منذ انطلاقها، شكّلت “جائزة ساويرس الثقافية” قاعدة مثالية لإثراء الحياة الثقافية في مصر، من خلال تتويج العديد من التجارب الإبداعية، حققت معها الجائزة مكانة بارزة بين الجوائز العربية والمحلية. لكن هذه الانطلاقة أيضًا لاحقتها اتهامات شهدتها الدورات الأخيرة. فبينما تضاعف عدد الساعين لنيل الجائزة -وربما صداقة آل ساويرس كذلك- انطلقت ألسنة عدة تكشف تسريبات للنتائج لم تتبين صحتها. مع القول بإنه تم تغيير الاسم الفائز بعد تسريبه- مع اتهامات بالمحاباة لأسماء معينة. فقط لكونها رنانة، أو لارتباطها ببعض القائمين على التحكيم.
فكرة وقوف الأغنياء إلى جانب الأدباء ليست بجديدة. فقد كانت أول جائزة حصل عليها الأديب العالمي نجيب محفوظ كانت من امرأة ثرية كانت تتبنى الإبداعات العربية وهي “قوت القلوب الدمرداشية“. كما أن الكثير من رجال المال والأعمال في العالم يدعمون المشروعات الثقافية والفنية كجزء من مسؤوليتهم الاجتماعية.
الجائزة، التي انطلقت في عام 2005، لا تحمل اسم رجل الأعمال نجيب ساويرس وحده، وإنما اسم عائلته المعروفة اقتصاديًا واجتماعيًا منذ عقود. وتسعى، وفق القائمين عليها، لاختيار أفضل الأعمال الأدبية المتميزة لكبار وشباب الأدباء. بهدف تشجيع الإبداع الفني وإلقاء الضوء على المواهب الجديدة الواعدة.
يشمل مجلس أمناء المؤسسة أسماء كبيرة في عالم الأدب، هم الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، والدكتورة هدى الصدة أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة القاهرة، والمفكر الدكتور محمد أبو الغار. والدكتورة منى ذو الفقار أستاذ دراسات العالم العربي المعاصر بجامعة مانشستر، والأثري الشهير زاهي حواس.
جائزة ساويرس.. توسع كبير
على مدار الأعوام التالية، تطورت المسابقة لتشمل مزيدًا من روافد الإبداع الأدبي والفني، حيث أضيفت فروع جديدة في مجالي كتابة السيناريو السينمائي والكتابة المسرحية.
وفي عام 2014 ووفاء لروح الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، تم إطلاق جائزة شعر العامية التي تحمل اسمه. تشجيعًا للمواهب الجديدة في هذا المجال، وهي أول جائزة في العالم العربي تخصص للعامية المصرية.
أمّا جائزة النقد الأدبي، فقد تم تعديلها هذا العام لتكون “جائزة السرديات الأدبية والفنية” لكي تتيح المجال للمزيد من الأعمال الإبداعية غير الروائية، والتي تشمل السيرة، السيرة الذاتية، أدب الرحلات، والمدونات التاريخية، والكتابات النقدية.
وفي العام الماضي، تم إطلاق جائزة الترجمة بهدف الإسهام في تشجيع التميّز الأدبي المعاصر، وتقديم شباب المبدعين إلى القراء خارج حدود المنطقة العربية، من خلال ترجمة الرواية الفائزة بالمركز الأول -فرع شباب الأدباء- إلى اللغة الإنجليزية كجائزة أدبية تضاف إلى الجائزة النقدية.
و”من أجل التشجيع على النهوض والارتقاء بكتب الأطفال”. أطلقت المؤسسة هذا العام جائزة جديدة لأفضل كتاب للأطفال تحت سن 12 سنة.
القيمة المادية في وجه الشائعات
يتهافت الأدباء بتنوعاتهم كل عام على التقدم لنيل جوائز ساويرس. فالجوائز الحكومية المصرية تبلغ قيمتها المادية أرقامًا ضئيلة، لا يُمكن أن تساوي جائزة ساويرس الذي يبلغ مجموع فروعها قيمة مادية تقارب جائزة الشيخ زايد، أكبر جائزة عربية.
لكن، تواجه الجائزة الاتهامات بعدم الحياد بشكل سنوي. ففي عام 2017 اعتلى الكاتب حلمي النمنم -وزير الثقافة السابق- منصة التكريم لتسليم الفائزين جوائزهم المادية والعينية. وقتها صرّح بأن حفل جوائز ساويرس صار “عيدًا سنويًا”.
وأضاف: “سبق أن شاركت في إحدى لجان تحكيم جائزة ساويرس، وأعرف أنها تتمتع بقدر كبير من الشفافية والنزاهة”.
لكن الشائعات المتداولة لا تخلو من ريبة لا يعرف أحد مصدرها. ففي العام نفسه، قال الشاعر عبد المنعم رمضان -في تصريح نشره موقع اليوم السابع- إنه انسحب من إحدى لجان التحكيم لأنه فوجئ بشخص يتحدث معه في المقهى حول أسماء أعضاء اللجنة ووقائع الجلسة ذاتها.
حينها، نشرت مؤسسة ساويرس، على الفور بياناً عبر مواقع التواصل، نفت فيه مسؤوليتها عما وصفته بـ “البيانات الكاذبة الصادرة عن أي جهات أو أشخاص ممن يحاولون النيل من صدقية الجائزة ونجاحها”.
لكن خلال الدورة الحالية 2021 تدور الشائعات حول كاتب صحفي معروف بعلاقاته الثقافية القوية، يستعد للفوز بجائزة النقد، بعد أن حقق كتابه دعاية كبيرة.
جائزة ساويرس.. ليس فسادًا وإنما ضعفًا
يؤكد الناقد والروائي محمود الغيطاني أنه لا يُمكن اتهام جائزة ساويرس أو القائمين عليها، سواء من المؤسسة أو لجان الاختيار، بالفساد. لكنه يتهمها بالضعف وعدم التدقيق في اختيار الأعمال الفائزة.
ويُشير الغيطاني إلى أن الجائزة منذ نشأتها صارت واحدة من أهم الجوائز الأدبية المصرية والعربية، واشتهرت بلجانها الحيادية والنزاهة والموضوعية.
وقال: وصلت الجائزة من الاهتمام لدرجة أن قيمتها المعنوية لدى الأدباء صارت أهم بكثير من جوائز الدولة التي تحكمها الشللية والمحسوبية والصداقات والتربيطات. بل وتُمنح لكثير ممن لا يستحقون أو مستوى أعمالهم ضعيف.
ولفت إلى أن الكثير من الأدباء، خاصة الشباب منهم. يرون أن الحصول على جائزة ساويرس أكبر قيمة من حصوله على جوائز الدولة. ليس فقط لقيمتها المادية، بل لنزاهة الاختيار.
لجان التحكيم (المجاملات)
يتفق من تحدثنا إليهم على أن لجان التحكيم هي الهدف الأول في مرمى الانتقادات. الجميع يُشير إلى أن صلاح اللجان من صلاح الجوائز والعكس. لكن اللافت أن جميع الناشرين الذين تحدثنا إليهم رفضوا ذكر أسماؤهم، نظرًا لعلاقاتهم بلجان التحكيم أو القائمين على الجوائز.
أحد الناشرين الكبار أشار إلى أن هناك غياب للمعايير فيما يتعلق الجوائز وعدم وضوح هيكلي للجان هذه الجوائز، خاصة جوائز الترجمة. وضرب مثالًا بجائزة أطلقتها الهيئة العامة للكتاب بالتعاون مع المركز القومي للترجمة.
يقول لـ “مصر 360”: لم يحددوا اللغة التي سيتم التنافس بها. هذا يفتح مساحات عديدة للمجاملات، فمثلًا إذا كانت أغلبية الأعضاء يجيدون الإنجليزية فقط فستفوز رواية مترجمة منن الإنجليزية.
وتابع: أنتجنا هذا العام كتبًا بستة لغات. فهل سنجد في لجان التحكيم لجوائز الترجمة من يجيدون هذه الجوائز الست؟
يلفت الناشر، الذي خاض في العديد من كواليس الجوائز العربية، إلى أن رؤية القائمين على التحكيم هي التي تتحكم في إعلان الجوائز. وروى عن أحد معارفه في لجنة تحكيم جائزة مصرية أن اللجنة قررت منحها لكاتب كبير نظرًا لكِبر سنه، وأنه “يستحق التكريم قبل الموت”، وفق ما اتفق أعضاء اللجنة.
بينما امتنعت لجنة أخرى عن منح جائزة مصرية لأحد شعراء العامية بعد أن تم منحه جائزة الدولة التقديرية.
أسماء لامعة
ناشر آخر تتنافس أعماله في الدورة الحالية من الجائزة، أشار إلى أن “شللية” بعض لجان التحكيم، كما أسماها. السبب في أن يفوز بعض الكتاب مرة واثنين، وأن الأمر لا يعدو مجرد مجاملات بين كثير منهم.
لكنه يلفت إلى أن جائزة ساويرس -بشكل عام- تتطور من عام لآخر. وأن الكثير من المصريين فخورين بجائزة مصرية تحمل قيمة كبيرة وسمعة جيدة، حتى وإن طالتها الانتقادات.
يقول: من مميزات الجوائز الدولية أن لجانها تتغير كل عام. لكن هنا سوف نجد بعض لجان التحكيم التي استمرت في موقعها لأكثر من خمس دورات. هؤلاء تُغلق عقولهم على أسماء بعينها ولا يتابعون الجديد. مُشيرًا إلى أن الكثير منهم يفضلون مجاملة الأصدقاء، أو العمل بنظام التوزيع الجغرافي إذا كانت الجائزة عربية.
وأوضح أن بعض القائمين على لجان التحكيم يفضلّون منح الجائزة لأسماء لامعة أو رنانة لجذب الانتباه أو استمرار تألق الجائزة “حتى أن بعض أعضاء اللجان يهاتفون أدباء بعينهم للتقديم في الجائزة مع وعد بمنحهم إياها”.
جائزة النقد
يلفت محمود الغيطاني، الحاصل على الجائزة عام 2012 عن روايته “كادرات بصرية” أن الجائزة ظلت على هذه الأمانة والموضوعية “لكن لوحظ في الآونة الأخيرة أن الجائزة بدأت تُمنح لأسماء غريبة”. كما قال.
وأضاف: على سبيل المثال، شهدت الدورة الماضية حصول الكاتب والصحفي سامح فايز على جائزة النقد عن كتابه “Best Seller.. حكايات عن القراءة”، وهو ما اعتبره الكثيرون سقطة ضخمة في مشوار الجائزة.
ووصف الغيطاني حصول الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية على جائزة النقد 2020 بأنها” طامة وسقطة وكارثة كبرى للجائزة”، وفق تعبيره.
وتابع الناقد: وكأن مصر صارت خالية من نُقّاد الأدب. الكتاب غير نقدي ولم يحتو على أي معلومات نقدية، والكاتب نفسه ليس له دخل بالنقد الأدبي أو الفني. الكتاب كله مليء بإحصائيات وأرقام، ومقالات ترصد الحالة الثقافية المصرية. جعلني هذا أشعر وكأنهم فضّلوا منح الجائزة للكاتب على أن تقوم اللجنة بحجبه في حال عدم اختيار عمل لائق.
وأشار الناقد والروائي إلى ملاحظته أن الأعمال التي تبرز في القوائم الجديدة للجائزة، سواء الطويلة أو القصيرة. تحتوي على أعمال ضعيفة أو أعمال لكُتّاب ضِعاف، كما يرى.
وقال: هذا غريبًا عن الجائزة التي عرفناها دومًا ولم تكن تقبل لنفسها هذا السقوط. لكن الفترة الأخيرة تشهد حالة من الاستسهال وعدم البحث الجيد عن أعمال يُمكن تكريمها وإعطاؤها ما تستحق من حفاوة. لكني أظل على أمل أن تعود الجائزة كما كانت، وأن تعود لتصير الجائزة الأهم في مصر، كما كانت منذ نشأتها وحتى وقت قريب”.