نظّمت “جمعية السادات للتنمية والرعاية الاجتماعية” التي يرأسها النائب السابق محمد أنور السادات، مائدة نقاشية حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ضمت مجموعة من الفاعلين في العمل المدني، إلى جوار نواب من تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين. في أحاديث كادت في بعض أجزائها أن تتحول إلى مشادات بسيطة.

جمع السادات، الذي يرأس كذلك مجموعة الحوار الدولي. وكان لاعبًا فاعلًا في تقديم أسماء متنوعة للجان العفو الرئاسي عن المسجونين السياسيين. وجهات نظر عدة على طاولة واحدة. كان الجالسون من الفاعلين في ثورة 25 يناير وما قبلها، والخارجين من رحم اتفاق 3 يوليو والشهور التي سبقته. بعضهم أفادته السنوات السابقة فأثنى عليها، وآخرون لا تزال جروحهم مفتوحة، وأحبتهم خلف قضبان يحاولون تحطيمها.

جمع السادات وجهات نظر عدة على طاولة واحدة من الفاعلين في ثورة 25 يناير وما قبلها والخارجين من رحم اتفاق 3 يوليو والشهور التي سبقته

افتتاحية الفرص والتحديات

النقاش الذي دعا إليه رئيس حزب الإصلاح والتنمية، بالتعاون مع السفارة السويسرية. حمل عنوان “عام المجتمع المدني 2022.. الفرص والتحديات على ضوء الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”. تناول العديد من النقاط حول الفرص والتحديات، وإمكانية التعاون القادمة خلال العام المُقبل.

وتمثلت الخلافات حول الحريات، والتمويل الأجنبي، بل ومفاهيم العمل الأهلي ذاته. بين الداعين إلى رفع مستوى الحريات، والمشددين على وجود مساحة رحبة لم تشهدها البلاد من قبل.

وأكد السادات في حديثه الافتتاحي أن مصر تشهد انفراجة كبيرة للعمل الأهلي، قد تنطلق موجاتها في العام المُقبل 2022. بينما أكدت مديرة التعاون والتنمية بالسفارة السويسرية، فاليري ليتشي أن الإعلان عن عام للمجتمع المدني “سيوفر فرصة للنقاش. حول ما واجهه المجتمع المدني من تحديات كبيرة خلال الأعوام الماضية. وكيف يمكنه لعب دور أكبر في تنمية المجتمع”.

وأشارت إلى أن دخول اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات حيّز التنفيذ، مع تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان “خطوة مهمة جدًا لمصر. لكن تطبيقها يتطلب التعاون بين المجتمع المدني والدولة”.

أوضح رئيس حزب الإصلاح والتنمية أن قانون الجمعيات الأهلية سواء تم الاتفاق أو الاختلاف عليه “أفضل مما قبله”

قانون الجمعيات وتوفيق الأوضاع

في حديثه قبيل انطلاق الجلسة الأولى، أوضح رئيس حزب الإصلاح والتنمية أن قانون الجمعيات الأهلية. سواء تم الاتفاق أو الاختلاف عليه، لكنه “أفضل مما قبله”، وفق تعبيره. مشيرًا إلى أن أغلب المنظمات الأهلية تعمل على توفيق أوضاعها قبل 11 يناير المقبل. وهو الموعد الأخير.

وقال: من 55 ألف جمعية تم توفيق أوضاع 26 ألف فقط. لا نعلم هل سيستطيعون توفيق الأوضاع سريعًا قبل هذه المدة أم أن الدولة ستقوم بمدها لعدة أشهر مقبلة حتى يتمكن الجميع من العمل تحت مظلة قانونية سليمة.

وأضاف: “العالم يتابع الحركة الجارية الآن. وكذلك يتابع أية توصيات أو نصائح نصدرها. ونحن نعيش حالة من بناء الثقة بين المجتمع المدني بكافة أشكاله وبين الدولة”.

وتابع: “كان هناك جو من التشكيك وعدم الثقة في أنشطة المجتمع المدني. لكن المرحلة القادمة قد تشهد تعاونًا كبيرًا، لأن مؤسسات المجتمع الأهلي تعمل في أماكن قد لا تصل إليها الحكومة، مثل القرى في أعماق الريف”.

عوائق قانونية

لكن الدكتورة فاطمة خفاجي عضو مجلس إدارة رابطة المرأة العربية -في تعقيبها- أوضحت أن القانون الجديد نفسه هو ما يمنع منظمات المجتمع المدني من القيام بدراسات أو أبحاث أو جمع معلومات.

وقالت: “بل حتى لو كانت لدى أي جمعية معلومات فإنها لا يمكنها استخدامها إلا بموافقة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهذا التصريح لا يصدر أبدًا”.

وأوضحت خفاجي أن هناك معلومات كبيرة مفقودة عن القرى والنجوع وتفاصيلها، أما المعلومات الواسع الموجودة بشكل عام فهي لا تكفي.

وتساءلت الناشطة النسوية: “من يمكنه القيام بجمع هذه المعلومات وتحليلها إذا كان المجتمع المدني -وهو أفضل من يمكنه القيام بهذا- ممنوع من ذلك. كيف إذن يمكن بناء شراكة حقيقية مع الدولة؟ نحتاج استراتيجية أخرى للتعاون وبناء الثقة التي فقدت بين المجتمع المدني والحكومة، فالأمر ليس تنافسيًا ولكنه تكاملي في أمثلة كثيرة جدًا.

وأشارت إلى أن الجهات الدولية المانحة بدورها “لها دور في بناء الثقة باعتبارها تشاهد هذا الصراع، بينما يمكنها الدعوة إلى التكامل”.

وأضافت خفاجي: “كيف ستعمل مؤسسات المجتمع المدني بدون تمويل إذا كانت هناك عقبات عديدة؟”

مفهوم العمل المدني

في حديثه، أشار الدكتور سامح فوزي، كبير الباحثين بمكتبة الإسكندرية، إلى أنه يجب إعادة التفكير في صياغة مفهوم المجتمع المدني لدى الجميع. حيث أنه لا يشمل فقط المنظمات الحقوقية، بل والأهلية، والأحزاب أيضًا.

وقال: “هو رأس مال اجتماعي للمصريين، عبر الأنشطة المختلفة التي يقوموا بها، وهو أساس التنمية الناجحة للمجتمعات”.

ولفت فوزي إلى أن المجتمع المصري عرف المجتمع المدني قبل قرنين تقريبًا، سواء في التشكيلات الأهلية والنقابية وغيرها “كثير من السياسيين دخلوا هذا العالم من بوابة المجتمع المدني. جميعهم كان له وجه سياسي لكنه كان له وجه آخر في المجالات التنموية والثقافية وغيرها”.

وأكد فوزي أن اللقاء هو أحد لقاءات بناء الجسور. عبر جمع الموجودين من أعمار ورؤى وتيارات مختلفة للمناقشة وتبادل وجهات النظر حول القضايا القومية “وكلما توسع النقاش نتعالى على أحادية النظرة وننسجم أكثر في التفكير معًا”.

ترتيب البيت من الداخل

وتتفق الدكتورة ثريا عبد الجواد مع كبير باحثي مكتبة الإسكندرية في أن هناك خلط شديد جدًا فيما يتعلق بمفهوم المجتمع المدني ودوره. وكذلك سبب عدم تقديمه الصورة المرجوة منه رغم طريقه الطويل وتاريخية وجوده في مصر.

وقالت: “جميعنا سمع عن المنظمات المشبوهة والتمويلات الأجنبية وغيرها. بالفعل المنظمات والجمعيات لابد لها من ترتيب البيت من الداخل”.

وتابعت عبد الجواد: “لكن فرض قيود على حركة المجتمع المدني ودوره، والطبيعة الاستبدادية التي تنتقل داخل الجمعيات والعاملين فيها هي ما يؤدي إلى فشل المجتمع المدني وعدم قيامه بدور فاعل حتى اليوم. وسنظل كذلك إذا استمر السياق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بهذا الشكل”.

بينما أشارت الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد العام لنساء مصر. إلى أن الكثير من المنظمات الدولية الآن، إن لم يكن أغلبها، يعتمد في تقاريره على عمل المنظمات الأهلية في مجتمعاتها.

وقالت: “أغلب القائمين على هذه الدراسات هم شباب صغير لديه مهارات وتدريبات كافية لتحقيق هذا. لكنهم يواجهون قيودًا كثيرة”.

كاد الوجه الحميمي للنقاش يتصدّع مع كلمات الناشط الحقوقي جورج إسحق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان

يد الأمن

كاد الوجه الحميمي للنقاش يتصدّع مع كلمات الناشط الحقوقي جورج إسحق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان. التي ترددت في مكبرات الصوت لتعكّر صفاء “سياسيين 30 يونيو” الموجودين بالقاعة.

ففي مداخلة قصيرة، أوضح المنسق السابق لحركة “كفاية” أن هناك عوائق عدة في فتح المجال أمام المنظمات المدنية للعمل. في مقدمتها التدخل الأمني.

وقال: “بدون حريات لن يحدث شيء في مصر. وأعترض على القول بأن الأمور ستنفتح تدريجيًا. لقد مارسنا الحرية بالفعل ولسنا في مرحلة تعلمها”.

وتابع إسحق: “استراتيجية حقوق الإنسان من أهدافها الدعوة إلى المشاركة، لذلك يجب مشاركة كافة منظمات المجتمع المدني بحيث أن تمثل نفسها بالفعل. والرئيس يتحدث عن دولة ديمقراطية حديثة. هذا هو ما نسعى إليه جميعًا بالفعل، وسنواصل السعي نحوه”.

وأضاف: “لكن، مرت 100 يوم على إطلاق الاستراتيجية لكن لم يحرك أحد ساكنًا. هذا غريب لأن الاستراتيجية تم إطلاقها لتفعيلها وليس لمجرد أن تكون حبرًا على ورق. ونحن مصرين على العمل كل يوم وتفعيلها مهما كانت المعوقات”. واختتم بقوله “بصراحة. لو الأمن يرفع يده، سنستريح جميعًا”.

دفاعًا عن الاستراتيجية

في مقابل حديث إسحق الذي وصفه السادات مازحًا بأنه سيقود الحاضرين إلى “الكركاكون”. أشار النائب هادي مرجان، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ. إلى أن “الجميع يتعجل لتفعيل استراتيجية حقوق الإنسان”، حسب قوله.

ولفت مرجان إلى أن الاستراتيجية الوطنية ممتدة حتى 2026 “ونحن كلجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ نجتمع مرتين أسبوعيًا للنقاش حول كل البنود والتفاصيل المتعلقة بالاستراتيجية. لدينا أربعة محاور رئيسية نعمل عليها تشمل كل ما يخص حقوق الإنسان. وخلال المناقشات تخرج أفكار أخرى، منها حقوق المسنين التي نعمل عليها الآن”.

وأوضح رؤيته بأن مجلسي الشيوخ والنواب لو خرجا نهاية هذا الفصل التشريعي بقوانين وتشريعات تناسب مفاهيم كثيرة في الاستراتيجية فسيكون هذا فوز حقيقي.

ورد عضو مجلس الشيوخ أكمل نجاتي، على انتقاد إسحق حول تفعيل الاستراتيجية بقوله: “الاستراتيجية تم تفعيلها قبل وجودها. فقد بدأت الخطوات والتجهيزات ثم أعلِنت الاستراتيجية”.

وأعرب نجاتي عن رؤيته بأن مشروع حياة كريمة هو “مفتاح انطلاقة للمنظمات الحقوقية في مصر”.

وأضاف: “بمجرد الانتهاء منه سيرتفع سقف مطالب المواطن المصري من المقومات الاقتصادية والاجتماعية إلى الحقوق السياسية. هذه فرصة المنظمات الحقوقية لوضع استراتيجية للتوعية المصرية الخالصة”.

تناول الحاضرون مشكلة التمويل وتأثيرها على أداء وأهداف الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني

مشاكل التمويل

تناول الحاضرون مشكلة التمويل وتأثيرها على أداء وأهداف الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.  ومعضلة المنظمات التي يُشتبه في أهدافها أو أنشطتها المالية.

قال السادات: “نشكو أننا لا نأخذ حقنا. ولكن يجب أن تكون الأمور لدينا واضحة وأنشطتها معلنة وأوضاعها المالية مفهومة. فهناك دور ومسؤولية على القائمين على الجمعيات. وكذلك الأحزاب وقياداتها”.

بينما أشار نائب مجلس الشيوخ أكمل نجاتي إلى أن التمويل الأجنبي “ليس سُبَّة”، حسب تعريفه. شارطًا أن يكون خاضعًا للإجراءات الحكومية والرقابة.

وأضاف: “لكن بدلاً من كتابة مقترحات المجتمع المدني بناءً على نداء السفارات ومكاتب التمويل. فليتم عكس الأمر ونضع أجنداتنا وعليهم هم تمويلنا طالما تتواكب أهدافهم مع أجندتنا الوطنية. هذا يحدث في دول كثيرة”.

ما تريده الدولة وما يريده المجتمع المدني

دعا عصام شيحة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى عدم المزايدة واحترام كل من العاملين بالمجتمع المدني لخطاب الآخر “فالجميع هنا يعشقون تراب هذا الوطن”.

وأضاف: “الرئيس هو من أعلن 2022 عامًا للمجتمع المدني، وهو ما يعني توافر إرادة سياسية لدى الدولة لتفعيل دور المجتمع المدني. الدولة لم تحقق الكثير من إنجازاتها إلا بالشراكة مع المجتمع المدني، فهو الشريك الرئيسي الذي احتك بالناس”.

وأوضح: “يجب أن نعرف ما الذي تريده الدولة من المجتمع المدني، وما الذي يريده المجتمع المدني من الدولة. عند إجابة هذا ستنحل الكثير من الأمور”.

وأشار شيحة إلى أن المبادرات التي تقوم بها الدولة، سواء “حياة كريمة” أو “تكافل وكرامة”، تتم بمشاركة الجمعيات الأهلية “رغم أن ملف تطوير العشوائيات هو واحد من أبرز إنجازات أجهزة الدولة في الفترة الماضية، إلا أننا واجهنا هجومًا كبيرًا على المشروع دوليًا”.

وقال: “هناك جهات اتهمت مصر بالترحيل القسري للمواطنين من الأماكن العشوائية التي يقيمون بها. يرجع الأمر إلى اختلاف الثقافة بالفعل، لم يعرفوا كيف كيان الوضع وإلى أين صار”.

وأوضح شيحة أن هناك مشاكل كثيرة وفرص عديدة وتحديات أكثر للمجتمع المدني. وأن خطوات التنمية مرتبطة ببعضها البعض ولا يمكن تجزئتها أو البدء بجزء وإيقاف الآخر. فهذه الشراكة تحتاج إلى حوار جدي وموضوعي من أجل الوصول إلى نتيجة مرضية.

ولفت إلى أنه في اليوم الثاني لإعلان الاستراتيجية عقد اجتماع في مجلس الوزراء من أجل بحث آلية تنفيذها. كذلك أصدرت عدة جامعات أوراق بحثية وتوصيات حول الاستراتيجية “لكن هناك فجوة بين الإرادة السياسية التي تريد تحقيق إنجاز مجتمعي، وأجهزة الدولة التي تقوم بإحباط هذه التحركات لأنها تفكر بعقلية لا تناسب العصر”.

أوضح شيحة أن هناك مشاكل كثيرة وفرص عديدة وتحديات أكثر للمجتمع المدني

قمة المناخ

تطرق اللقاء إلى نقطة أخرى، وهي استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP 27 في العام المقبل. حيث أن مثل هذه الفعاليات تتضمن فعاليات أخرى موازية خارج القاعات الرسمية، يقوم بها نشطاء البيئة والمهتمين بالتغير المناخي.

قال السادات: “هل سيسمح لنشطاء ومنظمات المجتمع المدني بالتواجد في شرم الشيخ خلال القمة. وأن تقام فعاليات وتظاهرات ووقفات بشأن البيئة والمناخ كما حدث في قمتي باريس وجلاسكو الأخيرتين، حيث تظاهر النشطاء على تصرفات الدول الصناعية والاعتمادات المالية لمواجهة المناخ”.

وتابع: “هذه المخاوف موجودة في الخارج، ويتساءلون هل ستمنع الحكومة المصرية مثل هذه التظاهرات؟ فهؤلاء يعبرون عن آراءهم في مواجهة الدول الكبرى التي تسببت في تدمير المناخ، وليس لها علاقة بمصر. داعيًا الموجدين إلى التعاون للخروج بأفكار واقتراحات للمشاركة في قمة المناخ”.

وأضاف أن الرئيس اجتمع قبل أيام برئيس الوزراء والمسؤولين لمناقشة مثل هذه الأمور “فالقمة لن تضم وفود رسمية فقط، بل سيأتي من أجلها الكثير من منظمات المجتمع المدني والنشطاء. والذين سيأتون للتعبير عن آراءهم واختلافهم.  لذلك فإن المجتمع المدني المصري يجب أن يكون حاضرًا وله دور”.

وأضافت الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد العام لنساء مصر، أن مصر لديها تجربة سابقة ممتازة في استضافة مثل هذه الفعاليات. وهي قمة السكان 1994.

وقالت: لذلك ينبغي أن تكون جزءًا من خطة عمل العام المقبل للكثير من المنظمات هي كيفية التعاون لإنجاح هذا الحدث العالمي.