في غياب رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران واعتذار “مستقبل وطن” أقيمت ندوة “الأحزاب السياسية.. حصار من السلطة أم ضعف من الأحزاب”. والتي نظمها مركز “دعم وتنمية الإعلام “دام”. وقد جمعت الندوة 3 من رؤساء أحزاب المعارضة المصرية. وهم مدحت الزاهد رئيس “التحالف الشعبي الاشتراكي” وأحمد الطنطاوي رئيس “الكرامة” وعبدالمنعم إمام رئيس حزب العدل. فيما أدر الندوة الصحفي عمرو بدر.
محاور الندوة شرحت بعمق أزمة الأحزاب السياسية في مصر. فيما تفاعل الحاضرون بنقاش ساخن حول مسؤولية كل طرف عن التراجع الذي تشهده الحياة الحزبية في مصر منذ 2016. أي بعد إجراء أول انتخابات برلمانية عقب ثورة 30 يونيو. ما أسفر عن مجلس يسيطر عليه الموالون مع تمثيل محدود للمعارضة تمثل في نواب “25/30”.
هل تحاصر السلطة الأحزاب؟
قال أحمد الطنطاوي -رئيس حزب الكرامة- إنه لا توجد رغبة حقيقية لدى السلطة لوجود عمل سياسي حقيقي. فضلا عن وجود اتجاه عام ممنهج بصرف الناس عن القضايا الكبرى لصالح قضايا أخرى.
وفقا لرئيس “الكرامة” فالحصار ليس مفروضا على الجميع “فالسطلة تكيل بمكيالين مع الأحزاب حيث توجد مجموعة أحزاب ترعاها السلطة وتسمح بانتشارها”. وتابع: “وهناك مجموعة تبقيها على قيد الحياة بإرادتها ومجوعة ثالثة تعاني من التضييق والحصار ولا توجد رغبة في وجودها من الأساس”.
“الطنطاوي” اتهم السلطة السياسية بدعم ورعاية حزب “مستقبل وطن” -حزب الأغلبية البرلمانية- ما وفر له الحماية القانونية في ارتكاب أخطاء دستورية وقانونية –حسب قوله.
صور التضييق على حزبه أبرزها “الطنطاوي” في ملاحقة شباب الحزب دون اتهامات واضحة. فضلا عن منع حزبه من تنظيم مؤتمراته وامتداد ذلك للضغط على قيادات بالحزب للاستقالة من مناصبهم حتى لا ينالوا جزاء الآخرين.
وتساءل الطنطاوي: “كيف أطالب أعضاء حزبي بالعمل ولديّ 29 عضوا بالحزب تعرضوا للحبس دون اتهامات”. وتابع: “كثيرون منهم يتعرضون لتهديدات مباشرة. فيما يدفع زملاؤنا من حياتهم وحريتهم سنوات خلف القضبان لمجرد تفكيرهم في خوض انتخابات البرلمان”.
عبدالمنعم إمام -رئيس حزب العدل وعضو النواب- قال إن التضييق على المعارضة لا يمكن فصله عن السياق الأمني والوضع الاستثنائي الذي عاشته البلاد منذ 2013. لافتا إلى ما تخلل هذه الفترة من عمليات إرهابية استهدفت مؤسسات الدولة. ما استلزم عدم التوقف عن العمل والانزواء داخل المقار بل استثمار الفرص المتاحة للعمل السياسي.
أحزاب في نار الحبس الاحتياطي
لم ينف “إمام” أن المعارضة دفعت فاتورة كبيرة خلال الفترة الماضية واكتوى شبابها بنار الحبس الاحتياطي. لكنه رفض أن ترتكن إلى هذه الحالة. ودعاها إلى بذل مزيد من الجهد للحفاظ على الحركة السياسية.
ودافع رئيس حزب العدل عن مشاركتهم في قائمة “مستقبل وطن” في ظل الانتقادات التي تعرضت لها أحزاب العدل والإصلاح التنمية والمصري الديقراطي الاجتماعي. وذلك بعدما شاركت تحت لواء “مستقبل وطن”. وقال: “الحكم يجب أن يكون على التجارب والتأثير. فالمقاطعة السياسية لم تؤت ثمارها منذ 2010”.
“إمام” يرى أن الوضع الآن أفضل من الفترات السابقة التي شهدت احتجاز أعداد كبيرة من أعضاء الأحزاب. مدللا على ذلك بوجود شباب تبوؤوا مناصب تنفيذية بالدولة وهو ما لم يكن موجودا في فترات سابقة. في إشارة منه إلى تعيين عدد من أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب السياسية كنواب لمحافظين.
لكن “الطنطاوي” نفى أن يكون شباب حزب الكرامة قد منحت لهم فرص مماثلة كالتي منحت لأحزاب محسوبة على المعارضة. سواء بتعيينهم كنواب محافظين أو اختيارهم في مناصب أخرى. ولفت إلى أنه سبق وطُلب منه حينما كان عضوا بالبرلمان أن يحضر أحد مؤتمرات الشباب السنوية التي نظمت تحت رعاية رئاسة الجمهورية في شرم الشيخ لكنه اعتذر “لعدم وجود دور واضح له”. وقال: “لم يبلغني أحد بالهدف الحقيقي لوجوده بين المنظمين”.
ورسم “إمام” تركيبة الوضع السياسي الحالي في مصر من خلال “عدم وجود حزب للرئيس.. فالأحزاب الموجودة ذات كتل محدودة في البرلمان وأحزاب أقلية معارضة لا تملك هيئات برلمانية”.
وأشار إلى أن مصر ينشط بها نحو 40 حزبا سياسيا على الأكثر من أصل 106 أحزاب. بينما لا نعلم شيئا عن نحو 60 حزبا معترفا بها ولا تزاول مهنة السياسة. وطالب أحزاب المعارضة بإعداد مشروع قانون جديد للأحزاب يعالج “تشوهات” القانون الحالي وتحديدا الجزء المتعلق بتمويل أنشطة الحزب.
في انتظار الفرصة
“الدولة لم تترك فرصة لأحزاب المعارضة لتمارس أنشطتها بشكل طبيعي وتزعم أنها لا تضيق على عملنا فيما توصد جميع المنافذ في وجوهنا”. هكذا قال مدحت الزاهد –رئيس حزب التحالف الشعبي- والذي أضاف أن ذلك النهج “تسبب في انسداد الأفق وتراجع عمل الأحزاب في السنوات الماضية”.
يشير “الزاهد” إلى أن النظام تحكم بشكل كامل في اختيار أعضاء البرلمان عبر القوائم المغلقة. فيما لم يتقرر وجود انتخابات المحليات الغائبة منذ 10 سنوات. وتابع: “النظام أحكم قبضته على جميع النقابات ولم يترك نافذة واحدة أمام الأحزاب المستقلة لتعمل بها”.
اتهامات بالضعف
المحور الثاني لندوة “دام” جاء للنقاش حول مقولة شائعة في الشارع المصري وهي “الأحزاب بتعمل إيه؟”. فضلا عن الاتهامات الموجهة إليها من قبل السلطة والجمهور بأنها لا تطرح البدائل وتكتفي بالضجيج.
ورغم اختلاف “الزاهد” و”الطنطاوي” على اتهام الأحزاب بالكسل والاكتفاء بمعارضة الحكومة. إلا أن عبدالمنعم إمام رأى أن الأحزاب ينقصها التفاعل مع قضايا الشارع. وتابع: “يجب أن تركز الأحزاب في خطابها على القضايا العامة أكثر من قضايا الحريات حتى لا تتحول إلى جماعات حقوقية”. واستدل على ذلك بأن بيانات بعض الأحزاب في السنوات الأخيرة “باتت قاصرة على رفع شارة الإدانة”.
وطالب الأحزاب بـ”التفكير في المستقبل أكثر من انتقاد الماضي” محملا إياها جزءا من مسؤولية ابتعادها عن المشهد وتثبيت انطباعات المواطن بأنها “لا تعمل لصالحه”.
أما “الزاهد” فقال إن البعض يستستهل انتقاد الأحزاب دون وضع الأمور في نصابها. فيما أشار إلى أن الأحزاب حاولت تقديم رؤى اقتصادية متكاملة عبر خبراء لكن لم ينصت لها أحد.
لكن “الزاهد” يتفق مع “إمام” أن الأحزاب “لا تجتهد بالقدر الكافي لكسر الحصار المفروض عليها”. وذلك لن يحدث إلا عن طريق الانتشار ومخاطبة شرائح مختلفة بأكثر من طريقة حتى تتغلب على قيودها.
“الطنطاوي” دلل على عدم صحة ما وصفه بـ”ادعاءات عدم عمل الأحزاب” بمشاركته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة رغم ما أحاطها من “مخاطر” -حسب تعبيره.
وذكر رئيس حزب الكرامة أنه ترشح للانتخابات الماضية لإعلاء المصلحة الوطنية وإيصال رسائل إلى السلطة بوجود كتلة غاضبة تعبر عن رأيها في الصناديق. ورفض أن يشارك في عملية سياسية كـ”ديكور”. حيث قال: “كان متاح نحصل على مقاعد برلمانية دون انتخابات لكن رفضنا”.
“الطنطاوي” انتقد الأداء العام للسلطة التفيذية والتشريعية في البلاد. إذ قال: “الأداء العام من سيئ لأسوأ وحكومات ما قبل 25 يناير أفضل بكثير من الحكومات الحالية وأداء السلطة السياسية قبل 25 يناير أفضل من أداء السلطة الحالي”.
مستقبل عمل الأحزاب في مصر
الخروج من هذا النفق كان مطروحا على طاولة الحوار بين رؤساء أحزاب “التحالف الشعبي الاشتراكي والكرامة والعدل”. إذ اتفق الثلاثي على وجود رغبة حقيقية لدى الجميع لاستمرار النشاط الحزبي وعدم الارتكان لدعوات التجميد التي انتشرت سابقا احتجاجا على عدم وجود بيئة عمل سياسي.
عبدالمنعم إمام توصل إلى ضرورة أن تتبنى أحزاب المعارضة مشروع قانون لتعديل قانون الأحزاب الذي بدأ العمل به في 1979. وذلك لإعادة ضخ الدماء في شرايين الحياة السياسية المصرية. كما دعا لانتهاج الأحزاب أساليب أخرى في الحوار مع السلطة وخطابها مع الشارع. بحيث تتحلى بالمنهج العلمي في التقييم والنقد بدلا من الشعارات وعدم التوقف عن طرح البدائل والرؤى.
أما “روشتة الزاهد” فكانت تمسك المعارضة ببصيص الأمل واستغلال الفرص المتاحة في إطار يتناسب مع قيم المعارضة وخطها السياسي. فيما تمسك “الطنطاوي” بإزالة السلطة جميع المعوقات حتى يستطيع الحزبيون العمل دون ضغوط في مناخ صحي لممارسة العمل السياسي.