من تصريحات أبو تريكة لشعر شيرين عبدالوهاب مرورا بمصور الفتاة الأوكرانية، أو حتى بلطجي الإسماعيلية. يستحوذ “الترند” على الجزء الأكبر من نقاشتنا، واهتمامتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، يستقطبنا ويقسمنا إلى فرق.. فمن يقود من؟
في الفيلم الوثائقي الشهير “The social dilemma” والذي يقوم عليه مجموعة من المدراء البارزين السابقين في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. يقول خبير أخلاقيات التصميم السابق لدى جوجل تريستان هاريس “إن خلقت التكنولوجيا الفوضى العارمة والغضب واللامبالاة وقلة الثقة في بعضنا البعض والوحدة والاغتراب والمزيد من الاستقطاب واللعب بنائج الانتخابات. فضلا عن المزيد من الإلهاء وعدم القدرة على التركيز على القضايا الحقيقية. يصبح المجتمع غير قادر على معالجة نفسه، ويتحول إلى نوع من الفوضى. يؤثر هذا على الجميع حتى وإن كنتم لاتستخدمون تلك المنتجات، تقع المسؤولية في فتح النقاش أمام العامة”.
وفي خضم التحقيق في مدى تأثير النظام الروسي على الانتخابات الأمريكية التي أدت إلى نجاح دونالد ترامب. قال أحد أوائل المستثمرين في “فيسبوك” “لم يحتاج الروس إلى قرصنة فيسبوك عام 2016 في الانتخابات الرئاسية الأميركية. بل استخدموا تقنيته، هذه الخوارزميات التي تتحكم بما نستهلكه، قادرة على التحكم بأفكارنا أيضًا”.
وقد توصلت دراسة قامت بها مؤسسة “جلوبال ويب إندكس” البحثية في لندن. إلى أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على منصات التواصل الاجتماعي عالميا ارتفع بنحو 60 بالمائة في المتوسط على مدى السنوات التسع الأخيرة.
على المستوى المحلي تشير الإحصائيات إلى أن 50 مليون مشترك مصرى على مواقع التواصل الاجتماعى. ومنهم 38 مليون يتم تقسيمهم ما بين سيدات وذكور شباب، وثلثى مستخدمو التواصل الاجتماعى يبدأ من عمر 13 عاما فيما فوق.
مساحة للتعبير
ربما ليس من المبالغة أن يؤرخ لتلك المواقع بالعام 2011 فجر الربيع العربي، الذي يعد الثورة الأولى التي كانت وسائل التواصل أهم أسلحتها الإعلامية. ونشأ معها المواطن الصحفي أو المخبر كما يقال، ساعد على ذلك التضييق الذي فرضته معظم الأنظمة العربية البائدة على شعوبها. والتي وجدت فيها متنفسا للتعبير عن نفسها.
ومن تلك اللحظة الفارقة انطلقت كتائب الهاشتاجات، ومعها خرج النقاش للعلن، وأصبح هناك سيولة في الآراء والموضوعات. التي شيئا فشيئا خرجت من الشق السياسي إلى الاجتماعي، وكافة مناحي الحياة الأخرى، ومعها نخلق “الترند” الذي أصبح يفرض نفسه على ساحات النقاش. ويعمل على تغيير الأفكار، وساهم في ذلك الحملات الموجهة، ومجموعات العمل التي سماها البعض “اللجان الالكترونية”. كما أن تلك الاتجاهات أصبحت تسيطر على بعض وسائل الاعلام التقليدية أيضا، وتقودها بدورها.
وسبق وأن أعلنت إدارة فيسبوك وتويتر حذف حسابات من مصر والإمارات والسعودية في عدة مناسبات. بسبب أنها “استخدمت حسابات زائفة لإدارتها والترويج على المجموعات لزيادة حجم التفاعل”.
صحافة كشوف الإنتاج والترند
العلاقة بين “الترند” ومدى اهتمام وسائل الاعلام التقليدية به أرجعها الصحفي أكرم الألفي إلى أجندة الوسيلة الإعلامية. ففي حالة كانت وسيلة تسعى للربح وتهتم بعدد المشاهدات فلابد أن تهتم للترند الذي يحقق هدفها. ولكن المشكلة في الوسائل المملوكة للحكومات التي يمولها دافعي الضرائب، فهؤلاء ينتظرون الخدمة لا الربح المادي، وعندها يصبح الأمر أزمة إدارة وتوجيه، وربما فساد.
وبشكل عام يوضح الألفي عدم وجود كود معين للإعلام يحدد علاقته بالترند أو غيره. فالمسألة تتوقف على إرادة مالك الوسيلة، لا الوسيلة في حد ذاتها أو دورها كما يتردد.
ومن الناحية العملية فوفقا للألفي تكمن الأزمة الحقيقية في انخفاض مستوى الصحفيين الناتج عن تدني الأجور وعدم تدريبهم بشكل مستمر. فالمسألة ينقصها الاحترافية، بينما ينصب الاهتمام على كشوف الانتاج.
فالمشكلة هيكلية بالأساس حيث تغيب الأجندة الواضحة، الناجحة في تحقيق أهدافها عن أغلب الوسائل، كما يعتقد الألفي. وفي ظل لهث الصحفيين وراء تحقيق كشوف الإنتاج وكذلك المشاهدات، يصبح مسؤول السوشيال ميديا بمثابة مدير الوسيلة وواضع سياستها، ويظل الجميع يسعى وراء “الترند”.
أما نتيجة هذا، فيقول الألفي “محتوى رديء ليس بالمعنى الأخلاقي، ولكن بالمعني الاعلامي. خالي من أي مجهود صحفي، يغلب على مضمون وسائل الاعلام المصرية”.
صناعة الترند
وفيما يخص “الترند” تحديدا يفسر الألفي طريقة عمله وإنتاجه التي وصفها بالسهلة، والمعقدة في آن واحد. وهي طرق ثلاث أولهما الصدفة غير المرتبة بأن يكون الحدث غير متعمد فيحوز على اهتمام الجمهور ويصعد لقمة اهتماماته.
أما الطريقة الثانية فهي عبر النجم مثل تصريح نجم في مجال ما مثير للجدل، أو حتى حدث يخص حياته الشخصية. أما الوسيلة الأخيرة فهي عبر مجموعات العمل أو ما يسميها البعض “الكتائب الإلكترونية”.
وبحسب الألفي فإن لمجموعات العمل دور أقوى وأنجح في تحقيق أهدافها في مصر بالنسبة لدول عديدة، وبمنأى عن الشق الأخلاقي في المسألة. فإن أسباب ذلك ترجع لما لمواقع التواصل الاجتماعي من تأثير كبير على الجمهور في مصر. حتى من دول كبرى مثل الولايات المتحدة، وعليه يتخذ “الترند” مكانة أعلى في اهتمامات الناس.
أما عن أسباب التأثيرات المتعاظمة لوسائل التواصل الاجتماعي، وعدها لها كمصدر للأخبار، والانصراف عن الوسائل التقليدية. خاصة في مصر ودونا عن دول قريبة اقتصاديا، وحتى كبرى، فيرجعها الألفي إلى المشكلة الأساسية وهي غياب القلم، أي الكفاءات التي من شأنها جذب الجمهور. قائلا: “كيف للصحفي الذي لم يعد دخله يكفي قوت يومه أن يشتغل على نفسه ويطور منها، أو حتى أن يبذل مجهود كاف على العمل الصحفي؟”.
فوجود تلك الكفاءات من وجهة نظر الألفي تستطيع تدوير “الترند” وتنفيذه بما في صالح الجمهور. وبطبيعة الحال تحقيق أهداف أجندته أيا كانت.
هوس المكسب السريع
خبير التواصل الاجتماعي زياد علي يضيف بعدا آخر للمسالة إذ يعتبرها جزءا من هوس المكسب السريع الذي صاحبنا خلال السنوات الماضية. وهو الذي بدأ مع تفضيل العمل على “توكتوك” بديلا عن العمل في مصنع، وانتهى إلى صنع محتويات غير حقيقية. ولكنها تؤدي إلى الربح عبر المشاهدات المرتفعة، ومهما كانت الوسيلة.
أما هذا المكسب وعلى مستوى الوسيط الافتراضي فقد يكون مادي، أو معنوي حيث يعوض الشخص عن نقص ما ينتابه في مجتمعه الحقيقي. حيث يجد المهمشون موضع قدم، ويستطيعوا الإدلاء بآرائهم وفقا لزياد.
شيئا فشيئا يشعر الشخص بأن تحققه الافتراضي هو المهم، وينعزل عن بيئته الحقيقية. بعد أن وجد لنفسه وزنا أخيرا، ووضعا اجتماعيا، كذلك مساحة للتعبير.
وهو ما يجعل لشخصيات ليس لها وزن حقيقي كهذا الداعية المتطرف أو ذاك جمهورا عريضا. وعندما تنبه النجوم في كل المجالات إلى ذلك بدأوا في صناعة صفحاتهم، والصفحات المؤيدة لهم. وأصبح المزج بين ماهو اجتماعي، وسياسي وفي ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وصلنا إلى مجتمع القطيع.
أما خطورة مجتمع القطيع وعلاقته بالترند فهو توجيه الأفكار وغسل الادمغة بشكل يمثل خطورة على السلم المجتمعي. وكانت النتيجة أن هناك جيل بالكامل يتجه لدرجة من درجات معاداة المجتمع بحسب ما يرى زياد.
أما الحل فيراه زياد ممثلا في فتح مساحات جديدة وعبر قرار سياسي. ويقول: “يبحث الناس دائما عن وسيلة للتعبير وقد وجدوا ضالتهم في تلك الوسائل. وعليه فإن الحل يتمثل في تصعيد وتمكين كوادر قادرة على الحشد مثلما يفعل النقيضين في أقصى اليمين وأقصى اليسار. فالحل في طرف ثالث يسمع له الناس يتميز بالاعتدال والقدرة على الارتقاء بالمجتمع”.
خلق الترند المضاد هو مايراه زياد حلا، وبشكل واعي ومخطط له بشكل علمي. وبإرادة سياسية فوقية، وبشكل يصل إلى عامة الناس بعيدا عن تعالي النخب وبعدهم عن الجماهير”.