد. وأنه «للأسف احتويت الثورة حتى يتم إقصاء الشعب عن التعبير عن إرادته. وعن الشعارات التي رفعها».

اللافت أن المنظمة النقابية التاريخية ذات التأثير والنفوذ الكبيرين بتونس، انتقدت موقف الرئيس التونسي «المتردد»، بخصوص عدم الإعلان عن خارطة طريق للخروج من الوضع الاستثنائي وفرض حالة الطوارئ. وهي تطالب بعودة المسار السياسي الديمقراطي، وانخراط كافة القوى في عملية الإصلاح السياسي، دون أن تظل كافة الصلاحيات بيد مؤسسة الرئاسة.

ضرورة الحوار الوطني.. اتحاد الشغل: ندعم إجراءات قيس سعيد ولكن

في الذكرى الـ69 لاغتيال المناضل السياسي والنقابي فرحات حشاد، مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل، عام 1952، أكد الأمين العام نور الدين الطبوبي على مواصلة دعمه إجراءات الرئيس التونسي. غير أنه عاود التأكيد، مجددًا، على ضرورة إجراء «حوار وطني» في أسرع وقت. وذلك لجهة صياغة خارطة طريق تنهي حالة الطوارئ. وتابع: «تونس لن تبنى على أساس فردي. تحتاج لتبني نهجًا تشاركيًا».

وشدد الأمين العام على أن «التونسيين يرفضون العودة إلى ما قبل 25 يوليو/تموز. بيد أنهم يعتبرون أن من حقهم معرفة الطريق الذي ستسير نحوه البلاد. ومن حقهم مساءلة أي مسؤول بشأن ما يعتزم القيام به في إطار المسؤولية المنوطة بعهدته».

كما اعتبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أن بناء الديمقراطية واستكمال مسارها لا يستقيم دون وسائل ديمقراطية، ودون تطوير ثقافة الحرية والمواطنة. ومن أهم هذه الوسائل الفصل بين السلطات. فضلاً عن تنقيح القانون الانتخابي، ومراجعة قانون الأحزاب والجمعيات والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها تكون ديمقراطية وشفافة. بالإضافة إلى مراجعة مجلة الجماعات المحلية والقوانين المنظمة للهيئات الدستورية، وفي مقدمتها الهيئة المستقلّة للانتخابات. وكذا تفعيل دور الهيئات الرقابية، وإيجاد الصيغ الكفيلة بضمان خلق محكمة دستورية مستقلّة فعليًا، وغير خاضعة للتأثيرات السياسية.

بالتالي، فإنه «لا يمكن للاتحاد أن يتقاطع مع من يؤمنون بسفك الدماء، ومع متهمين بالتهريب والتهرب الضريبي والمتورطين في تفقير الشعب التونسي وتجويعه».

إلى ذلك، قال الرئيس التونسي إن تونس دولة ذات سيادة تحترم فيها الحقوق والحريات. لافتًا إلى أنه لم يتم تعليق العمل بالدستور. ولم يتم المساس بالحريات. كما أوضح أنه سيتم الإعلان، خلال الأيام القليلة المقبلة، عن المرحلة القادمة، حتى تخرج تونس من هذا الوضع الذي تردت فيه، بحسب بيان صادر عن الرئاسة التونسية. مؤكدًا أن «مؤسسات الدولة تعمل في تناغم وتكامل مستمرين».

ماذا يريد قيس سعيد من تدابيره الاستثنائية؟

عقّب سعيد على الانتقادات الموجهة بخصوص انفراده بالحكم. قال: «إن من يتخيل أنه بإمكانه ضرب الدولة التونسية فهو يحلم ولن يتحقق هدفه. تونس تمر بظروف تاريخية ولابد أن يتم إنقاذها من براثن هؤلاء الذين يتحدثون في الخارج عنها. وكأن الدولة التونسية والتي كانوا مسؤولين فيها بضاعة أو لعبة». كما شدد على أنه لا ينفرد بالرأي، بل يثمن مبدأ الحوار.

إذن، يبدو أن المرحلة الاستثنائية التي أقرها رئيس الدولة قيس سعيد قد طالت مدتها. خاصةً أنها غير محدودة الأجل، ما تسبب في صعود حالة القلق في الشارع التونسي. والأمر ذاته لدى بعض الأطراف الدولية، حسبما يوضح الباحث التونسي، بسام حمدي.

يردف لـ«مصر 360»: «في ظل بطء تفعيل الإجراءات السياسية والاقتصادية من طرف رئيس الدولة، أصبحت تونس في حاجة إلى قرارات جديدة، تنهي مرحلة التدابير الاستثنائية. ويكون ذلك عبر طي صفحة البرلمان المجمد نهائيًا، بحله أو عبر إعادته إلى العمل. لإخراج البلاد من حالة العقم السياسي».

تؤشر تطورات المشهد السياسي في البلاد إلى أن رئيس الدولة ينتهج مسارًا سياسيًا، يريد من خلاله ترسيخ المشروع السياسي الذي يتبناه. ويتضح ذلك من خلال تغيير طبيعة النظام السياسي. ذلك عبر جمعه كل صلاحيات السلطة التنفيذية، بحسب حمدي. وربما سيستكمل خطوات إرساء مشروعه السياسي يوم 17 ديسمبر الجاري، بإسقاط بعض القوائم الانتخابية المتهمة بتلقي تمويلات أجنبية. وقد فازت بمقاعد في انتخابات البرلمان التي جرت عام 2019.

يرجح الباحث التونسي، أن يترتب على ذلك الإجراء «حل البرلمان. ويعلن، رسميًا، دخول تونس في مرحلة انتقالية. فيتم تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، تجرى وفق قانون انتخابي جديد، يؤسس للبناء الديمقراطي القاعدي».

وفي ما يتصل بدور منظمات وجمعيات المدني، يقول حمدي: «سيكون حاسمًا في هذه الفترة دور قوى المجتمع المدني. وذلك من خلال قدرتها على التأثير في النهج الذي سيعتمده قيس سعيد. وكذا مساهمتها في بناء دولة خالية من الفساد، وغير قابلة للتطبيع مع الدكتاتورية، وضامنة للحقوق والحريات”.

تونس تحت وطأة الاحتجاجات

من جهة أخرى، تقع تونس تحت وطأة سلسلة من الاحتجاجات الفئوية، نتجت عن الأزمات المجتمعية والاقتصادية. وقد وثق تقرير صادر عن المرصد الاجتماعي التونسي التابع لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل)، خلال الشهر الماضي، قرابة 873 تحركًا احتجاجيًا يغلب عليه على العنف والعشوائية.

يضيف التقرير الحقوقي أن «نحو 184 احتجاجًا في إقليم الشمال الشرقي، ثم في إقليم الجنوب الغربي 150 احتجاجًا، والذي تصدرت فيه (قفصة) التحركات الاحتجاجية بـنحو 115 تحركًا. كما سجل الوسط الغربي (يضم ولايات القصير وسيدي بوزيد والقيروان) في البلاد 333 تحركًا احتجاجيًا».

ويتابع: «صنف التقرير 81.2% من مجموع الاحتجاجات، خلال تشرين الثاني (نوفمبر)، بأنها عشوائية وتنزع إلى العنف. من ضمنها 88% من الاحتجاجات التي شهدتها ولاية تونس وحدها».

وفي حديثه لـ«مصر 360»، يقول أمين عام التيار الشعبي بتونس، زهير المغزاوي، إن الرئيس التونسي قد انهمك خلال الشهرين الأخيرين في تأمين الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية التي يتعين القيام بها من أجل استكمال الخطوات الإجرائية التي قام بها سعيد بعد تجميد عمل البرلمان ثم تسمية رئيس حكومة والتعليق الجزئي للدستور.

ولفت المغزاوي إلى أن «توقيف بعض المتورطين في العنف أو قضايا الفساد كان أمرًا ضروريًا من الناحيتين الأمنية والسياسية، وقد سار بالموازة مع الترتيبات الاقتصادية والمالية التي أخذت الحيز الواسع من اهتمام الحكومة. فاليوم الملف الاقتصادي لا يقل خطورة عن بقية الملفات نظرًا لارتباط تدهور الوضع الا قصادي والمالي بخيارات منظومة الحكم السابقة، التي سيطرت عليها حركة النهضة (فرع الإخوان بتونس). فلا يمكن إحداث تغيير عميق دون تجفيف منابع تمويل هذه المنظومة التي تقوم على الاقتصاد الريعي والفساد».