تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى وسيلة محببة لدى “ذئاب المال”، التي تتلاعب بالبورصات. ذلك عبر توصيات بشراء أسهم، يقف ورائها مجهولون في الغالب، يدشنون صفحات بمسميات مغرية. وهي تقدم توجيهات صادقة حتى حلول لحظة الاقتناص.

تنبهت هيئة الرقابة المالية لتلك الصفحات، أخيرًا. وقد أعدت مقترحًا تشريعيًا بإضافة مادة جديدة إلى قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 لحل الأزمة. تتضمن المادة حظر وتجريم نشر توصيات واستشارات مرتبطة بالأوراق المالية المقيدة بالبورصة المصرية عبر مواقع التواصل. وهي تعديلات تستهدف -وفقًا للهيئة- ردع الأشخاص الذين يصدرون وينشرون توصيات واستشارات مضللة للتلاعب بصغار المستثمرين، تتسبب في خسارتهم، ونفع شخصي لمصدري التوصيات.

التقارير الرقابية تكشف أن تلك التوصيات تؤثر بالفعل على اتجاهات الأسهم المقيدة بالبورصة. وكذا على قرارات الكثيرين من المستثمرين. الأمر الذي يؤدي إلى تحريك وتغيير أسعار الأوراق المالية الصادر بشأنها التوصيات، ما يندرج تحت بند التلاعبات في أسعار الأوراق المالية.

وتعتمد هذه التوصيات على أسلوب “المضخة والتفريغ“. ذلك عبر تضخيم مخزون صغير من الأسهم بطريقة مصطنعة. فتجر الكثير من المتعاملين للشراء قبل البيع فجأة دون مبرر. وبالتالي تنكشف المراكز المالية للمشترين الجدد ومن ثم يخسرون أموالهم.

المتابع لتلك الصفحات، يرى أنها تجيد تلك اللعبة التي يشارك فيها الضحايا أيضًا، بالسؤال عن الأسهم المرشحة لارتفاع. فيعطي من يسمى نفسه خبيرًا أو سمسارًا فذًا توصيات غير منطقية تمامًا الأسهم صغيرة الحجم، حتى يمكنه في وقت لاحق تصريفها بسهولة.

طرق متعددة لـ”ذئاب البورصة”

نجحت تلك الاستراتيجية في رفع بعض الأسهم بنسب تصل إلى 100% في خلال أسابيع، قبل أن تعود مجددًا لمستواها الطبيعي. وساهم في جنيها الثمار وجود نحو 75 ألف مستثمر جديد بالبورصة خلال عام واحد، دخلوا بعد حملة إعلانية جعلت منها مطية سهلة لتحقيق الأحلام.

توجد طريقة أخرى لدى “ذئاب البورصة” للتلاعب تسمى “الأنبوبة والمغرفة”. وهي تعتمد على ترويج شائعات سلبية عن شركة جيدة حتى هبوط أسهمها وشرائها بسعر متدني. وكان أكثر وقت لاستخدامها الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة يناير 2011 التي شهدت تداول أسهم بنصف ثمنها.

يعرف المتلاعب جيدًا كيفية الحشد اعتمادًا على طمع البشر ورغبتهم في تعظيم ثرواتهم ونظريات معروفة تسمى “السلسلة البونزي” أو الهرم البونزي التي وضعها تشارلز بونزي، عبر وعد البشر بمكاسب ضخمة والوفاء بها في البداية، بما يغريهم بدفع المزيد حتى الوصول لمرحلة يتم فيها جمع المليارات والهروب بها. وتتم في سوق المال والعملات عبر الشراء بكميات منخفضة حتى لا ترفع السعر في وقت مبكرة، وتنفيذ حملة تسويقية على الإنترنت، عبر توصيات متعددة من أكثر من صفحة. تثير هذه الأخبار والإعلانات لعاب المستثمرين الصغار فيقبلون على الشراء ليتضخم السعر فجأة.

التضليل لتحريك الأسعار

الدكتور محمد عمران- رئيس هيئة الرقابة المالية، قال في بيان وصل “مصر 360” نسخة منه، إن تقارير مراقبة عمليات التداول على الأوراق المالية المقيدة بالبورصة المصرية، كشفت عن وجود العديد من الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يديرها أفراد يدلون ببيانات ومعلومات وتقدم استشارات وتوصيات عن الأوراق المالية المقيدة بالبورصة، ونشرها عبر تلك الصفحات -الافتراضية- بقصد توجيه القرارات الاستثمارية للأفراد لتحقيق نفع شخصي والإضرار بصغار المستثمرين.

تقارير الهيئة أكدت أن تلك الصفحات إما تنشر أو تساعد في نشر أخبار مضللة أو غير مدققة عن قرب تغير سعر ورقة مالية. ذلك من أجل التأثير على أسعارها والتعامل عليها. كما أن بعضها يتخذ صيغة أشمل لنشر معلومات غير حقيقية أو مضللة عن السوق بالكامل، بقصد تحريك أسعار الأوامر والتنفيذ نحو اتجاه معين.

مجلس إدارة المنظمة الدولية للهيئات الرقابية على أسواق المال “الأيوسكو” أشار منتصف 2021 إلى التلاعب المحتمل عبر المنصات الإلكترونية. ذلك بعدما لاحظ تقلبات الأسعار الحاد لبعض الأسهم صغيرة القيمة في أسواق المال العالمية خلال يناير 2021.

يتضمن المقترح التشريعي -المُعد من الرقابة المالية والمُزمع إرساله للجهات المختصة- عقوبتي الحبس والغرامة، الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات ولا يتجاوز عشر سنوات كل من أتى بذلك الجرم، بقصد إلحاق ضرر بسوق رأس المال أو الاقتصاد القومي أو المصلحة العامة.

استراتيجية الرعيل الأشهر لذئاب البورصة

استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التلاعب بسوق المال حاليًا شبيهًا بالطريقة المتبعة من الرعيل الأشهر لذئاب البورصة عالميًا. في مقدمة هؤلاء يأتي المراهق جوناثان ليبيد الذي استطاع التلاعب بالبورصة الأمريكية.

كان “جوناثان ليبيد” المراهق الأمريكي أول من يستخدم  شبكة الإنترنت في عمليات الاحتيال بسوق المال. ففي عمر الـ 13 اشترى محفظة أسهم صغيرة، قبل أن يعاود بيعها بسعر أعلي. ذلك عبر إثارة أخبار حولها على المنتديات وغرف الدردشة، عبر مجموعة متنوعة من الأسماء على الإنترنت.

ليبيد” لاحظ أن الأسهم التي تقل عن 10 دولارات متقلبة باستمرار، فعمد إلى إعادة تنظيم الأخبار المنشورة عنها بصورة تقود في اتجاه شرائها. ذلك عبر نشر مئات الرسائل تتضمن توصيات مصحوبة ببيانات مالية بعبارات مغرية، مثل السهم الذي سيقفز 2000% أو سهم يصعد بقوة الصاروخ. وقد جني من تلك الاستراتيجية ثروة تعادل 800 ألف دولار.

الأمر ذاته كرره وردن بلفورت لكن على مستوى أكبر بكثير. إذ أسس شركة ستراتون أوكمونت المالية، التي شارك عبرها في عدد من عمليات الاحتيال المختلفة، متضمنةً عمليات تضخيم مصطنعة لأسعار الأرصدة النقدية. وظف بلفورت نحو ألف من سماسرة الأسهم للإشراف على استثمارات تتجاوز قيمتها مليار دولار. بينما خسر ضحاياه 200 مليون دولار في التسعينيات.

بيرني مادوف.. الأب الروحي للمحتالين

أما بيرني مادوف، الرئيس السابق لبورصة ناسداك الإلكترونية، فيعتبر الأب الروحي للمحتالين عبر التاريخ. بعدما احتال بمبلغ 50 مليار دولار، وضمت قائمة ضحاياه جميع المؤسسات والطبقات بداية من بنك إتش إس بي سي ورويال بنك أوف سكوتلاند، ومان جروب، والشركة القابضة لبنك نومورا الياباني، وحتى المعلمين والأطباء وأصحاب الحرف.

يقول نادي عزام، المحلل المالي، إن التعديلات التي تبنتها الهيئة هدفها الحد من تضليل المتعاملين والتسبب في تحقيقهم لخسائر. خاصة بعدما تعرض عدد كبير من المتعاملين لخسائر كبيرة خلال الفترة الماضي، بسبب المضاربات على الأسهم الصغيرة، والتي أضرت لصغار المستثمرين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تم توظيفها بصورة فجة.

يضيف عزام أن “المضخة والتفريغ” حدثت في البورصة عبر مجموعات اتفقت مع بعضها على الوصول بأسهم متدنية لمستوى سعري مرتفع، بنسبة تصل إلى 500%. ذلك عبر شراء كميات بسيطة في البداية، ثم الترويج عبر التواصل الاجتماعي لها، فالبيع بصورة فجائية. ما يحقق مكاسب ضخمة، قبل أن تلفت إليهم إدارات مراقبة التداول بالبورصة وهيئة الرقابة المالية.