لم يكن إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي 2022 عامًا للمجتمع المدني، سوى ملمح مهم في رؤية “حكومية” تتغير تجاه دور المجتمع المدني وأهمية نشر الوعي بثقافة حقوق الإنسان. فالرئيس -باعتبار نفوذه داخل المؤسسة الحاكمة- دعا المجتمع المدني أثناء إطلاقه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، إلى “مواصلة العمل بجد واجتهاد جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة المصرية، لتحقيق التنمية المستدامة فى كافة المجالات، ونشر الوعي بثقافة حقوق الإنسان، مساهمة فى تحقيق آمال وطموحات الشعب المصرى العظيم”.
لكن، لتحقيق ذلك ولكي يصبح 2022 فعلاً عامًا للمجتمع المدني، هناك عدد من النقاط، يتعين البدء فيها فورًا. وهي تمهد لهذه الصفحة الجديدة من التعاون الحقيقي البناء بين المجتمع المدني والحكومة.
ورقة “دام”.. لأن القفز على المشكلات لا يؤدي لحل
هذه النقاط، يوضحها المحامي والباحث الحقوقي نجاد البرعي، في ورقة سياسات جديدة، ينشرها مركز التنمية والدعم والإعلام “دام“، ضمن سلسلة ورقات تتناول الاستراتيجية الوطنية، تبحث في خطوات بناء الثقة، التي تُمهد الانطلاق إلى مرحلة جديدة من التعاون، بشكل يخدم ملف حقوق الإنسان في مصر.
تستعرض “ورقة نجاد” المشكلات التي تواجه ملف حقوق الإنسان في مصر. وتحددها في 4 محاور، من بينها أزمة انعدام الثقة بين الحكومة والمجتمع المدني وأسبابها وظروفها. وكذلك مشكلة عدم تحديد الأدوار بين مكونات المجتمع المدني في مصر، التي أدت إلى تداخل الأدوار بين مؤسساته. ذلك فضلاً عن معضلة النظرة الأمنية لهذا الملف منذ خمسينيات القرن الماضي. وأيضًا تمويل العمل الأهلي وازدواجية الحكم على مسألة الاعتماد على التمويل الخارجي.
تبني الورقة توصياتها على مبدأ أن القفز فوق المشكلات أو تجاهلها لا يمكن أن يؤدي إلى حل دائم. وفي سبيل ذلك يقترح عددًا من الخطوات تُمهد لمرحلة جديدة من التعاون.
للاطلاع على ورقة السياسات كاملة..
ورقة “دام”.. كي نُمهد لعام المجتمع المدني
توصي “ورقة نجاد” بتوفيق أوضاع كل الجمعيات المسجلة، وغير المسجلة، والتي تتشابه أنشطتها مع أنشطة الجمعيات الأهلية.
وهنا، تشير إلى إجراءات توفيق الأوضاع بالنسبة لبعض الجمعيات وبعض الأنشطة، والتي تبدو بطيئة وغير منجزة. وتلفت على سبيل المثال، إلى جمعية شهيرة تهتم بحقوق النساء، تقودها أستاذة لها سمعة دولية مرموقة، لا تزال عاجزة عن توفيق أوضاعها، دون معرفة السبب رغم إلحاحها في ذلك. بل إن المسؤول عن الجمعيات في الإدارة التي تسجل بها، نصحها بأن تنسى الجمعية القديمة، وأن تبدأ إجراءات جمعية جديدة “على نضافة”.
أيضًا، توصي ورقة السياسات بضرورة إنهاء “كل” الملاحقات القضائية ضد نشطاء المجتمع المدني ومؤسساته بشكل عام، والحقوقية بشكل خاص. مع السماح لهم بحرية التنقل، والإفراج عن أموالهم ومقارهم المتحفظ عليها. إذ أن هناك بعض الشخصيات الحقوقية لا تزال خاضعة للملاحقة. ليس فقط في القضية 173 لسنة 2011 الشهيرة، ولكن أيضًا خارجها.
متى تنتهي الملاحقة؟
كل من صدر لهم قرارات من قاضي التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى لا يعرفون الخطوة التالية، وهل يحق لهم السفر أم لا؟ ومن المسؤول عن رفع الحظر من السفر عنهم؟ خاصة وأن مكتب النائب العام قد نفى أنه منع أحدًا من السفر. وقال العاملون فيه لمن توجه إليه بالسؤال: “إن هناك ثمانية جهات لها حق المنع وإن عليهم معرفة أي جهة منعتهم
لأنها هي وحدها من يحق لها رفعهم من القوائم!”.
وتُشيد الورقة بالإفراج عن كثير من المحبوسين احتياطيًا وبعض نشطاء العمل الأهلي، وكان آخرهم “باتريك جورج” الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. إلا أنها تشير أيضًا إلى بعض العاملين في مؤسسات مدنية ممن لا يزالون قيد الحبس الاحتياطي المكرر والمطول. ومن بينهم مثال المحامي محمد الباقر، والمحامي عمرو إمام وغيرهما. فضلاً عن بعض المحكوم عليهم بسنوات سجن طويلة من محاكم أمن الدولة طوارئ، نتيجة كتابات على مواقع التواصل الاجتماعي. مثل الباحث أحمد سمير سنطاوي وغيره.
وتقول الورقة إن استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة ضد ناشطين في مؤسسات أهلية واستخدام محاكم أمن الدولة طوارئ ضد باحثين في مؤسسات مدنية لمجرد كتابات لهم على مواقع التواصل لا يشجع على بناء الثقة. وبالتالي يلقي ظلالاً من الشك حول نوايا الحكومة.
ضرورة الحوار.. المجتمع المدني كشريك حر متفهم للمخاوف الأمنية
ضمن توصياتها، تشير “ورقة نجاد” إلى ضرورة البدء بحوار على أي مستوى بين ممثلين عن الحكومة -أيًا كانوا وأيا كانت طريقة اختيارهم- وبين مكونات مختارة من مؤسسات المجتمع المدني الراغبة في الانضواء تحت مظلة البنية القانونية الجديدة. ذلك في سبيل المساهمة في بناء التنمية المستدامة بشراكة مع الحكومة.
وهي ترى في هذا الحوار أن يقوم على اعتراف الدولة بأن المجتمع المدني “شريك حر لها” وليس “عاملاً لديها”. وبالتالي عليها أن تحترم أولوليات عمله. كما أن عليها أن تصل إلى توافق معه حول أولويات عملها. وأن يعمل الطرفان معًا من أجل “وضع الخطط التنفيذية للاستراتيجيات التي تم التوافق عليها”. إذ لا يمكن للمجتمع المدني أن يشارك في تنفيذ خطط لا يقتنع بها أو تم فرضها عليه. وإنما لابد من جعله شريكًا أصيلاً في وضع الخطط، ليمكن له أن يحدد كيفية العمل على تنفيذها.
ومن جهة أخرى يتعين على المؤسسات المدنية الراغبة في الاشتراك في هذا الحوار أن تفهم أن كل شكل من أشكال المجتمع المدني المؤسسية له دور مختلف فلا تقوم الجمعيات الأهلية بلعب دور الأحزاب السياسية ولا تقوم روابط أصحاب المصلحة بلعب دور المنظمات الحقوقية. وهكذا يتعين على كل قطاع التزام حدود دوره ومساحته.
تطالب الورقة أيضًا مؤسسات المجتمع المدني بأن تحترم وتتفهم مخاوف الحكومة الأمنية والسياسية. وأن تعمل على إزالتها، بكل الطرق الممكنة. ففي النهاية لا يمكن أن
ينشط المجتمع المدني إلا في دولة مستقلة ومستقرة وآمنة.
لتحقيق كل هذا، لا سبيل إلا الحوار البناء والمستمر بين المجتمع المدني والحكومة. لأنه وحده الكفيل بإنجاح مبادرة الرئيس بجعل عام 2022 عامًا للمجتمع المدني.