«لم أجد الأمان في بلدي ولذلك هربت».. هكذا وثقت المدافعة عن حقوق الإنسان القطرية نوف المعاضيد، ظروف معيشتها في قطر بعد هروبها إلى بريطانيا وطلب اللجوء السياسي. ورغم استجابتها لطلب الحكومة القطرية بالعودة إلى بلادها مع وعد بحمياتها، إلا أنها أصبحت مفقودة مع أنباء عن قتلها من قبل أهلها.

بإطلالة يكسوها البراءة، قالت نوف (23 عامًا)، عبر مقابلة تليفزيونة أثناء تواجدها في بريطانيا: «ما في قانون يحميني في قطر. إذ قررت السكن بمفردي وقام الأهل بخطفي وإرجاعي بقوة للمنزل والتعدي عليَّ. وهذا صار من قبل مع بنات أخريات في قطر، حيث تم وضع تلك البنات في مصحات نفسية أو في السجن. أو في ملاجئ تسمي ملاجئ الأمان، وهي نوع مقنن من السجون في قطر».

من هي نوف المعاضيد؟

نوف المعاضيد، ناشطة ومدافعة عن حقوق المرأة قطرية الجنسية، ارتبط اسمها بقضية العنف المنزلي في الدولة الخليجية. ولاقت قضيتها تفاعلاً كبيرًا بالأوساط الحقوقية، خصوصًا بعد هروبها إلى بريطانيا عبر أوكرانيا في 26 نوفمبر 2019. وذلك عقب استخدام هاتف والدها واستخدام تطبيق حكومي لمعالجة تصريح الخروج. ثم خرجت من نافذة غرفة نومها لتذهب إلى المطار، وذلك بمساعدة السفارة البريطانية بقطر.

وقررت نوف العودة إلى قطر في 30 سبتمبر الماضي، وسحب أوراق اللجوء السياسي لدى بريطانيا. وذلك عقب تعهد الحكومة القطرية بحمايتها وتوفير حراسة أمنية لها. وبعد أسبوعين من عودتها تحدثت نوف عن مخاطر تهدد حياتها، ومحاولات لاغتيالها من قبل أهلها. وتحدثت عن وجود تقصير في الحراسة الأمنية لها، وذلك قبل أن تختفي نهائيًا في 13 أكتوبر الماضي.

غموض حول مصيرها

شكك البعض في تصريحات نوف فور خروجها من قطر. وقتها قالوا إن للقضية بعدًا سياسيًا ضد الدوحة، إلا أن ما حدث مع الفتاة فور عودتها إلى بلدها، كشف صدق ما ذكرته عن الأوضاع المذرية لحقوق المرأة داخل الدولة الخليجة. وأصبح مصير نوف غامضًا بعد انقطاع كافة قنوات التواصل معها، وغيابها عن منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها.

ونشر مركز الخليج لحقوق الإنسان، تقريرًا يوم الخميس 16 يسمبر، أشار فيه إلى ورود تقارير مقلقة متكررة تفيد باحتمال احتجازها بمعزل عن العالم الخارجي أو حتى قتلها. وأنه على الرغم من جهود المركز للتحقق من هذه التقارير المقلقة للغاية واكتشاف مكان وجودها، لكن الحكومة القطرية رفضت التعليق.

وجاء في التقرير أن مسؤولاً قطريًا تحدث، شريطة عدم الكشف عن هويته، لمركز الخليج لحقوق الإنسان قائلاً «كبار المسؤولين أصدروا تعليمات صارمة بعدم التعليق علناً على هذه القضية». وهذا يترك تساؤلات وشكوكا كبيرة حول سلامتها وظروفها.

وأوضح المركز الحقوقي أن السلطات القطرية أبلغت- دون أن تنسب معلومات إلى أي شخص أو إدارة معينة في الحكومة- وسائل الإعلام وآخرين أنها بخير وبصحة جيدة. لكنها لم تقدم أي دليل يثبت صحة هذا الادعاء.

لماذا انتشر خبر الوفاة؟

وخلال الأيام الماضية، أصبح خبر وفاة الحقوقية القطرية تريند على مواقع التواصل الاجتماعي. وسط أنباء في العديد من المنصات الإخبارية العربية حول وفاتها. وذلك بعد أن نشر مركز الخليج لحقوق الإنسان نداءه الأخير على نطاقٍ واسع في 14 ديسمبر/كانون الأول 2021. والذي كان يهدف إلى إلقاء الضوء مرة أخرى على قضيتها والوصول إلى حقيقة ما حدث لها. بعد أن تلقى المركز العديد من التقارير من مواطنين قطريين داخل وخارج قطر تحتوي على معلومات مختلفة غير مؤكدة. تشير بعض هذه التقارير إلى مقتلها إمّا في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أو في وقتٍ لاحق من قبل عائلتها. أو تزعم أن عائلتها تحبسها في منزلهم.

وكانت نوف قد نشرت عدة تدوينات على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». أشارت فيها إلى تعرضها لمحاولة اغتيال عدة مرات، وطلبت الحماية من أمير قطر. وقالت: «الشيخ تميم الوحيد اللي يقدر يوقف الخطر اللي على حياتي بيديه». وذلك قبل أن تتوقف عن النشر في 13 أكتوبر، وحتى اليوم.

فيما نقلت وسائل إعلامية عن الجارديان البريطانية تصريحات منسوبة إلى مسئول قطري دون الكشف عن هويته، نفى بها وفاة نوف. وقال: «من غير الممكن التحدث علنا مع نوف في الوقت الحالي، بسبب طلب الخصوصية».

 معاناة النساء في قطر

«هناك قوانين تمييزية ضد المرأة في السكن والعمل، وغير مسموح للمرأة القطرية تحت عمر الـ25 سنة بالسفر إلا بتصريح. وأن جريمتها في ذلك أنها غير متزوجة، ولذلك تصبح محبوسة في منزلها بتهمة عدم الزواج. وكذلك المرأة القطرية لا يسمح لها بالعمل في الجهات الحكومية إلا بتصريح من ولي أمرها».. هكذا وثَّقت نوف أوضاع المرأة القطرية عقب هروبها إلى لندن.

«ما دعاني للجوء إلى دولة أخرى غير بلدي هو وقف التعنيف الذي أعاني منه من أهلي. وعدم وجود حماية لي من قبل الدولة، وضحيت بوجودي في بلدى وجامعتي والامتيازات التى يحصل عليها القطريون. من أجل إنهاء تلك المعاناة، حيث إن الدولة ترفض دعم حقوق المرأة ولا تقف أمام ممارسات الأهل الناتجة عن التراث الديني».

وأضافت في تصريحات متلفزة: «في كل البلاد هناك تعنيف من الأهل ضد البنات. ولكن الفرق أن في بلدي لا يجرمون التعنيف، عكس بلاد الغرب التى تجرم هذا الأمر. وبعد خروجي كانت هناك مئات البنات في بلدي تحدثن معي عن تجربتي للاستفادة منها في إنهاء معاناتهن. قائلين لي: (بدنا نهرب مثلك)، وأنا لا أشجع أحدا على الهروب».

قواعد الولاية

وفي تقرير نشر في وقت سابق من هذا العام، قالت هيومن رايتس ووتش، إن القواعد الغامضة بشأن ولاية الرجل تترك المرأة في قطر بدون حريات أساسية. ووجد الباحثون أنه لا يمكن للمرأة أن تكون الراعية الأساسية لأطفالها، حتى لو كانت مطلقة أو توفي والد الأطفال. وإذا لم يكن للطفل قريب ذكر ليقوم بدور الوصي، تتولى الحكومة هذا الدور.

ونظر الباحثون الذيين توصلوا إلى هذا التقرير في 27 قانونا تغطي العمل والسكن والوضع الاجتماعي. ووجدوا أنه يجب على النساء الحصول على إذن من «الأوصياء» الذكور- الآباء والأخوة والأعمام والأزواج- لممارسة العديد من الحقوق الأساسية.

وتحدثت سيدات لـ«هيومن رايتس ووتش» عن أن أولياء أمورهن رفضوا السماح لهن بالقيادة أو السفر أو الدراسة أو العمل. بالإضافة إلى الزواج من شخص من اختيارهن. وتحدثن بعضهن عن تأثير ذلك على صحتهن العقلية، حيث ساهم ذلك في إيذاء النفس والاكتئاب والتوتر والأفكار الانتحارية. فيما ذكرت أخريات أنه طُلب منها إثبات الزواج للحصول على بعض الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية. بما في ذلك رعاية ما قبل الولادة.

اغتصاب وعنف أسري بموافقة القانون

وقالت الكاتبة القطرية عائشة القحطانى إن فكرة الهروب تراود العديد من الفتيات في دول الخليج. لكن ذلك لا يعني «جدية» الجميع في قرار المغادرة. لكنهن على الأقل، يحدثن أنفسهن بذلك ويقلبن فكرة «الخلاص»، ولو لمرة واحدة في العمر.

«باستطاعتنا تقسيم أسباب مغادرة الفتيات الخليجيات أوطانهن إلى سببين رئيسيين، اجتماعي وسياسي. وهو تقسيم يرتبط بأنواع اللجوء في الدول الغربية ذاتها؛ اللجوء (الإنساني) و(السياسي). على أن ذلك لا يمنع أن يجتمع السببان معًا في حالة واحدة».

 

وتضيف عائشة في مقال لها: «تتبلور وتستمر مسوغات اللجوء الإنساني بسبب إجحام القانون في دول الخليج. وسلبيته في التعامل مع الانتهاكات التي تطال المرأة في هذه البلدان. ويمثل العنف الأسري– على سبيل المثال– جريمة اجتماعية تحدث تحت حماية قوانين الدولة ورعايتها. وعليه تقع المسؤولية التامة على عاتق مشرعي القانون، ولو كان القائم بهذا الانتهاك هو عنصر مجتمعي. وهذا الوضع هو ما ساهم ويساهم في انتشار هذا العنف، بل وتوارثه جيلًا بعد جيل.

وذكرت الكاتبة القطرية «في قطر، لا يعد (الاغتصاب الزوجي) أو (العنف المنزلي) جريمة بخلاف المادة 57 من القانون رقم 22 لسنة 2006 الخاص بالأسرة والأحوال الشخصية. التي تمنع الأزواج من إيذاء زوجاتهم جسديا أو معنويًا والأحكام العامة المتعلقة بالاعتداء. بالإمكان في هذا السياق مراجعة تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش 2018».

المرأة الخليجية في القاع.. وأمير قطر مدان

وتقول إلهام عيداروس، باحثة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، إن حال حقوق المرأة في الوطن العربي متدنٍ. ولكن الوضع في دول الخليج أسوأ وأسوأ، وتعد المرأة الخليجة في قاع العالم من الحقوق والحريات الخاصة بها. وهذا ليس مقصورًا على قطر فقط وقضية نوف، ولكن هى أوضاع كل دول الخليج بما فيها الإمارات والسعودية. فهم اختلفوا في كل شيء لكنهم اتفقوا على قهر المرأة.

وتقول عيداروس لـ«مصر 360»، إن دول الخليج تسوِّق لنفسها في العالم بأنها دول متحضرة في كافة الماجلات. إلا أن المرأة لا ينالها من هذا الأمر شيئًا، وما تقوم به بعض الدول أحيانا من منح حقوق المرأة– كما حدث في السعودية بالفترة الأخيرة– يتم وفقا لمقايضة سياسية مع الطاقة النسائية الخليجة المتعلمة لتكون جزءًا من السلطة الجديدة. وتستفيد من بعض المزايا، مع التنازل الكامل عن الحقوق الديمقراطية، بل وعدم الدفاع عن الناشطات الحقوقية التى يتم التنكيل بها.

وتضيف: «المجتمع الدولى يستطيع الضغط على الدول بخصوص حقوق الإنسان، ولكن لا يعتبر ذلك من ضمن أولياته. ولا يُظهر الضغوط إلا من خلال المنظمات الحقوقية الغربية، حتى آليات التعقب القانونية التى تتيحها بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان عاجزة عن تحقيق العدالة ضد جرائم حقوق الإنسان في ظل آليات أدبية غير ملزمة للدول. ولا يتم مناقشة الشكاوى، إلا بعد استنزاف كافة آليات التقاضي المحلية، ذلك إذا ما كانت تلك الدول موقعة على الاتفاقية».

وعن مصير نوف، تقول عيداروس: «في حال توثيق وفاتها، أو تعرضها لأي انتهاكات مع إخفائها، فإن أمير قطر سيكون مسئول أمام العالم كما في قضية مقتل الكاتب الصحفي السعودي خاششجي. فهو من أعطى الأمان لها لتعود من بريطانيا».