يقصد بمفهوم القانون مجموعة القواعد الناتجة عن عملية التشريع بمراحلها المختلفة، وأنه من المفترض أن تكون النصوص القانونية ناتجة عن احتياجات المجتمع، وبالتالي يجب أن يخرج التشريع بعد نقاش عمومي من الجماعات المخاطبة بأحكامه، وذلك لوقوف على مدى احتياجهم، وألا تكون صناعة التشريع منفصلة عن الاحتياج المجتمعي أو منفصلة عن المجتمع، حيث يمثل القانون ظاهرة اجتماعية تفرضه دوما احتياجات المجتمع، وهذا ما يعني أن لا يتم فرض القانون جبرا على المواطنين المخاطبين بأحكامه من خلال سطات جبرية أو من خلال جماعات فوقية من خلال تحكميتها في إطار ومنظومة التشريع، سواء من خلال السيطرة على المجلس التشريعي، أو فرض قوتها على الهيئة التشريعية بشكل أو بآخر.

وتجدر الإشارة إلى أن الضغط الذي تمارسه هذه الجماعات لا تمارسه فقط على البرلمان بل تمارسه أيضا على الجهاز الحكومي على حد سواء، فهذا الوضع يجعل القاعدة القانونية أو النصوص القانونية على العموم وسيلة لتحقيق المصالح، بحيث تسقط في دواليب الصراع حول هذه الأخيرة بين بعض الجهات المهنية كالجمعيات المهنية والنقابات، إذ إنه من المتعارف عليه بين أوساط الباحثين والمهتمين والمختصين في علم الاجتماع القانوني والعلوم المساعدة للقانون، هو أن وجود القانون وخروجه إلى حيز الوجود في كل مجتمع  هي ضرورة تمليها الإرادة العامة للمجتمع المنظم، بحيث يكون القانون هو المرآة العاكسة للمبادئ والقيم  التي يؤمن بها أفراد هذا المجتمع. وقد عبرت عن ذلك محكمتنا الدستورية العليا بقولها في الدعوى رقم 22 لسنة 25 قضائية – بجلسة 14 / 3 / 2015 ، إنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائي على أوجه السلوك التي تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدي عليها، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يُحدد من منظور اجتماعي ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفا للدستور، إلا إذا كان مجاوزا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها”.

وإذ إن القانون يجب حال صياغته وسنه من بعد اقتراحه ومروره بالطرق اللازمة حتى يخرج إلى الحياة المجتمعية يجب أن يكون صالحا للحكم خلال فترة زمنية أقل الاشتراطات اللازمة فيها ألا تكون هذه المدة قصيرة، بحيث يحتاج المجتمع إلى تغيير النصوص التشريعية كل فترة زمنية قصيرة، وإن كان الأصل أن تكون القاعدة القانونية متماشية مع احتياجات المجتمع وقت صياغتها، إلا أنه لا يجب أن تكون هذه الفترة بالقصيرة، وإلا قد يؤدي ذلك إلى حالة من التخبط التشريعي، والسعي نحو تغيير النصوص القانونية خلال فترات قصيرة، وهو ما لا يتوافق مع خصائص القانون، حيث يجب أن يكون صناع القانون قد استهدفوا سريانه لفترات لا تتسم بالقصر الزمني، وعلى الرغم من كون ذا البعد الزمني لا يمكن تحديده، ولكن من البديهي أن نقول أنه كلما كانت الهيئة التشريعية قد استرعت كفة الاشتراطات اللازمة حال صياغة القانون، والتي أهمها التحاور المجتمعي، وأخذ رأي الجماعة المخاطبة بالنص التشريعي، علاوة على الاستعانة بالمتخصصين والخبراء وأولو الرأي في كل شأن، ونجد لذلك مثلا وهو قواعد القانون المدني والتي يستمر العمل بها لسنوات طويلة، وأيضا معظم النصوص الجنائية.

لكن حال تخلف تلك الاشتراطات والسعي نحو صناعة القوانين بطرق لا تتفق والاحتياجات المجتمعية، فإن ذلك يؤدي حتما لعدم صلاحية النصوص أو عدم سريانها لفترات طويلة تتناسب مع ما هو مفترض في عمر القاعدة القانونية، وهذا الأمر هو ما ينال من النصوص الحالية في غالبية التشريعات خلال السنوات الأخيرة، وبشكل خص فيما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فتجد مثلا ظاهرا لذلك ما سنته السلطة من قانون مكافحة الإرهاب والذي طالته يد التعديل أكثر من مرة خلال وقت زمني قصير، فقد صدر ذلك القانون أول مرة بموجب القرار بقانون رقم 94 لسنة 2015 ، ثم تم تعديله بموجب القانون رقم 11 لسنة 2017 ، ثم بالقانون رقم 22 لسنة 2018 ، ثم مرة ثالثة بالقانون رقم 2 لسنة 2020، ثم مرة رابعة بالقانون رقم 14 لسنة 2020. ففي خلال خمس سنوات تم تعديل القانون أربع مرات، وهذا ما يمثل عيبا خطيرا في صناعة القوانين، فكيف لا يستمر سريان القانون ولو لثلاث سنوات دون تعديل.

ولو أننا دققنا النظر في العديد من القوانين خلال العشر سنوات الأخيرة لوجدنا أن العديد منها قد طالته يد التعديل والتغيير بطريقة سريعة، وتلك التغييرات والتعديلات المستمرة توحي بعدم الثقة في حال صناعة القانون، وكأن الأمر قد أوكل لغير المختصين به، وهو في الأصل يتنافى مع ما يفترض في القوانين من صلاحيتها لسنوات ليست بالقليلة حيث يمثل القانون وسيلة الانضباط في تسيير الحياة الاجتماعية بمختلف أنشطتها، كما أن هدف القانون هو تنظيم العلاقات الناشئة عن تعايش أكثر من شخص في مجتمع على قدر من التنظيم.

ومن هنا فإن صناعة التشريع في مصر تحتاج إلى كثير من إعادة النظر منذ اللحظة الأولى للاقتراح التشريعي، مرورا بمراحله المختلفة أمام الهيئة التشريعية نهاية بإصداره ونفاذه من بعد نشره في الجريدة الرسمية، وهو ما يقتضي أن يوكل الأمر إلى ذويه، وأن يقوم المجلس النيابي بتفعيل وظيفته الأساسية والمتمثلة في تشريع القوانين، ولا يكتفي بتلقي المقترحات التشريعية من الحكومة، ولا يفوتنا في ذلك المقام أن نتساءل عن جدوى وجود اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، وما هو الدور الذي تقوم به حيال قضية تزاحم التشريعات بشكل مبالغ فيه، وبالتالي من الأوجب عليها أن تقوم بمراجعات تشريعية على كافة الأصعدة، على أن تتقدم بمحاولات لصياغات تشريعية أكثر تعميرا وصلاحية لأن تسود في المجتمع المصري، وذلك منعا للتغيرات التشريعية التي تنال من القوانين خلال سنوات بسيطة.