يسيطر الجمود على المحادثات النووية، في جولتها السابعة بفيينا، في وقت تتحدث واشنطن عن بدائل وخيارات جديدة وتتمسك طهران بموقفها. فهل فشلت المفاوضات؟ أم أن الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، خاصة بعدما منحت مجموعة السبع فرصة أخيرة لإيران في الملف النووي.

التطورات الحالية تبعث بمؤشرات على احتمالية إخفاق المسار الدبلوماسي لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في حل معضلة إحياء الاتفاق النووي. بينما تصر طهران على إلغاء كافة العقوبات الأمريكية، المتسببة في خسائر اقتصادية جمة، والحصول على ضمانات بعدم الانسحاب مجددا. على غرار ما حدث في عهد دونالد ترامب، عام 2018.

تململ أمريكي

في المقابل ترفض واشنطن الشروط الإيرانية، رغم إلغاء بعض العقوبات، وتتحرى مجموعة بدائل في حال انهيار الاتفاق النووي. ووصف السيناتور الجمهوري في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، جيم ريش، انخراط بايدن في محادثات فيينا بـ”تبديد للوقت”. وتساءل عن أسباب قبول واشنطن المحادثات غير المباشرة مع الطرف الإيراني، في حين يتفاوض الروس والصينيون والأوروبيون مع الإيرانيين مباشرة.

وعرج السيناتور الجمهوري على الموقف الإسرائيلي، والذي يقف على النقيض من الموقف الأمريكي “الدبلوماسي”. وأكد أن تل أبيب ترفض حصول طهران على القنبلة النووية، بغض النظر عن مسألة المحادثات النووي، والتوصل لأيِّ اتفاق. وتابع: “لا يمكن الوثوق بالنظام الإيراني. فالأموال التي سبق أن أفرجت عنها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما استخدمتها طهران لدعم منظمات إرهابية”.

جانب من مفاوضات فيينا

سيناتور أمريكي يقول إن انخراط بايدن في محادثات فيينا “تبديد للوقت” لاسيما أنها بطريقة غير مباشرة

مراوغة إيرانية

غير أن رئيس الوفد الإيراني في فيينا، علي باقري كني، الذي وصف المحادثات بأنها “حققت تقدمًا”. قال: “نحن جادون في المفاوضات ودخلناها بحسن نية وسنستمر كذلك”.

اللافت أن طهران التي أعلنت عودتها للمفاوضات النووية في فيينا، مؤخرًا، وللمرة الأولى، في عهد الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي. تتجه إلى مزيد من التشدد وتحقيق قفزات في مشروعها النووي، وكذا الصواريخ الباليستية. فمنذ الانسحاب الأمريكي حققت مجموعة من الخروقات في بنود الاتفاق النووي، تتمثل في زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم. وحظر وصول مفتشي الطاقة الدولية للمواقع النووية، السرية والعلنية.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي

إيران عهد الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي. تتجه إلى مزيد من التشدد وتحقيق قفزات في مشروعها النووي

وفي ظل تسيّد التيار الراديكالي القريب من المرشد الإيراني، علي خامنئي، المشهد السياسي، وهيمنته على مفاصل الحكم. بداية من البرلمان والقضاء وحتى مؤسسة الرئاسة، فإن الاتجاهات السائدة تؤشر إلى غياب البراجماتية والمرونة التي شهدتها المفاوضات الإيرانية في عهد التيار الإصلاحي. كما هو الحال في فترة حسن روحاني.

هل إيران قادرة على ضرب الخصوم؟

وتضاعفت ميزانية الحرس الثوري الإيراني، ضمن الميزانية المقترحة لعام 2022، والتي ستبدأ في مارس/آذار المقبل. ووفق البنود التي قدمها الرئيس الإيراني، ارتفعت ميزانية الحرس الثوري، بنسبة 58% عن السنة الماضية. ويضاف لذلك زيادة الدعم المخصص لـ”برنامج تعزيز الدفاع وبحوث الدفاع الاستراتيجي”، المسؤول عن الأنشطة البحثية والعسكرية، محليًا وإقليميًا.

ويشير موقع “أفكار نيوز” التابع للنظام في طهران، إلى أن “نفس النوع من تكنولوجيا الصواريخ الباليستية التي استخدمت في إطلاق قمر اصطناعي يمكن أن تحمل أسلحة نووية وكيميائية أو حتى بيولوجية لمحو إسرائيل من الخريطة. وتضرب قواعد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، والمنشآت الأمريكية. وتستهدف حلف شمال الأطلسي (ناتو) حتى في أقصى غرب أوروبا”.

وفي تقرير بعنوان “الأراضي الأمريكية الآن في مرمى القنابل الإيرانية”. أوضح الموقع الإيراني أنه “من خلال إرسال قمر اصطناعي عسكري إلى الفضاء، أظهرت إيران أن بإمكانها استهداف كل الأراضي الأمريكية. وأن البرلمان الإيراني وجه في السابق تحذيرًا بأنّ هجومًا نوويًا كهرومغناطيسيًا على الولايات المتحدة من المرجح أن يقتل 90% من الأمريكيين”.

الطموح الفضائي لإيران

وبالتزامن مع تلك التطورات، كشفت وكالة الأنباء الأمريكية “أسوشيتد برس”، أن إيران تعتزم إطلاق صاروخ فضائي حسبما سجلت الأقمار الصناعية. ورصدت الصور عملية الإطلاق المحتملة من قاعدة الإمام الخميني. ولفت جيفري لويس، الخبير في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار والذي يدرس برنامج طهران، إلى أن “كل هذا يتناسب مع التركيز المتجدد على الفضاء من قبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي”.

كما تكشف صور الأقمار الصناعية وجود نشاط “في قاعدة جوية في المناطق الصحراوية بمقاطعة سمنان الريفية الإيرانية. على بعد حوالي 240 كيلومترا (150 ميلًا) جنوب شرقي طهران”.

إطاران للخلاف في فيينا

يبرز مدير المركز العربي للدراسات الإيراني محمد صالح صدقيان، في تحليله المنشور، دائرتين خلافيتين بين المتحاورين في فيينا. وتحديدا بين إيران من جهة والدول الأوروبية والولايات المتحدة من جهة أخرى. ويضيف: “الدائرة الأولی المعلنة هي خفض التصعيد في البرنامج النووي الإيراني، إضافة إلی آلية إزالة (عقوبات دونالد ترامب). أما الدائرة الثانية غير المعلنة هي النقطة التي يحاول الجانب الأمريكي مناقشتها مع الجانب الإيراني سواء في هذه الجولة أو بعد التوصل إلى اتفاق. وهي المتعلقة بالصواريخ الإيرانية البالستية ونفوذ إيران الاقليمي، وهما قضيتان تمسان ما يسمى “الأمن القومي الإسرائيلي”.

وحتى الآن، يرفض الجانب الإيراني القبول بمناقشة الدائرة الثانية ولا يقبل إدراج أي فقرة تشير إلی ذلك مستقبلاً. بحسب صدقيان. أما الدائرة الأولی، فهو يناقشها من خلال طرح تصوراته بشأن “مسودة القرار” التي تم التوصل إليها قبل يونيو/حزيران الماضي. أي بعد إعلان الوفد الإيراني اعترافه بنتائج الجولات التفاوضية السابقة في زمن حكومة الرئيس حسن روحاني.

“المفاوضات ليست عادية أو بسيطة. إنها معقدة وعميقة؛ لأنها لا يقتصر علی البرنامج النووي الإيراني علی أهميته. وإنما يرتبط بمستقبل منطقة الشرق الأوسط”.

القضية أبعد من المفاووضات النووية

ويردف: “المفاوضات ليست عادية أو بسيطة. إنها مفاوضات معقدة وعميقة؛ لأنها ترتبط بموضوع شائك ومعقد لا يقتصر علی البرنامج النووي الإيراني علی أهميته. وإنما يرتبط بمستقبل منطقة الشرق الأوسط.

ولم تشهد المفاوضات بين إيران والمجموعة الغربية ضغوطاً كالتي تشهدها الجولة السابعة. وهي ضغوط تأتي من عواصم متعددة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف إرغام الجانب الإيراني على تقديم تنازلات يطالب بها الجانب الأمريكي. وبطبيعة الحال، إسرائيل ليست بعيدة عن هذه الضغوط من خلال تلويحها المتزايد بشن هجوم عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني. في الوقت الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت يزور الولايات المتحدة ثم الإمارات، والهدف واحد ألا وهو التحشيد ضد إيران.

الحضور الإسرائيلي في المشهد

كما أن إسرائيل “تحاول السير بمسارين. الأول مساعدة المفاوض الأمريكي من خلال لهجة التصعيد بالخيارات العسكرية ضد إيران. والمسار الثاني من خلال العمل علی توريط بعض الدول الخليجية في أي تصعيد محتمل وفق الخيارات التي تضعها تل أبيب. إلا أن مصادر مواكبة تؤكد أن الدول الخليجية لا تريد الإنجرار إلى أي مغامرات عسكرية إسرائيلية حتی وإن كانت هناك خلافات بينها وبين إيران. لكن هذه الخلافات لا ترقى إلى أن تكون محفزاً للوقوف مع إسرائيل في حرب ضد إيران. أما إمكانية شن إسرائيل حرباً ضد إيران من دون غطاء عسكري أمريكي، فمن السذاجة تصور ذلك حالياً. وبالتالي ثمة اعتقاد بأن الأجواء غير مواتية لمثل هذا الخيار الإسرائيلي”.

إلى ذلك، تقوم الولايات المتحدة، بحسب ما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الثلاثاء الماضي ببحث بدائل وخيارات جديدة في حال فشل المفاوضات النووية. وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الإندونيسية جاكرتا: “قريبا يفوت الأوان، ولم تنخرط إيران بعد في مفاوضات حقيقية”. كما شدد على أنه “ما لم يحصل تقدم سريع.. فإن الاتفاق النووي الإيراني سيصبح نصًا فارغًا. ما نراه حتى الآن هو أن إيران تهدر وقتًا ثمينًا في الدفاع عن مواقف لا تنسجم مع عودة”.