يبدو أن إتمام صفقة تبادل الأسرى بين فصائل المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرئيلي بات شبه مستحيل. في ظل إصرار إسرائيل على رفض الشروط والأسماء التي وضعتها حركة حماس، ونقلتها إلى تل أبيب، عبر الوسطاء في القاهرة.
عدم نجاح هذه الصفقة يجعل من الاتفاق على التهدئة طويلة المدى بين الجانبين حديثا أقرب إلى السراب.
كان لصفقة تبادل الأسرى الأولى أثر كبير على أداء الطرفين (حماس وإسرائيل). فالأولى تسعى إلى تحقيق المكاسب التي تحققت قبل 10 أعوام. بينما الثانية تحاول ألا تقع في ذات الفخ مجددًا.
تم إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، مقابل الإفراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا بموجب هذه الصفقة التي كانت بوساطة مصرية عام 2011.
صفقة تبادل الأسرى الأولى.. قبلة حياة إسرائيلية لحماس
يرى مراقبون أن استدعاء صفقة العام 2011 “وفاء الأحرار” بمثابة “وضع العصا في دولاب أي صفقة جديدة”. فالحكومة الإسرائيلية تعاني وضعًا هشًا لا يسمح لها بالقبول بشروط حماس، التي وصفها الإعلام العبري بـ”التعجيزية”.
تمكنت حماس في “وفاء الأحرار” من إخفاء الجندي شاليط طيلة 5 سنوات متواصلة. وقد فشلت كافة أجهزة الاحتلال المعلوماتية والأمنية -خلال هذه الفترة- في التوصل إلى مكانه. لم تجد الحكومة الإسرائيلية وقتها مفرًا من الاستجابة لشروط الحركة، التي حددتها وتمسكت فيها، بإطلاق عدد من قيادييها البارزين أصحاب المحكوميات العالية. رغم تمسك المفاوض الإسرائيلي برفض هذا المطلب.
رغم التحذيرات التي ساقتها وقتها تقارير الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لحكومة نتنياهو بشأن الأسماء التي حددتها حماس. إلا أن التقدير السياسي داخل الحكومة -وقتها- كان يتبنى نظرة أن الأسرى الذين سيفرج عنهم بعد سنوات طويلة من الأسر سيبدأون حياة جديدة. كانت وجهة النظر الإسرائيلية تلك تعتقد أن هؤلاء الأسرى سيحاولون الاستمتاع ببقية حياتهم مع أسرهم دون المخاطرة بالعودة مجددًا إلى زنازين السجون.
مع الوقت، أدركت إسرائيل أنها منحت حماس قبلة الحياة. وقد مهدت لها ما عُرف بـ”البناء الثاني”. وهو ما احتاجته حماس في أعقاب اغتيال إسرائيل لعدد من أبرز قيادات جيل تأسيس الحركة. ومنهم أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وإسماعيل أبو شنب، وسعيد صيام، وصلاح شحادة.
عززت الأسماء التي أطلق سراحها خلال صفقة شاليط، من قوة حماس في غزة. كما جعلتها أكثر حضورًا في عملية صنع القرار. خاصةً فيما يتعلق بالعلاقة بين الذراع العسكري والذراع السياسي.
“إغلاق الزمن”.. القرار الإسرائيلي الأصعب
التطورات الأخيرة على صعيد العلاقة بين حماس والاحتلال، وبالتحديد معركة “سيف القدس” دفعت العقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي مايكل ميلستين، الذي كان رئيسًا للساحة الفلسطينية في قسم الأبحاث التابع للجيش الإسرائيلي إبان صفقة شاليط، للقول بإنه من المستحيل تجاهل حقيقة أنه بعد قيادة يحيى السنوار لحماس -كان أحد المفرج عنهم ضمن الصفقة- تراجعت الأوضاع في غزة على بعض المستويات. إلا أن المنظمة في وجوده طورت من قدراتها العسكرية ومكانتها في الساحة الفلسطينية والإقليمية.
لإدراك حجم الصدمة داخل الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية بشأن نتائج صفقة تحرير جلعاد شاليط، التي يسعى الجانب الإسرائيلي لتجنبها خلال مفاوضات الوساطة الحالية التي ترعاها مصر، يجب الإشارة إلى أسماء قيادات الحركة الذين أطلق سراحهم بموجب الصفقة السابقة. وكذلك مواقعهم الحالية داخل هيكلها الإداري. خاصة وأنهم باتو يمثلون رأس حربة حماس في معركتها مع الاحتلال.
القائمة المحررة.. نواة البناء الثاني
يأتي في مقدمة تلك الأسماء يحيى السنوار، الذي كان محكومًا عليه بـ5 مؤبدات. قبل أن يعتلي السلم القيادي للحركة بقطاع غزة عام 2017، إثر انتخابات داخلية. وهو من قال عنه قائد الأركان الإسرائيلي -وقتها- غادي آيزنكوت، إن انتخاب السنوار زعيمًا لحركة حماس في غزة قد ألغى التمييز الموجود بين المستوى السياسي والعسكري من قبل إسرائيل تجاه الحركة. في إشارة إلى تنامي حجم نفوذ الجناح المسلح للحركة، الذي يعد السنوار أحد أبنائه وقيادييه.
ثاني الأسماء هو صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي العام للحركة وزعيم إقليم الضفة.
ينقسم الهيكل الإداري للحركة إلى ثلاث أقاليم، هي: الضفة الغربية وغزة والخارج الذي يتزعمه خالد مشعل. ما يعني إن إقليمين من الثلاثة يترأسهما اثنين من القيادات المحررة في صفقة “وفاء الأحرار”.
ثالث تلك الأسماء هو زاهر جبارين، أحد مؤسسي كتائب القسام في الضفة الغربية ومسؤول ملف الأسرى والمحررين بها حاليًا. وهو أيضًا عضو المكتب السياسي العام الذي يمثل أعلى سلطة في الهيكل الإداري للحركة.
كذلك، من بين الأسماء المحررة ضمن تلك الصفقة توفيق أبو نعيم وكيل وزارة داخلية غزة. وكان محكومًا عليه بالسجن مدى الحياة، قبل أن يطلق سراحه، ليلعب دورًا كبيرًا في التنسيق الأمني بين الحركة ومصر لتأمين الشريط الحدودي في رفح. تلبية للمطالب المصرية بمنع انتقال العناصر التكفيرية بين شمال سيناء والقطاع. وقد لعب دورًا أكبر في إعادة بناء جهاز الأمن الداخلي لحماس.
وشملت قائمة القيادات المحررة التي قادت عملية البناء الثاني للحركة، روحي مشتهي. وقد انتخب عضوًا بالمكتب السياسي للحركة، ويعد أحد الحاضرين على مائدة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بشأن التهدئة وصفقة الأسرى الجديدة. كما ضمت القائمة الطويلة أيضًا عبد الرحمن غنيمات، ومازن فقهاء، اللذين أشرفا على تأسيس “كتائب القسام” في الضفة الغربية. بالإضافة إلى جهاد يغمور الذي تولى عقب إطلاق سراحه مسؤولية مكتب الحركة في تركيا، وساهم في تطوير العلاقات بين حماس وأنقرة.
عصا “وفاء الأحرار” في دولاب إسرائيل
ضخامة صفقة 2011 التي أطلقت عليها إسرائيل -حينها- اسم “إغلاق الزمن”، وأجبرت بموجبها على الإفراج عن أعضاء من حماس وفصائل أخرى تتهمهم بالوقوف وراء مقتل 570 إسرائيليا ومتعاونا مع الاحتلال، دفعت نتنياهو للقول إن الموافقة على الصفقة هو أصعب قرار اتخذه في حياته. وهو ما ظل يراوده طيلة فترة توليه الحكومة وإدارة مفاوضات الصفقة الجديدة، قبل أن يغادر منصبه منتصف العام الجاري.
تتمسك إسرائيل إلى الآن بعدم إطلاق سراح أسماء حددتها حماس ضمن الصفقة الجديدة. وهم من أصحاب المحكوميات العالية الذين تصفهم حكومة الاحتلال بـ”الملطخة أيديهم بالدماء”. وتقدر مصادر داخل الحركة عدد هؤلاء الأسرى بنحو 75 اسمًا. وتخشى إسرائيل تكرار ما حدث في صفقة “وفاء الأحرار” بمنح حماس فرصة انطلاق أو بناء ثالث يوفر لها مزيد من القوة الميدانية والسياسية.
تسعى حماس بصفقة تبادل الأسرى المرتقبة إلى تقوية علاقاتها بباقي فصائل المقاومة، والظهور بصورة الموحد لأطراف المقاومة والداعم لكافة المناضلين. ما دفعها لتطعيم القائمة باسم اثنين من رموز النضال الفلسطيني من غير أبنائها، هما مروان البرغوثي القيادي بحركة فتح والمحكومة عليه بخمسة مؤبدات، ويتواجد في سجون الاحتلال منذ 2002. بينما الثاني هو أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المحكوم عليه بالسجن 30 عامًا، بعد أن اتهمته سلطات الاحتلال بالمشاركة في اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق رحبعام زئيفي.
كذلك وجدت حماس في ضم الأسرى الـ6 الذين فروا من من سجن جلبوع الإسرائيلي قبل أن يتم إعادة اعتقالهم مرة أخرى، فرصة جيدة للتأكيد على حضور قضية الأسرى الفاعل على أجندة الحركة من جهة. ومن جهة أخرى توطيد علاقة حماس بحركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي لها 5 من هؤلاء الأسرى.
معركة “عض الأصابع” بين إسرائيل وحماس
بالعودة للمفاوضات الجارية حاليًا -بوساطة مصرية- لإتمام صفقة تبادل جديدة يتم بموجبها الإفراج عن أربعة إسرائيليين، يمكن القول إن حماس نجحت في فك الارتباط الذي تسوقه إسرائيل بين عملية إعادة الإعمار وتخفيف الحصار، وصفقة تبادل الأسرى. ذلك تحت وطأة الضغوط التي مارستها الفصائل بإشعال جبهة غزة في وجه الاحتلال.
تقول تل أبيب إن الإسرائيليين الذين تريد استعادتهم بينهم جثتين لعسكريين، واثنين مدنيين دخلا قطاع غزة بالخطأ،
يرى القيادي في حركة حماس، حسن يوسف أن المقاومة أخبرت الوسطاء بأن “الاحتلال لن يحصل على شريط فيديو للجنود الأسرى في غزة قبل الإفراج عن الأسيرات والأطفال وكبار السن والمرضى ومحرري صفقة وفاء الأحرار الذين أعيد اعتقالهم”.
أضاف يوسف، في ندوة نظمتها الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس قبل أيام، أن “المقاومة قد يكون لديها مفاجآت وتعمل على تحقيق صفقة مشرفة”.
في وقت سابق، أكد نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن حركة حماس تطالب بالإفراج عن المئات ممن وصفهم بـ”الملطخة أيديهم بالدماء». وأنه يعارض مثل هذه الخطوة كما عارضها سابقًا”.
وردًا على سؤال حول عدم استخدام إسرائيل نفوذًا إضافيًا لديها لإجبار حماس على الصفقة، اكتفى بينيت بالإجابة بإن هذه القضية مطروحة على المستوى السياسي والعسكري ويتم البحث عن كل فرصة من أجل ذلك.
الفترة الحالية تعد بمثابة معركة “عض أصابع” بين الطرفين. كلاهما يبدو متماسكًا، ولا يرغب في التعبير عن أوجاعه. فما بين حكومة إسرائيلية جديدة تكونت من تحالف هش قابل للانهيار في أي وقت، ولا يمكنها البت في قرارات مصيرية، خشية أن تظهر في صورة المهزومة أمام الفصائل الفلسطينية، وبين قطاع محاصر يعاني من ظروف إنسانية صعبة، تظل الصفقة الجديدة معلقة بانتظار حدث جلل يجعل أحد الطرفين يعبر عن أوجاعه معلنًا استجابة لرغبات الطرف الآخر.