جاء مشروع “الشارقة ـ مرسين” الذي أعلنت السلطات الإيرانية عن افتتاحه، مارًا بمساحات واسعة من أراضيها قبل الوصول لتركيا، ضمن حزمة من المشروعات المنافسة لقناة السويس. وهي مشروعات تحاول اختصار الوقت أو تقليل التكلفة، طمعًا في اقتناص حصة من كعكة تجارة الحاويات عالميًا.

منذ حادثة جنوح السفينة “إيفر جيفن” في قناة السويس قبل شهور، تم الترويج لستة مشروعات بديلة لشريان الملاحة المصري. كلها تشهد مشاركة مباشرة وغير مباشرة للإمارات. وهو أمر يفتح الباب أمام التساؤل حول التصميم الإماراتي على مزاحمة القناة المصرية التي تتوسط العالم.

الطريق الجديد يبلغ طوله نحو 2349 كيلو متر. ويجد ترحيبًا كبيرًا من إيران التي تسوق له على أنه يعزز من دورها في ربط آسيا الوسطى بالخليج الفارسي (وفق التسمية الإيرانية). ذلك بإقامة علاقات تجارية بين شرق آسيا والدول الأوروبية. وهو يعيد اكتشاف أهميتها مع 15 دولة ترتبط معها عبر الحدود البرية والمائية.

الطموح الإماراتي.. السيطرة على موانئ العالم

ترتبط مشروعات الإمارات بطموح للهيمنة على موانئ العالم وطرقه التجارية. وهي رغبة تدفعها للدخول في استثمارات بمناطق شديدة السخونة كالقرن الأفريقي. ذلك من أجل اقتناص موانيها. أو الاكتفاء من حرب اليمن ضد الحوثيين، بالسيطرة المباشرة وغير المباشرة على أبرز موانئ اليمن. خاصة منافذها على البحر الأحمر.

كما أن لدى الإمارات توجها للبقاء بعيدًا عن منافسة جيرانها كمركز إقليمي وعالمي للتجارة والسفر والسياحة ونقل البضائع. ومن أجل ذلك تقوم بتحجيم الموانئ التي تدخل في إدارتها على مدى سنوات طويلة. كي لا يؤثر ذلك على مكانة دبي كمركز أساسي للتجارة والأعمال.

بحسب الدكتور عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، في لقاء سابق مع DW عربية، تدير الإمارات مجموعة كبيرة من الموانئ حول العالم. بدءًا من الصين في شرق الكرة الأرضية، مرورًا بموانئ في أوروبا وآسيا، وانتهاء بموانئ في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. وذلك بما يقارب 78 ميناء من أهم وأكبر وأفضل الموانئ في العالم. بما في ذلك أكبر ميناء في أفريقيا؛ ميناء الجزائر.

ويبدو أن الإمارات تريد من خلال النفوذ الاقتصادي هذا التأثير على دول الجوار وعبر العالم أيضًا من خلال المال، وكذلك بالدخول في شركات إعلام واقتصاد عالمية، وأن تتمتع بحصانة سياسية تحميها من الحملات السياسية التي تطالبها بالكف عن ملاحقة المعارضين، والسماح بنوع من التعددية السياسية، والسماح بتأسيس أحزاب ونقابات وماشابه، وفق ما يقول الدكتور إبراهيم محمد الخبير الاقتصادي في اللقاء ذاته مع إذاعة صوت ألمانيا.

يعلق السفير محمد المرسي مساعد وزير الخارجية وسفير مصر السابق في الدوحة، على المشروع الإماراتي ـ الإيراني ـ التركي الأخير. فيقول: “مرة أخرى.. مواقف الإمارات المتقاطعة مع مصالحنا في الإقليم في حاجة لألف توضيح من جانبنا ومن جانبهم”. وهو يراها مواقف متناقضة مع مصر.

قناة السويس
قناة السويس

الشاحنة الأولى.. اختصار رحلة قناة السويس

بحسب طهران، فإن أول شحنة قادمة من الإمارات دخلت ميناء الشهيد رجائي في جنوب إيران، ووصلت إلى تركيا عبر معبر بازركان الحدودي، خلال 8 أيام، مقابل 20 يومًا حال عبورها بمضيق باب المندب وقناة السويس والبحر الأحمر.

وقد بدأت الشاحنة الإماراتية رحلتها في رأس الخيمة، عبر القيادة برًا إلى ميناء خالد بالشارقة. ثم بواسطة عبّارة “الدحرجة” (رو رو) إلى ميناء الشهيد باهنار في بندر عباس بإيران. وواصلت الشاحنة طريقها برًا باتجاه تركيا، حيث عبرت حدود بازارجان – جوربولاك. ثم وصلت إلى إسكندارون بعد أقل من أسبوع. وتم التعامل مع جميع الإجراءات الجمركية لعبور الحدود، بما في ذلك بين الإماراتين بدائرة TIR واحدة.

تستخدم سفن الدحرجة “رو رو” لنقل البضائع ذات العجلات كالقطارات والسيارات بمختلف أنواعها. وغالبًا ما يتم تحميلها من الجزء الخلفي للسفينة. حيث يتم فتح باب خلفي تدخل منه السيارات أو البضائع ذات العجلات. ووحدة قياس البضائع في سفن الدحرجة تختلف عن السفن التقليدية التي تستخدم الطن المتري. فهي تعتمد على ما يسمى بـ”الحارات المترية”، أما (TIR) فهو اختصار للنقل الدولي البري.

تحركات إماراتية في إيران وتركيا

تم تدشين المشروع الجديد مع زيارة تاريخية لمستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى طهران. هذه الزيارة كانت الأولى لمسؤول إماراتي كبير منذ 5 سنوات. بينما كان شقيقه محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي في زيارة إلى تركيا، للمرة الأولى أيضًا منذ 10 سنوات. وقد تضمنت لقاء الرئيس رجب أرودغان، في دلالة على زخم سياسي مستجد يتواكب مع الطريق الجديد، وحزمة علاقات اقتصادية، في مقدمتها تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات بتركيا.

خطورة الطريق الجديد تكمن في أنه حلقة في سلسلة طرق تجارية الجديدة، افتتحت هذا العام.

هذه الطرق الجديدة أظهرت -وفقًا لمنظمة النقل البري العالمية– وفورات ضخمة في الوقت المناسب للمصدرين. بما في ذلك روسيا إلى الإمارات العربية المتحدة عبر أذربيجان وإيران، وباكستان إلى تركيا عبر إيران.

فوستوك.. يد الإمارات بالمشروع الروسي المنافس لقناة السويس

في أقصى الشمال الشرقي للكرة الأرضية، تعمل شركة روسنفت الروسية بمساعدة إماراتية على إقامة مشروعها الضخم للنفط “فوستوك”. يتضمن هذا المشروع توفير طريق مائي للأسواق الآسيوية، أقصر من قناة السويس، يحمل اسم NSR اختصارًا لـ Northern Sea Route.

وقد حاولت موسكو تسويق المشروع بقوة خلال أزمة السفينة “إيفرجرين” قبل شهور. حينما قال نيكولاي كورتشونوف، المبعوث الروسي للتعاون الدولي في القطب الشمالي، إن انسداد قناة السويس يجب أن يضغط على العالم، للنظر إلى الطريق الروسي كبديل. خاصة أن NSR تتصدره شركات عملاقة في النفط والغاز الحكومية. ومنها Rosneft وGazprom وRosato وNovatek، التي استفادت من مرسوم أصدره بوتين قبل ثلاثة أعوام، يقضي بزيادة حركة الشحن عبر الممر الشمالي. لتبلغ 80 مليون طن بحلول عام 2024، مقابل 32 مليون طن العام الماضي، وفقًا لمؤسسة روساتوم النووية الحكومية.

ويتلقى المشروع الروسي الشمالي دعمًا كبيًرا من موانئ دبي العالمية، التي تريد الحصول على حقوق تشغيله، لينضم إلى 78 ميناء بحريًا عالميًا تديرها. يقول سلطان أحمد بن سليم، الرئيس التنفيذي لموانئ دبي، إن بلاده تسعى لتشغيل وإدارة وتطوير واستثمار البنية التحتية الصناعية في المشروع. “نتوسع في الهند وإيطاليا وباكستان ومصر وأفريقيا والمملكة المتحدة والإكوادور.. كنا دائمًا نفتقد روسيا.. وهي حلقة الوصل”.

مشروع نفط فوستوك بأقصى شمالي روسيا
مشروع نفط فوستوك بأقصى شمالي روسيا

إسرائيل ونقل النفط الإماراتي إلى أوروبا

تسعى شركتا خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية المملوكة للإمارات وميدريد لاند بريدج” ومقرها الإمارات أيضًا، لاستخدام خط أنابيب “إيلات ـ عسقلان” في ​نقل النفط الإماراتي إلى أوروبا. إلى جانب تدشين طريق بري لنقل النفط، بتكلفة 0.8 مليار دولار، وطول 254 كيلومترًا. وهما تتحدثان عن توفير الوقت والوقود والتكاليف الخاصة بنقله ذهابًا وإيابًا بين الدول الأخرى.

بحسب موقع المونيتور الأمريكي ومجلة فورين بوليسي، فإن الميزة التي يتفوق بها خط الأنابيب على قناة السويس هي قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط حاليًا. والتي هي أكبر من أن تناسبها قناة السويس.

ووفق المركز الإسرائيلي جورزاليم للشئون العامة، فإن ميناء إيلات أحد المشاريع الرئيسية التي ستتلقى استثمارات من صندوق الاستثمار الاستراتيجي الإماراتي الجديد بقيمة 10 مليارات دولار.

وتتمثل الخطة في إنشاء ميناء عميق للمياه في خليج إيلات/العقبة. ما يخلق طريقًا جديدًا للشحن والتجارة بالسكك الحديدية بين الخليج العربي وأوروبا. وهو مشروع سيتم تمويل معظم أجزائه من قبل صندوق أبوظبي السيادي.

في التوقيت ذاته، يرتبط اسم الإمارات بمشروع آخر لربط ميناء حيفا وأبوظبي، عبر خط سكك  حديدية. وقد دخلت شركة “موانئ دبي” في صفقة لشراء ثلث أسهم ميناء حيفا، لتطويره وتحسين قدرته الاستيعابية. بما يساعد في تعزيز المنافسة في الموانئ. فضلاً عن خفض التكاليف، وإنشاء بنية تحتية للتجارة الدولية واللوجستيات المتقدمة. وهو أمر يجعل من حيفا مركزًا بحريًا مركزيًا في الشرق الأوسط.

قناة السويس في مواجهة البدائل والأجندات السياسية

تؤكد دراسة بعنوان “قناة السويس في مصر بين الواقع والمأمول”، نشرتها المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، أن قناة السويس في مواجهة لا يستهان بها مع العديد من مشروعات المسارات البديلة التي تتبناها دول كبرى في بقاع شتى. وتقول الدراسة إن بعض هذه المشروعات يحمل أجندات سياسية. بينما البعض الآخر يبحث عن مكاسب اقتصادية، وزيادة النفوذ على ممرات التجارة العالمية.

وللإمارات -على ما يبدو- خطة لأن تصبح “رقم 1” على اللوجستيات في العالم. واللوجستيات هي فن السيطرة على سلال الإمدادات التي تغطي العالم عن طريق تجميع إدارة أنشطة النقل والتوزيع وتكنولوجيا المعلومات، تحت سيطرة واحدة، باستخدام أنسب المعدات، وإعادة توزيعها. بما يعمل على سرعة تدفق الإمدادات بأرخص تكلفة وأعلى كفاءة.