تسببت سلسلة التعديلات الضريبية التي تسعى وزارة المالية لإقرارها في اشتباك لا نشهده عادةً بين الحكومة ومجلس النواب. بعد أن وجه الأخير انتقادات عنيفة لأداء وزارة المالية، وصلت إلى درجة مطالبتها بأن “تتقى الله في المواطن”.
قدمت وزارة المالية سلسلة تعديلات تتضمن قوانين القيمة المضافة والدمغة، ورسم تنمية الموارد المالية للدولة. وقد تباينت فيها المبررات بين دعم الصناعة في تعديلات القيمة المضافة، وبين توفير موارد تساعد الدولة على تحسين أحوال المواطنين على مستويّي المعاشات والمرتبات.
أظهرت تعديلات قانون القيمة المضافة تخوفات حكومية من عدة تحديات تواجه الاقتصاد. وكان في مقدمتها موجة التضخم العالمية، والمشروعات الموازية لقناة السويس. فضلاً عن تضرر قطاع السياحة والطيران من المتحورات المتتالية لكورونا.
مشكلة قانون القيمة المضافة.. الضريبة العمياء
الأزمة هنا، أن أي تعديل على قانون القيمة المضافة يحمل حساسية من قبل الجمهور. ذلك لأنها ضريبة “عمياء”، لا تستهدف فئة بعينها. وهي غير مباشرة، تضاف على قيمة السلعة أو الخدمة. بينما يتحمل أعبائها المستهلك مباشرة. وبالتالي أي تخفيض أو رفع لها، يعنى تقليص أو زيادة الأعباء على المواطنين.
كانت تلك الحساسيات وراء المعركة غير المتكررة كثيرًا بين وزارة المالية ومجلس النواب. إذ انتقد البرلمان الوزارة، وأجرى تعديلات على بعض المواد، في مقدمتها فرض ضريبة على الصابون والمنظفات المنزلية بنسبة 14%، لتظل ضمن سلع الجدول عند 5%.
أيضًا، تضمنت تعديلات القيمة المضافة إقرار بعض الأحكام لإخضاع تعاملات التجارة الإلكترونية للضريبة بسهولة. من بينها التخلي عن مبدأ تعيين ممثل قانوني. وفي الوقت ذاته خفضت الضريبة على المحال التجارية التقليدية إلى 10% بدلاً من 14% لإنعاش حركة التجارة.
تعديلات ضريبية لدعم الصناعة
ركزت تعديلات القيمة المضافة على دعم الصناعة. فتعددت الإعفاءات على الخدمات المرتبطة باللوجسيتيات والسياحة والطيران، مساهمةً في مواجهة تأثيرات عودة متحورات كورونا على الاقتصاد العالمي.
وقد تضمنت التعديلات إعفاءات الدواء والأمصال واللقاحات والدم ومشتقاته من أكياس جمع الدم ووسائل تنظيم الأسرة والمقاعد ذات عجل وأجزاءها وقطعها المنفصلة. بالإضافة إلى أعضاء الجسم الصناعية وأجزائها، وأجهزة تسجيل السمع للصم وأجزاءها، وغيرها من الأجهزة التي تلبس أو تحمل أو تزرع في الجسم لتعويض نقص أو عجز أو عاهة وأجزائها ولوازمها ومرشحات الكلى الصناعية، وحضّانات الأطفال.
وشملت تضمنت الإعفاءات أيضًا: منتجات المطاحن عدا الدقيق الفاخر المستورد أو المخمر المستورد من الخارج. فضلاً عن المنتجات الزراعية التي تباع بحالاتها الطبيعية. وذلك بما فيها البذور والتقاوي والشتلات، والخضر والفواكه المصنعة محليًا، عدا العصائر والبقول والحبوب وملح الطعام والتوابل المصنعة.
إعفاءات لإنقاذ أسواق الدواجن والماشية
كذلك، تم إعفاء أغذية محضرة للحيوانات والطيور والأسماك كإضافات ومركزات الأعلاف، فيما عدا ما يستخدم لتغذية القطط والكلاب وأسماك الزينة، وأيضًا إعفاء الباجاس (مخلفات القصب) وعجائن الورق وورق الصحف وورق الطباعة، والكتابة، والنقود الورقية والمعدنية المتداولة، والعملات التذكارية والأقراص الخام المعدة لسكها.
منذ أشهر، تعاني مزارع الماشية والدواجن والمزارع السمكية من ارتفاع كبير بأسعار الأعلاف التي يتم استيراد الغالبية العظمة منها من الخارج. إذ قفز سعر الذرة المستوردة إلى 5350 جنيهًا للطن. بينما وصل سعر طن العلف النهائي إلى 8700، بزيادة 500 جنيه خلال أيام قليلة.
قفزت التقاوي المستوردة أيضًا ليصل سعر طن تقاوي البطاطس المتداولة في السوق موسم 2021-2022. ذلك بنسبة 54% إلى 18.5 ألف لنوع “إسبونتا” للطن للتجزئة، مقابل 11.5 ألف جنيه للطن الموسم الماضي.
تسببت الأعلاف في ارتفاعات قياسية لأسعار اللحوم قبل شهور، لتسجل الحمراء إلى 170 جنيهًا، والبيضاء لمستوى 30 جنيهًا، والبيض في بعض الأحيان إلى 60 جنيهًا.
لدى البنك المركزي ووزارة المالية مستهدف بالإبقاء على التضخم عند مستويات 5 و7%. وهو أمر لا يزال ممكنًا إلى الآن. لكنه غير مضمون مستقبلاً مع ارتفاع التضخم عالميًا لأعلى مستوى في العديد من الدول المصدرة. الأمر الذي سيتسرب إلى السوق المحلية.
تعديلات ضريبية لحماية القناة ودعم السياحة
التعديلات شملت أيضًا قناة السويس، بإعفائها من القيمة المضافة، إلى جانب إعفاء الخدمات التي تقدمها مثل التزود بالطعام والمواد البترولية. ذلك بغرض حمايتها وتعزيز قدرتها على مواجهة منافسيها، في ظل ظهور العديد من المشروعات البديلة لها، والتي تراهن على التكلفة الأقل.
تعاملت التعديلات مع الخدمات والسلع المصنعة بمشروعات المناطق والمدن الحرة والمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة معاملة السلع المستوردة من الخارج عند سحبها للاستهلاك أو الاستعمال المحلي، بما يخفض أسعارها بالسوق المحلية.
كما أعفت التعديلات الجديدة خدمات الصرف الصحي، وتنقية أو تحلية المياه، عدا المياه المعبأة. بما يستهدف دعم مبادرات محلية مثل “حياة كريمة”، لمد مظلة الشبكات للقرى الأكثر احتياجًا.
استحدثت التعديلات حكمًا جديدًا لتيسير رد الضريبة لمغادرة البلاد من الأجانب. ذلك لتنشيط السياحة التسويقية الوافدة، وحثهم على اقتناء المنتجات المصرية لدى عودتهم لبلادهم. إذ يحق لهم لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، استرداد الضريبة السابق سدادها للبائع المسجل عن مشترياته لسلع خاضعة للضريبة، بشرط ألا تقل قيمة مشترياته بالفاتورة الواحدة عن 1500 جنيه، ويتم خروج مشترياته من البلاد صحبته أو بأي وسيلة أخرى.
كما أعفى أيضًا الطائرات المدنية، ومحركاتها، وأجزائها، ومكوناتها وقطع غيارها، والمعدات اللازمة لاستخدامها. وكذلك الخدمات التي تقدم لهذه الطائرات داخل الدائرة الجمركية. سواء كانت هي أو محركاتها أو أجزاؤها، ومكوناتها، وقطع غيارها، ومعداتها والخدمات التي تقدم لها، مستوردة أو محلية. وأيضًا تأجير أو استئجار تلك الطائرات.
خلط كبير أحدثته رسوم تنمية الموارد
نجحت المالية في نيل الموافقة المبدئية على تعديلات القيمة المضافة. لكنها لم تحقق الأمر ذاته مع تعديل قانون ضريبة الدمغة، وقانون فرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة، اللذين تقرر تأجيل مناقشتهما، لمزيد من الدراسة و”حتى ينحازا للمواطن”.
تضمنت التعديلات التي ترغب فيها الوزارة: 1% على وثائق التأمين التجارية، و10% من قيمة الفاتورة للأغراض الجمركية، مضافًا إليها الضريبة الجمركية، على أسماك السالمون وشرائح سمك سالمون طازجة أو مبردة أو مجمدة والروبيان (جمبري) واستاكوزا وأجبان ذات عروق زرقاء والبن المحمص. وأيضًا الشيكولاتة والعطور ومستحضرات التجميل.
يظهر الجدل التوصيفات التي تضعها الوزارة لبعض السلع. خاصة أدوات التجميل والعطور التي تصنفها الوزارة كسلع كمالية. بينما يضعها الاقتصاديون بمصاف السلع الأساسية اليومية للمواطنين. وكذلك ضريبة السينما التي قالت وزارة المالية إنها لا تستهدف كل المسارح والسينما، ولكن عروض البالية والسيرك، بنسبة 5%، وعروض الأفلام الأجنبية فقط. إلى جانب عروض التزحلق على الجليد وحفلات الديسكو.
أرادت وزارة المالية فرض رسوم مغادرة أراضي الجمهورية بنحو 100 جنيه، فيما عدا الأجانب القادمين لغرض السياحة فقط لمحافظات (البحر الأحمر، جنوب سيناء، الأقصر، أسوان، مطروح). فيكون الرسم 50 جنيهًا، مع استثناء سائقي سيارات نقل الركاب والبضائع العمومية، والمصريون والأجانب والعاملون على خطوط أو شاحنات تعتاد عبور حدود مصر.
هل توقيت التعديلات مناسب؟
وقد تضمنت التعديلات السلع المعمرة بنسبة 2%. ما دفع النائب أيمن أبو العلا لاتهام الوزارة بالسعي لتمويل عجز الموازنة من جيوب المواطنين. أضاف -في مداخلته- نصًا: لا يجب أن ندغدغ مشاعر الناس بالحديث عن جمبري ولا إستاكوزا ولا كافيار.. ما يحدث دس للسم في العسل.
يقصد النائب أبو العلا تصريحات وزير المالية التي قال فيها إن الطبقة المتوسطة لا تأكل السالمون والجمبري وأسماك الأنشوجة والكافيار والفواكه المستوردة، وتأكيده على أن القانون يهدف لخدمة الفلاحين الذين يزرعون القمح وتحسين مستويات أساتذة الجامعات.
يقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد، إن توقيت التعديلات غير مناسب تمامًا في ظل موجة التضخم العالمية التي تضرب الدول المصدرة، ووصل صداها مصر، ويشعر بها المواطنون حين شراء احتياجاتهم الأساسية.
وقد أثار النائب المصري أحمد الشرقاوي تلك النقطة في جلسات نظر التعديلات الجديدة. حينما قال إن ضريبة القيمة المضافة على الاستهلاك يجب قبل فرضها النظر للأحداث التي تتم على مستوى العالم، وموجة التضخم وأثرها المباشر على ارتفاع الأسعار.
أضاف عبده أن توفير موارد الدولة يتطلب المزيد من تحسين أدوات الاستثمار من أجل زيادة التوسع والتشغيل وبالتالي ارتفاع الإيرادات، وزيادة الحصيلة الضريبة، موضحًا أن البنود الجيدة التي تضمنتها القيمة المضافة ضاع صداها في قانون رسوم التنمية وكان لا يجب تقديمها في التوقيت ذاته.
يقول الخبير الاقتصادي إن التفكير في الضريبة لابد أن يتضمن شقًا اجتماعيًا. فمصر لديها مشكلة فيما يتعلق بالغارمات اللاتي يضطررن لكتابة كمبيالات من أجل تزويج بناتهن ورفع الضرائب على السلع المعمرة التي لا غنى عنها في أي زيجة جديدة معناه رفع أسعارها وتفاقم تلك المشكلة.