“إن الكثير من أعمالكم لن تتفوق على المنافسة الأجنبية، لكن هنا بالذات تكمن روعة السوق الحرة.. الأفضل من بينكم، هو من سيبقى على قيد الحياة”. أحد مساعدى بول برايمر، متحدثاً لمجموعة من رجال الأعمال العراقيين المهددين بالإفلاس بفعل “الصدمة الاقتصادية”، تحقيقاً للشعار الأمريكى الأشهر “الديمقراطية والسوق الحرة”.

فى التحليل الأحدث للباحث المرموق يزيد صايغ “خريطة طريق نحو الحكم المدنى فى السودان فى حال تراجع الانقلابيين العسكرييين”، المنشور بمركز مالكوم كير-كارنيجى للشرق الأوسط،(1).. يعتقد الصايغ أن “تحيي هذه الردود مجتمعةً (المطالبات الغربية من قادة “الانقلاب” بالسودان) بعض الآمال بإرغام زعيم الانقلاب، البرهان، على السماح بعودة الحكومة المدنية برئاسة حمدوك، إلى السلطة بطريقة سلمية.. من المرجّح تشكيل حكومة “تكنوقراط” جديدة، بحسب ما اقترحه البرهان. ولكن هذا النوع من التسويات لن يفضي سوى إلى عودة الوضع غير المستقر نفسه، في ظل المماطلة والتأجيل بانتظار أن تحين لحظة أخرى تعتبرها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها مواتية أكثر للاستيلاء مجددًا على السلطة”.

الجيش السوداني
الجيش السوداني

ويضيف صايغ: “.. تعترض عوائق مهمة عملية الانتقال الديمقراطي، أهمها الشقاق داخل المعسكر المؤيد للديمقراطية ووجود أعداد هامة من المدنيين الداعمين للجيش.. (و) سوف تتسبب الانقسامات الفئوية الحادة في مختلف أنحاء البلاد بعرقلة كل المسارات الممكنة للتحرّك، وليس فقط المسار الرامي إلى إرساء حكم مدني. فالحروب الأهلية والنزاعات الداخلية المتعاقبة التي أسفرت، بحسب التقديرات، عن سقوط أكثر من مليونَي قتيل وأفضت إلى استقلال جنوب السودان في تموز/يوليو 2011، حدثت جميعها في ظل أنظمة مدعومة من العسكريين في الخرطوم. وهذا الواقع وحده ينبغي أن يشكّل حجة دامغة لصالح إعادة ضبط العلاقات المدنية العسكرية”. ويستكمل: “.. قادة الانقلاب .. قدّموا، عن غير قصد، فرصة للمعسكر المؤيد للديمقراطية من أجل استعادة زمام المبادرة وتوطيد أركان العملية الانتقالية”.

للأسف يضع صايغ يده على المقدمات، ثم لا يصل إلى النتائج المنطقية لها؛ – لماذا؟!، سنرى ذلك لاحقاً-، اليس من المنطقى أن نرى أن كل ذلك هو تفعيل أزمة لحدها الأقصى، أزمة مستمرة منذ عقود، فى صراعات مجتمع ملئ بالتناقضات العرقية والقبائيلية الحادة فى طول البلاد وعرضها، تفعيلها فى اتجاة مزيد من التقسيم للسودان؟!.

 عناصر تهيئ السودان للتقسم

من البديهى أنه ليس كل بلد به “هذه العناصر” لابد له أن يقسم، لأن التقسيم لا يحدث بسبب هذه العناصر، بل بسبب أهداف مخطط لها تحقق مصالح كبرى، توظف هذه العناصر فى اتجاه التقسيم. ليس تقسيم السودان سوى جزء من أهداف هذا المخطط للمشروعبن الكبيربن للولايات المتحدة، كقائد لحكام علم اليوم النيوليبرالين، “الشرق الأوسط الكبير، الجديد” و”القرن الأفريقى الكبير، افريكانو”، لذا، فهذه العناصر “تهيئ” فقط لهدف التقسيم، وليس بالضرورة تسبب الانقسام.

تتميز دولة السودان بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجى “الأفريقي-العربي” في شمال شرق أفريقيا. تحدها مصر من الشمال وليبيا من الشمال الغربي وتشاد من الغرب وجمهورية أفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي وجنوب السودان من الجنوب وإثيوبيا من الجنوب الشرقي وأريتريا من الشرق والبحر الأحمر من الشمال الشرقي. كانت السودان أكبر دولة في أفريقيا والعالم العربي مساحة قبل انفصال جنوب السودان.

أما المجموعات العرقية في السودان فتشكل الأعراق الأفريقية 52%، والعربية 39%، البجا 6%، الأجانب 2%، والمجموعات الأخرى 1%، أما القبائل فتتجاوز مائة قبيلة.

إن تفعيل أزمة يسمح بقبول ما لا يمكن قبوله

ألم يكن من المنطقى أن يرى الصايغ أن كل تلك المطالبات “الديمقراطية” الأمريكية” مجرد العودة إلى أوضاع ماقبل 25 أكتوبر”، هى فى جوهرها ليست سوى تفعيل للأزمة القائمة منذ عقود فى السودان، أزمة صراعات مجتمع ملئ بالتناقضات العرقية والقبائيلية الحادة فى طول البلاد وعرضها، تفعيلها إلى حدها الأقصى، لتقديم المزيد من التنازلات المطلوبة دولياً بالخضوع – ليس فقط للتطبيع، بل الخضوع -، للقيادة الإسرائيلية للمنطقة، من جهة، والخضوع لسياسات السوق الحر من الناحية الأخرى، كل ذلك فى اتجاه تفعيل وتوسيع أكبر للأزمة بفعل إضافة التناقضات الرهيبة الناجمة عن تطبيق السياسات الاقتصادية “النيورليبرالية”، من تحرير سعر صرف الجنيه السودانى وإلغاء الدعم على الطاقة والمواد الغذائية الأساسية.. إلخ، وهما الاتجاهان اللذان سار فيهما بالفعل المكون العسكرى بحماس، كعربون لتمرير “الانقلاب”، إضافة هذه التناقضات المستحدثة إلى التناقضات القائمة فعلياً منذ عقود طويلة، باعتبار هذا هو الطريق تفعيل الأزمات- الاوقع لتقسيم السودان، ودول أخرى فى الشرق الأوسط وإفريقيا، فى اتجاه زوال السيادة الوطنية على “السوق” الوطنى، وعن حدود الدولة، لتتحول السيادة الوطنية أو القومية فى عصر “العولمة” النيوليبراية الاقتصادية، إلى مجرد ذكرى، إلى جزء من التاريخ، إنها خطوة تأسيسية جديدة نحو مشروعى القوى العالمية الحاكمة بقيادة أمريكية، مشروعى الهيمنة على الشرق الأوسط وشرق أفريقيا “القرن الأفريقى”، مما حدا بها إلى أن تعين مبعوثا أمريكيا مخصصا ومتفرغا للقرن الأفريقى، جيفري فيلتمان، والذى حضر بنفسه، فى الفترة السابقة والمواكبة واللاحقة على “الانقلاب” العسكرى فى السودان، والتى قرأها زعماء “الانقلاب” بشكل متعجل؟!. ولكن للأسف صايغ لم يرى صايغ كل ذلك، أو لا يريد أن يرى، ليسير فى الاتجاه المعاكس، وسنرى لماذا.

التحالف الحاكم في السودان عقب توقيع الوثيقة الدستورية
التحالف الحاكم في السودان عقب توقيع الوثيقة الدستورية

مجدداً، العين المغمضة لمراكز الأبحاث الغربية، مركز كارنيجى للسلام نموذجاً

يرى صايغ أن “غالب الظن أن البرهان ونائبه في مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقّب بـ”حميدتي” يسعيان إلى حماية نفسيهما من الملاحقة القضائية بعد مغادرة منصبيهما في نهاية الفترة الانتقالية في العام2024، ويجب على المعسكر المدني معالجة هذا الخوف وربما استخدامه كورقة تفاوض، من خلال عرض تقديم الحماية لهما مثلًا مقابل انتزاع تنازلات كبرى في ما يتعلق بنقل الشركات التجارية المملوكة للمؤسسة العسكرية إلى سيطرة المدنيين، وبمصير قوات الدعم السريع، وهي التشكيلة شبه العسكرية التي يقودها حميدتي.”.

أى أن صايغ ينصح القوى المدنية بأن تعالج خوف البرهان وحميدتى، وليس أن تعالج “تواجه” النتائج الكارثية لتطبيق السياسات الاقتصادية الجديدة “النيوليبرالية”، المهمة التى نفذها حتى الآن بنجاح، البرهان وحميدتى أنفسهم، وهو الأمر الذى يفسر كل سياق “الانقلاب” والموقف الأمريكى “الحقيقى” منه، الذى لا يتجاوز الشجب والقلق، سوى بإعطاء “الانقلابيين” أنفسهم، فرصة جديدة، لتجهيز مسرح العمليات لانقلاب قادم بنيولوك مدنى، بالمطالبة بالعودة إلى الأوضاع ما قبل 25 أكتوبر، أى “المماطلة والتأجيل بانتظار أن تحين لحظة أخرى تعتبرها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها مواتية أكثر للاستيلاء مجدّدًا على السلطة”، على حد تعبير صايغ نفسه، فرصة جديدة حتى يتلافى الأخطاء التكتيكية التى ارتكبوها فى المحاولة السابقة فى 25 أكتوبر.

ثم ماذا يعنى صايغ بأن يقدم المدنيين للعسكريين “عرض تقديم الحماية لهما مقابل انتزاع تنازلات كبرى في ما يتعلق بنقل الشركات التجارية المملوكة للمؤسسة العسكرية إلى سيطرة المدنيين”؟!، وماذا يعنى الصايغ بـ”المدنيين”؟!، هل يعنى نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص المدنى، أم نقل ملكيتها لدولة مدنية؟!. سنرى لماذا؟!.

كل الشركات، المدنية والعسكرية، يجب أن تخصخص وفقاً لسياسات النيوليبرالية، “الديمقراطية والسوق المفتوح” إما بحرب اقتصادية “قروض/عقوبات اقتصادية ومالية” يشنها صندوق النقد والبنك الدوليان، أو بحصارها الاقتصادى والمالى الخانق

إلم يعلم صايغ بعد أن كل الشركات، المدنية والعسكرية، يجب أن تخصخص وفقاً لسياسات النيوليبرالية، “الديمقراطية والسوق المفتوح”، والذى يتم فرضها قسراً على كل دول العالم، إما بحرب اقتصادية “قروض/عقوبات اقتصادية ومالية” يشنها صندوق النقد والبنك الدوليان، والبنك الفيدرالى الأمريكى الذراع التنفيذى للسياسات “النيوليبرالية” الاقتصادية، بشروط قروضهما المجحفة بالشعوب، أو بحصارها الاقتصادى والمالى الخانق، أو تشنها بذراعها العسكرى “الحرب العالمية على الإرهاب”، فعن أى انتقال للشركات من القطاع العسكرى للقطاع المدنى؟!، ولأن صايغ لابد له أن يعلم، فلا تصبح لدعوته هذه إلا احتمال واحد، بأنه يقصد، دون أن يصرح، أن تنتقل من القطاع العسكرى إلى القطاع المدنى الخاص، وليس القطاع المدنى لحكومة مدنية، قطاع عام، ثم تنتقل مباشرة أو بالتبعية، من القطاع الخاص إلى الشركات العابرة للقوميات، ومؤسسات الإقراض المالية العالمية الخاصة، ولكن صايغ، لا يستطيع أن يصرح من موقعه ككبير الباحثين بمركز كارنيجى للسلام الممول من نفس هذه الجهات التى تمتلك الشركات والمؤسسات العالمية.

وفى هذه الحالة لا نملك سوى أن نعود مجدداً لعنوان مقالى الأسبق “العين المغمضة لمراكز الأبحاث الغربية، مركز كارنيجى للسلام، نموذجاً”. (2)

إنه ليس سلوك فردى من يزيد صايغ، أنه سياسة ممنهجة، وليس لمركز كارنيجى فقط، إنما لكل مراكز الأبحاث الغربية الممولة من نفس الجهات، إنه بالإضافة إلى نماذج الباحثين فى نفس المركز، والتى أوردتها فى المقال المشار إليه اعلاه، فقد مارسه صايغ نفسه، رغم مستواه “المهنى” المتميز كباحث مرموق، إلا أن “للتمويل أحكام”. فى 28 ديسمبر 2019، كنت قد رصدت نفس “الخلل المنهجى” عند يزيد صايغ فى كتابه الأحدث، “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري.”، فى مقال لى بعنوان: “ملاحظات أولية على كتاب يزيد صايغ الجديد: “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري.” (3)(4)

قلت فيه “فى الدراسه القيمه “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري”. للباحث المرموق يزيد صايغ يخلص إلى استنتاج هام رئيسى”.. أن أي حكومة مصرية لن تستطيع ممارسة الإدارة الاقتصادية الفعّالة، إلى أن يتم وضع حد لشبكات الضباط غير الرسمية في كلٍ من الجهاز البيروقراطي المدني، وشركات القطاع العام، ودوائر الحكم المحلي.”.

إلا أن هذا الاستنتاج الهام الرئيسى، لم يكن موفقا تماماً، ففى سياق الدراسة، أورد صايغ ثلاث نقاط متصله غير دقيقة، أدت إلى هذا الخلل فى الاستنتاج الرئيسى. حيث رأى صايغ أن المسؤولين المصريين والغربين، يغضوا الطرف عن مشاكل الاقتصاد المصرى ويصدرون التقديرات الوردية حول المؤشرات الاقتصادية الكبرى في مصر، ذلك لأنهم يأملون بأنه سيكون بمستطاع السيسي، بطريقة ما، بناء دكتاتورية تنموية ناجحة وهو ما قد يفسّر، وفقاً لصايغ، أسباب قفزهم فوق القمع العنيف للحريات السياسية والاجتماعية، ولخروقاتها الفادحة لحقوق الإنسان.  كما يرى صايغ، أن الاتجاهات الراهنة تشي بأن السيسي سيبقى أسير شركائه الأساسيين في الائتلاف الحاكم، ورهينة الاندفاع العسكري إلى زيادة وتيرة الانخراط في الاقتصاد.

عملات مصرية
عملات مصرية

أولاً، بالنسبة للنقطة الأولى، عندما يكون التجاهل “غض الطرف” عن مشاكل الاقتصاد المصرى، وإطلاق “التقديرات الوردية حول المؤشرات الاقتصادية الكبرى في مصر”، عندما يكون هذا التغاضى عن مشاكل الاقتصاد المصرى مقصوداً، يصبح سياسه ممنهجة وليس مجرد انتظار بغض الطرف!. ذلك لأنه عندما يكون ما يتم من سياسات اقتصادية فى مصر، هو بالضبط السياسات المطلوبة عالمياً من حكام عالم اليوم، الشركات العملاقة والمؤسسات المالية الدولية، العابرتان للقوميات، المجسدة للنيوليبرالية الاقتصادية، لذا فلا يكون هناك مجال لافتراض أنه مجرد تجاهل “غض الطرف”، بل الصحيح هو أنه ترويج متعمد من الاقتصاديين البرجوازيين الليبراليين، وأحيانا اليساريين، خدم الرأسمالية الدائمين، إنه “تضليل”، دعائى لهذه السياسات الاقتصادية النيوليبرالية المتحيزة لقله ثرية، بنتائج وردية “مضللة”.

ثانياً، بالنسبة للنقطة الثانية، “يأمل هؤلاء المسؤولون بأنه سيكون بمستطاع السيسي بطريقة ما بناء دكتاتورية تنموية ناجحة”، ليس هناك تأمل “يأمل”، إنما هناك، رؤيه واضحة للإنجازات التى تتم فى مصر، لصالح حكام عالم اليوم، ووكلائهم المحليين، وهو فى نفس الوقت ما يفسر قفزهم على، “يتغاضون” عن، القمع العنيف للحريات السياسية والاجتماعية، ولخروقاتها الفادحة لحقوق الإنسان. أى أنه ليس الأمل فى “أنه سيكون بمستطاع السيسي، بطريقة ما، بناء دكتاتورية تنموية ناجحة”، هو الذى يجعلهم يقفزون “يتغاضون” عن هذه التجاوزات، إنما كونهم يرون بأم أعينهم مصالحهم وهى تتحقق، هذا هو الذى يجعلهم يقفزون على، “يتغاضون” عن، القمع العنيف للحريات السياسية والاجتماعية، ولخروقاتها الفادحة لحقوق الإنسان.

ثالثاً، بالنسبه للنقطة الثالثة، بـ”أن السيسي سيبقى أسير شركائه الأساسيين في الائتلاف الحاكم، ورهينة الاندفاع العسكري إلى زيادة وتيرة الانخراط في الاقتصاد.”، لن يظل السيسى رهينه للجيش بسبب ازدياد وتيرة الانخراط فى الاقتصاد، ببساطه لأن حكام عالم اليوم، الرأسمالية العالمية، لن يسمحوا بأن يظل الجيش يستحوذ على الاقتصاد، وهذا ما كتبت عنه حتى قبل أن يعلن السيسى عن طرح شركات الجيش فى البورصة فى مقال سابق لى بعنوان: “أخيراً، بدء خصخصة اقتصاد الجيش، كيف؟! حقاً، لقد بدأت مرحلة الجهاد الأعظم.”.

إنها سياسة ممنهجة لإخفاء الحقائق عن حقيقة السياسات المجرمة “لأولياء” ليس فقط مراكز الأبحاث الغربية، بل أيضاً، “لأولياء” قطاع هائل من أساتذة أكاديميين وخبراء اقتصاد، ومثقفين وكتاب وصحفيين وإعلاميين.. يرتزقون على حساب الأم، الشعوب، لصالح “أوليائهم”، مصاصى دماء الشعوب “دراكولا” هذا العصر.

أخيراً خصخصة شركات الجيش فى مصر

فى اليوم الأخير من شهر أكتوبر 2019، أعلن الرئيس السيسى: “.. لابد لشركات القوات المسلحة أن تطرح فى البورصة”، وأضاف: “أن القطاع الخاص مرحب به للمشاركة فى هذه الشركات، وكذا شركات قطاع الأعمال، وهذه الإجراءات نعمل فيها منذ ثلاث سنوات”، كما أكد أن: “الصندوق السيادى” المصرى، والمنتظر ـن يكون حجمه عدة تريليونات، سيشمل شركات القوات المسلحة”، وهو الصندوق الذى تطرح من خلاله سندات دولية (قروض دولية بضمان اصول الدوله، ولكن، ولأول مره، ستشمل أصول شركات القوات المسلحة).(5)

بعيداً عن السذاجة المزمنة المصنعة تصنيعاً. ووفقاً للنجاحات المنقطعة النظير، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، التى يحققها حكام عالم اليوم، تحالف الاحتكارات العالمية من فرض السياسات “النيوليبرالية” الاقتصادية، لم يكن لمسألة فتح دول منطقة الشرق الأوسط على مصراعيها أمام هذه السياسات، لم يكن لها إلا أن تتم، كانت المسألة فقط تتعلق بمعدلات تحققها، لذا فإن المعدلات المتسارعة “البجحة” لتصفية القضية الفلسطينية، بإهدار كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، “صفقة القرن”، لم يكن لها أن تتحقق بهذه الصفاقة، بدون التخلص من المعدلات البطيئة التى كان يتسبب فيها الرئيس “المعمر” لواحدة من الدول الأساسية فى الشرق الأوسط، مصر، “مبارك”، حيث لن يفتتح السوق الكبير، الشرق الأوسط الكبير، بدون “التخلص” من “العائق” المركزى، القضية الفلسطينية، عندئذ يتم تثبيت الاستقرار الأمن لـ”الكتيبة القتالية” المتقدمة “إسرائيل”، وتثبيت وضعها كقوة مسيطرة قائدة للشرق الأوسط الجديد.(6)

مشروع توليد كهرباء
مشروع توليد كهرباء

 ماذا يعنى نشر الديمقراطية فى الشرق الـوسط فى زمن “العولمة؟!

إذا أجبنا على هذا السؤال بوعى متضمناً خبراتنا الإنسانية التاريخية، السابقة والحالية، مع جوهر السياسات الدولية الاستعمارية، نكون قد أجبنا فى نفس الوقت، ليس فقط على سؤال ماذا يعنى نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط فى زمن “العولمة”؟!، فقط، بل نكون قد أجبنا أيضاً عن سؤال، لماذا تقسم السودان، وغيرها من الدول الموضوعة على لائحة التقسيم الدولى، فى الشرق الأوسط وافريقيا؟!.

“لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”.. العراق نموذجاً

“اللى أخدته القرعة، تخده أم شعر”، مثل شعبى مصرى، وفى حالتنا هذه، ما حصل عليه العراق من نشر “الديمقراطية والسوق الحرة”، نشر الديمقراطية الأمريكية “عليه”، تحصل عليه السودان!، كما حصلت عليه كلً من سوريا، واليمن، وليبيا، ومؤخراً أفغانستان، ولبنان على الطريق، ومصر للتحلية، والحبل على الجرار .

أعلن كاتب العمود فى صحيفة “النيويورك تايمز”، توماس فريدمان، بجرأة: “لم يسبق لدولتين تواجد فى كلً منهما فرع لـ”ماكدونالدز” أن دخلتا فى حرب ضد بعضهما البعض”. لكن، بعد مرور سنتين، لم يتبين فقط أن فريدمان على خطأ، بل بفضل نموذج الحرب التى تتوخى الربح، دخل الجيش الأمريكي الحرب برفقة شركتى “برغر كينج” و”بيتزا هت”، متعاقداً معهما على تقديم خدماتهما إلى جنوده فى القواعد العسكرية، انطلاقاً من العراق وصولاً إلى “غوانتانامو”.(7)

بعد 30 سنة من تطبيق “الصدمة الاقتصادية” فى تشيلي، طبقت ولكن بشكل أعنف فى العراق، التى صممها أصحاب عقيدة “الصدم والترهيب” العسكرية، وجاءت بعدها “الصدمة الاقتصادية” بإشراف بول برايمر: خصخصة شاملة، تجارة كاملة الحرية، تقليص دراماتيكى لدور الحكومة، تريد مارك صندوق النقد، الثلاثى. لكن عندما قاوم العراقيون المشروع، نقلوا إلى سجن أبو غريب.

تحت شعارها الزائف “الديمقراطية والسوق الحرة” شنت الولايات المتحدة حربها التدميرية على العراق، كأول تطبيق للذراع العسكرى لـ”النيوليبرالية” الاقتصادية، “الحرب العالمية على الإرهاب”، تحت ادعاء كاذب بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل.

ذهب بوش للعراق ليس لشن “حرب على الإرهاب” إنما لبث حياة جديدة فى الاقتصاد الأمريكى، حرب هدفها الربح، كما واجه ابن بوش أباه، بهذه الحقيقة، فرد الأخير عليه، بأنه يجب أن يعود إلى فصول الدراسة مرة أخرى! ..  حرب لا تربح فيها الصناعة العسكرية فقط، بل هى حرب عالمية، تشنها على جميع الأصعدة شركات خاصة على حساب الأموال الفيدرالية العامة، حرب لا نهائية ضد “الشر”، تشن لحماية الأراضى الامريكية، خارج الأراضى الاأمريكية، لتتوسع خلال سنوات من مكافحة الإرهاب، إلى حفظ السلام العالمى، منتزعة، دون إذن، دور الأمم المتحدة. إن الهدف النهائى هو ليس فقط الاستيلاء على أدوار الدولة، خصخصة الحكومة، بل الاستيلاء على أدوار الأمم المتحدة، أيضاً، خصخصة العالم.

كانت الشركات العراقية تقفل أبوابها تباعاً، بسبب عجزها عن منافسة الواردات المتدفقة عبر الحدود المفتوحة، قال أحد مساعدى برايمر لمجموعة من رجال الأعمال العراقيين: “إن الكثير من أعمالكم لن تتفوق على المنافسة الأجنبية، لكن هنا بالذات تكمن روعة السوق الحرة.. الأفضل من بينكم، هو من سيبقى على قيد الحياة”، يذكر كلامه هذا بكلام ييغور غايدا الذى قال عن رجال أعمال روس أفلسوا بسبب السياسات النيوليبرالية”، وأن يكن؟ من يموت هو بكل بساطة من يستحق الموت”!.

خلال عملية الإعمار فى العراق، تم رصد 175 دولارًا للمتر المربع من القماش المشمع الذى توفره الحكومة، لتغطية السقوف المتضررة، حصل من قام بالتنفيذ على دولارين عن المتر المربع، بعد أن استنزفت سلسلة العمولات باقى المبلغ.(8)

“المناطق الحمراء” تغذى “المنطقة الخضراء”!

هل سبق لك أن سمعت عن تفجيرات فى غير الأسواق الشعبية؟!.. تشكل المنطقة الخضراء فى بغداد المثال الصارخ على هذا النظام العالمى الجديد، تحظى هذه المنطقة بسياج مكهرب وبشبكة اتصالات وإنترنت، وشبكة نفط، وشبكة تغذية وصرف صحى، خاصة، ويحمى هذه المنطقة سياج عازل تبلغ سماكته خمسة أمتار، ليبدو المشهد كسفينة عملاقة محصنة يجرى على متنها مهرجان كبير، وهى راسية فى بحر من العنف واليأس، أى فى المنطقة الحمراء الملتهبة التى يمثلها العراق. إن تمكنت من الصعود إلى متن السفينة، يمكنك أن تحصل على مشروب منعش بالقرب من حوض السباحة، بالإضافة إلى أفلام هليود السيئة، كما يمكنك أن تتلقى رصاصة فى صدرك، لأنك تقف بالقرب من الجدار، أن لم تكن من المصطفين. فتقسمت العراق إلى ساحة قتال بين المنطقة الخضراء المحصنة، والمناطق الحمراء الملتهبة التى ولدها التطبيق الفعلى للشعار المزيف “الديمقراطية والأسواق الحرة”. هذه المنطقة الخضراء لا تختص بالعراق فقط، المناطق الخضراء تظهر حيث تظهر الرأسمالية النيوليبرالية، ويظهر معها الشرخ الشاسع بين المصطفين والمستثنين، المباركين والملعونين.

ليس هناك من وظيفة للاستبداد، سوى حماية الاستغلال!

من يعتقد أن أمريكا تخشى على “ديمقراطيتها”، فتسعى لنشر الديمقراطية فى دول العالم الثالث، هو كمن يعتقد أن الثرى الذى يخشى على ثروته، سيسعى لجعل الفقراء أثرياء!. فى الأنظمة الديمقراطية يستطيع الناس أن يدافعوا عن مصالحهم، أما فى الأنظمة الاستبدادية، لا يستطيعون، وهذا أفضل لقوى الاستغلال، المحلية، وأكثر للعالمية.

للأسف العديد من مثقفينا المحترمين يشكلون آراءهم ووجهات نظرهم بناء على تصريحات المسؤولين الزائفة والمضللة، التى ترد فى الصحف والإعلام ونشرات الأخبار. إن من يعتقد أن أى مستغل سوف يصرح على الملأ بحقيقة سياساته وطرائقه وأساليبه، ليس فقط فى الاستغلال، بل والأهم فى التغطية الإعلامية على سياساته وأساليبه المجرمة،  “أهم من الشغل تظبيط الشغل”، كمن يعتقد أن اللص سيخبر ضحاياه عن ماذا وكيف سيسرقهم!. لأصدقائنا الأعزاء، لاحظوا كلمة السر “تغيير السياسات”، إنها ترفع الغطاء عن كل التضليل ونشر الأوهام وتشويش العقول وتشتيت الأذهان، لا تؤخذ حقائق السياسة من أفواه السياسيين، إنهم يكذبون!

المصادر:

1-“خريطة طريق نحو الحكم المدنى فى السودان فى حال تراجع الانقلابيون العسكرييون”، يزيد صايغ، مركز مالكوم كير-كارنيجى للشرق الاوسط.

https://carnegie-mec.org/2021/11/10/ar-pub-85748

2-“العين المغمضة لمراكز الابحاث الغربية، مركز كارنيجى للسلام، نموذجاً.”، سعيد علام.

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=601412

3-“أولياء الجمهورية: تشريح الإقتصاد العسكري المصري.”، يزيد صايغ، مركز كارنيجى للسلام.

https://carnegie-mec.org/2019/12/14/ar-pub-80489

4- ملاحظات اوليه على كتاب يزيد صايغ الجديد: “أولياء الجمهورية: تشريح الإقتصاد العسكري المصري، سعيد علام.

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=660438

5-كلمة الرئيس السيسى، https://www.youtube.com/watch?v=YK9JYXECtPU

6-” أخيراً، بدء خصخصة اقتصاد الجيش، كيف؟!، حقاً، لقد بدأت مرحلة الجهاد الاعظم.”، سعيد علام.

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=655458

7-“عقيدة الصدمة”، صعود رأسمالية الكوارث، ناعومى كلاين.

8-المصدر السابق.