بعد فترة هدوء عاد المجلس الأعلى لتنظيم للإعلام لممارسة دوره الرقابي على وسائل الإعلام المصرية بـ”أكواد جديدة” أطلق عليها “أكواد ضوابط وأخلاقيات نشر الجريمة”. وقد ألزم المجلس الصحف والمواقع هذه الأكواد خلال تغطيتها للجرائم والتحقيقات والأفعال الضارة والخطيرة.

الأكواد الجديدة للمجلس غلب عليها الاهتمام بالتحلي بالدقة والحياد والموضوعية وصون خصوصية المتهمين -خاصة الأطفال- وتجنب نشر قصص تؤجج الكراهية.

وشملت الأكواد أيضا بعض المواد التي رآها مراقبون تعزّز القيود المفروض على الصحافة أصلا. وذلك كبنود اعتماد المصادر الرسمية فقط واتقاء “الإضرار بسمعة البلاد”.

أكواد الأعلى للإعلام وهاجس الصورة القبيحة

أحد الحاضرين لجلسات إعداد الأكواد الجديدة قال لـ”مصر 360″ إن تراكم التغطيات الصحفية لجرائم هزت الشارع المصري شكلت هاجسا عند أصحاب المناصب الإعلامية. وذلك لتأثيرها بشكل أو بآخر على صورة مصر في ظل رغبة “غير مكتوبة” في عدم تصدير صورة سلبية عن مجتمعنا.

يشرح المصدر كواليس ما جرى في مناقشات حضرها صحافيون وممثلون عن وزارة العدل والنيابة العامة ومجالس متخصصة كالقومي للأمومة والطفولة وممثل عن “يونسيف”. ولفت المصدر إلى أن المجتمعين أبدوا انزعاجهم من طريقة تعامل وسائل الإعلام مع تغطية جرائم مثل “سفاح الإسماعيية” الذي استعرض بطريقة هستيرية رأسا مقطوعا في شوارع المحافظة.

المصدر يشير إلى أن ممثلي وزارة العدل والنيابة العامة رصدوا انتحال بعض ناشري أخبار الجرائم بمواقع إلكترونية صفة صحفي. وهذا يعني عدم وجود أدلة على انتمائهم لمهنة الصحافة بإدراج أسمائهم بكشوفات النقابة. هذا الأمر دفع “الأعلى للإعلام” إلى وضع بنود متعلقة بعدم نشر أخبار مجهلة أو معتمدة على ما تبثه مواقع التواصل.

الكاتب كارم يحيى لا يرى الأكواد الجديدة لـ”الأعلى للإعلام” إلا محاولة لفرض مزيد من القيود على عمل الصحافة المصرية. وقال إن الصحافة في مصر تشهد تراجعا حادا على مستوى الحريات. ولفت إلى أن ميثاق الشرف الصحفي الذي تعمل به نقابة الصحفيين يكفي وزيادة في تغطية الجرائم.

حساسية من الرقيب

هذه الأكواد لم تقدم واقعا جديدا. لذا يؤكد “يحيى” -المرشح السابق كنقيب للصحفيين- لـ”مصر 360″ أن مجتمع الصحافة سيظل مصابا بحساسية تجاه أي ضوابط جديدة تُفرض عليه.

هذا التشكك الذي يتملك “يحيى” نابع من الخبرة السابقة للجماعة الصحفية مع “الأعلى للإعلام” والهيئات الصحفية التي تراقب المحتوى الإعلامي.

وبحسب ورقة بحثية صادرة عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير فإن ممارسات الأعلى للإعلام اتسمت بـ”التعسف الشديد تجاه وسائل الإعلام والعاملين بها”. وذلك استغلالًا لصياغات قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، التي جاءت “فضفاضة جدًّا”.

وسجلت “حرية الفكر والتعبير” 43 انتهاكا لحرية الإعلام ارتكبها المجلس -ما يمثل نسبة 42% من الانتهاكات التي سجلتها المؤسسة خلال 2018. من هذه الانتهاكات إحالة رئيس تحرير سابق لصحيفة “المصري اليوم” في إبريل 2018 للتحقيق في النقابة بسبب مانشيت.

وتحت طائلة الكود الأخلاقي أوقف المجلس اﻷعلي للإعلام بث برامج تليفزيونية وأحال مقدميها للتحقيق في نقابتهم. فمثلا تم إيقاف برنامج “الوسط الفني” -المذاع على قناة “الحدث اليوم”- لأسبوعين بعد عرضه ملابس خاصة لإحدى الممثلات. كما أحيل مقدم البرنامج أحمد عبد العزيز إلى التحقيق في نقابته.

وفي تقرير آخر للمؤسسة قالت إن “الأعلى للإعلام” مارس دورًا بارزًا في محاصرة الأخبار المتداولة عن “كوفيد-19” وانتشاره في مصر. حيث لفت المجلس نظر 16 موقعًا إلكترونيًّا وصفحة على مواقع التواصل نتيجة نشرها أخبارًا كاذبة عن اكتشاف حالة إصابة بكورونا في طنطا.

وكلف رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي جهات معنية باتخاذ الإجراءات “حيال كل من أذاع أخبارًا كاذبة أو شائعات تتعلق بفيروس كورونا”.

“ما يجعلنا نقلق طوال الوقت أن هذه القرارات تصدر في سياق إعلامي وسياسي ضيق الأفق، ولدينا سوابق كثيرة تجعلنا ننظر لأي قرار بالشك” -بحسب “يحيى”.

أكواد أخلاقية بدهية

الأكواد الجديدة للأعلى للإعلام -بحسب “يحيى”- تضمنت بدَهيات كالمصداقية والحيادية واحترام الخصوصية. بالإضافة إلى أنها خصّت المشاهير والفنانين بعدم النبش في تفاصيل حياتهم الشخصية. وتساءل: “لماذا لا يتدخل المجلس للحفاظ على خصوصية كل فئات المجتمع”.

يلفت “يحيى” الانتباه لبند “توقّي الإضرار بسمعة البلاد” بسبب النشر عن منطقة جغرافية معينة أو شرائح اجتماعية. فأي صحفي قد تلحق به هذه التهمة كحال بيانات الحسبة لمحامين ضد مبدعين. وذلك في إشارة إلى فيلم “ريش” الذي اتُّهم صانعوه بتشويه سمعة مصر لمجرد عرضه مشاهد من حياة أسرة فقيرة.

ووقف “يحيى” أمام بند دعم الشرطة والقضاء وتجنب نشر ما قد يؤدي لفقدان الثقة في القانون أو التشكيك في أحكام القضاء أو دور مؤسسات الدولة. وقال: “ليس مطلوبا من الصحافة مدح الشرطة. دور الصحافة هو انتقاد كل شيء لتصويب الأداء. هذا الكود تكريس لصحافة البروباجندا”.

“هدف المناقشات وما تبعها من صدور أكواد جديدة هو الرغبة في عدم تصدير صورة قبيحة عن مصر في إعلامها”. هكذا قال المصدر الذي حضر جلسات إعداد الأكواد “الأخلاقية”.