وصل عدد شهداء الأطباء، المثبت علميًا وفاتهم نتيجة الإصابة بجائحة كوفيد 19 لأكثر من 650 طبيبا وطبيبة حتى كتابة هذه السطور.
توجد طبعا بعض الوفيات القليلة من الزملاء الأفاضل المسنين -رحمهم الله- واللذين كانوا بعيدا عن ممارسة المهنة، وبالتالي فالوفاة لا تعتبر إصابة ناتجة عن تصديهم للجائحة .
ولكن الأغلبية العظمى من الوفيات لأطباء يمارسون المهنة، سواء كان الطبيب يعمل في عمل حكومي أوعمل خاص، وسواء كان الطبيب تحت الستين، أم متعاقدا بعد سن الستين للعمل في أي جهة حكومية أوحتى في عيادته الخاصة .
كل هؤلاء، مع باقي أفراد الطاقم الطبي، هم الصف الأمامي اللذين تصدوا للجائحة وظلوا يعملون في قلب الخطر وفي مواجهة يومية مع الموت، لذلك نرى نسبة الإصابات والوفيات العالية بينهم.
استشهد الأبطال ليتركوا الأسر تفتقد الأب أو الأم أوالابن، تفتقد العائل، وتفتقد السند والأمل والأمان .
ويتبقى للأسر السؤال المرير، بعيدا عن كل مشاعر الحزن والفقد، كيف سيواصل الأبناء رحلة التعليم، وكيف ستعيش الأسرة التي فقدت عائلها؟
تصاعدت المطالبات مع تصاعد وفيات الأطقم الطبية، مطالبة بمعاش استثنائي لائق لكل شهداء المهن الطبية اللذين استشهدوا في مواجهة الجائحة، أسوة بشهداء الجيش والشرطة، ولكن لم تلق المطالبات أي استجابة، ولم يقر صرف أي معاش استثنائي لشهداء الأطقم الطبية، ولكن قدم لنا صرف معاش إصابة العمل كبديل معقول، وهو بديل يعتمد على قوانين التأمينات، التي تؤمن الحق في معاش إصابة العمل لكل موظف حكومي مثبت أومتعاقد، وأيضا لكل متعاقد مع القطاع الخاص، متى ثبت أن الوفاة ناتجة عن إصابة حدثت أثناء العمل وبسببه .
طبعا إصابة العمل لا تستحق لأي طبيب يعمل في عيادته الخاصة، لأن صاحب العيادة الخاصة يعتبر صاحب العمل، وليس لصاحب العمل في قانون التأمينات تأمين إصابة عمل، لذلك فرغم أن العيادات قامت بدور كبير في علاج مرضى كورونا، وهو دور ما كانت المستشفيات الحكومية ستقدر على مواجهة آلاف المرضى بدونه في ظل نظامنا الصحي الحالي، رغم ذلك وجدت أسر هؤلاء الأطباء أنفسهم بدون أي نوع من أنواع التعويض عن فقد عائلهم، وبدون أي تأمين لمستقبل أبنائهم، وهذه مشكلة شديدة ولكنها ليست المشكلة التي أحاول أن أناقشها هنا .
أنا أحاول هنا أن أنافش مشكلة الأسر التي ينطبق عليها تماما قانون التأمينات الخاص بإصابات العمل، ورغم ذلك مازالوا يتعذبون بين مكاتب التأمينات لأكثر من عام دون القدرة على صرف جنيه واحد!
ولنبدأ من البداية..
وضعت قواعد صرف معاش إصابة العمل لأسر شهداء كورونا من الأطقم الطبية في اجتماع بين ممثلين لنقابة الأطباء واللجنة الطبية العليا والتأمينات الاجتماعية، اتفقوا على خطوات وأوراق معينة لإقرار الوفاة الإصابية، وأعلنوا ذلك في محضر اجتماع منشور بشكل رسمي.
أعلنت اللجنة الطبية مشكورة قائمة بالإثباتات والأوراق الرسمية التي تحتاجها لإصدار قرار بالوفاة الإصابية، ومشكورة أيضا التزمت اللجنة الطبية بما أعلنت، وأصدرت -بنفس القواعد التي أعلنتها- عشرات القرارات بالوفاة الإصابية.
لكن ما زالت هناك مشكلة شديد..
الكثير من أسر شهدائنا لا يتمكنون من صرف المعاش رغم أنه صدر لهم قرار رسمي بالوفاة الإصابية!
حقيقة هناك بعض الأسر صرفوا مستحقاتهم بالفعل والحمد لله..
لكن بعض الأسر الأخرى لم تصرف، توفى العائل وتركهم من عام أومن عام ونصف، وصدرت لهم بالفعل شهادة الوفاة الإصابية من شهر فبراير أومارس، ولم يتم الصرف لهم حتى الآن، فكيف تعيش هذه الأسر؟
مكاتب التأمينات المطلوب منها الصرف تقول أحيانا “لم يصل لنا أصل شهادة الوفاة الإصابية”.. ونظل نبحث عن أصل الشهادة بالشهور..
أو تقول “لم نسمع عن هذا الموضوع من قبل، سنرسل لطلب رأي الشئون القانونية”، وهذا السؤال لم يجد إجابة في كل هذه الشهور الطويلة..
وبعض مكاتب التأمينات تعود لتطلب إخطار إصابة العمل والوصف الوظيفي للشهيد، رغم أن كل هذه الأوراق قدمت بالفعل للجان الطبية كشرط أولي لصدور “شهادة الوفاة الإصابية”.. لتجد الأسر نفسها في دوامة إعادة استخراج الأوراق مرة ثانية وثالثة ..
ولا يبدوللدوامة نهاية!
الحقيقة أن الأمر مؤلم وحزين ومهين..
لقد سمعنا أغاني لتكريم بطولات الأطقم الطبية في مواجهة كورونا ..
ورأينا عملات تذكارية تصدر خصيصا لتخليد بطولات الأطقم الطبية..
ولكن أهل هؤلاء الشهداء الأبطال ما زالوا يتعذبون بين المكاتب في متاهة لا تنتهي، للحصول -فقط- على حقهم..