خلال السنوات الأخيرة اتخذت أبوظبي مجموعة إجراءات طمعا في إبراز وجه حديث لدولة الإمارات. فيما لم يلق ذلك ترحيبا من جهات دولية تشكك في خطوات الإمارات وتقلل أهميتها في ظل ملفها الحقوقي المشوب بالانتهاكات.

ومؤخرا أعلنت الإمارات أنّها لن تقوم بعد الآن بفرض رقابة على الأفلام المعروضة في دور السينما. على أن يتم إدراج علامة “+21 عاما” ضمن التصنيف العمري للأفلام. وذلك لتنبيه المشاهدين الراغبين في مشاهدة أفلام بنسختها الأصلية بحسب مكتب تنظيم الإعلام التابع لوزارة الثقافة الإماراتية على موقع “تويتر”.

وأضاف المكتب: “حسب هذا التصنيف سيتم عرض الأفلام في دور السينما حسب نسختها الدولية. على أن يتم منحها التصنيف بناء على معايير المحتوى الإعلامي في الدولة”.

يتزامن ذلك مع عمل الدولة الخليجية على تحديث قوانينها الاجتماعية باستمرار. فأواخر العام الماضي أعلنت الإمارات تعديلات لبعض قوانين الأحوال الشخصية في إطار سعيها لتطوير بنيتها التشريعية. كما سمح البلد الخليجي بإقامة غير المتزوجين معا. فضلا عن التخفيف من الرقابة على شراء وتناول الكحول. وبدء منح تأشيرات إقامة طويلة الأمد والسماح بتملك الأجانب للشركات.

ومنذ أسابيع أعلنت الإمارات تقليص أيام العمل الأسبوعية من خمسة إلى أربعة أيام ونصف اليوم. بالإضافة إلى تغيير عطلة نهاية الأسبوع من الجمعة والسبت إلى السبت والأحد. أي بما يعمل به في العالم الغربي. واعتبر البعض ذلك استباقا للخطوات التحديثية التي تتخذها جارتها السعودية.

الوجه القبيح للإمارات

في المقابل تتعالى الأصوات المطالبة بكشف الوجه القبيح للإمارات. إذ قالت منظمة العفو الدولية إن أكثر من 24 سجين رأي -بينهم المدافع عن حقوق الإنسان أحمد منصور- محتجزون في الإمارات.

واستمرت الدولة في تقييد حرية التعبير واتخاذ إجراءات لإسكات أصوات المواطنين والمقيمين. والذين يعبرون عن آراء انتقادية سواء التي تتعلق بإجراءات كوفيد-19 أو غيرها من القضايا الاجتماعية والسياسية.

وبحسب المنظمة ظل عدد من المعتقلين قابعين في السجن بعد إكمال فترة عقوبتهم دون أي مسوّغ قانوني. كما قضت محكمة بريطانية بأن رئيس الحكومة الإماراتية -محمد بن راشد آل مكتوم- اختطف اثنتين من بناته واحتجزهما.

وكانت محكمة إماراتية أصدرت حكماً على معتقلتي الرأي الإماراتيتين -أمينة العبدولي ومريم البلوشي- بالسجن 3 سنوات إضافية. وذلك بتهمة “الإخلال بالنظام العام”.

وكان من المقرر أن تنتهي العقوبة الأولى للمعتقلتين في قضايا رأي 19 نوفمبر 2020. ولكن لم يُفرج عنهما بحجة وضعهما في مراكز “المناصحة”. ثم تم توجيه تهم جديدة لهما وتم الحكم عليهما في أبريل الماضي. وذلك بسبب إرسالهما سلسة تسجيلات صوتية إلى الأمم المتحدة يكشفان فيها تفاصيل تعرضهما لانتهاكات وتعذيب داخل سجون الإمارات.

وتشمل هذه التسجيلات الصوتية المنشورة في 29 مايو 2018 و12 نوفمبر 2018 و29 نوفمبر 2019 و12 فبراير 2019. معلومات عن تعرض أمينة العبدولي ومريم البلوشي إلى الإخفاء القسري والتعذيب من قبل ضباط أمن الدولة الإماراتي. وذلك بهدف إجبارهما على التوقيع على اعترافات قسرية تدينهم.

وبحسب وصف معتقل سابق في سجون الإمارات فإن حالة معتقلتَي الرأي مريم البلوشي وأمينة العبدولي “كارثية”.

وفي إفادة خاصة بـ”المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا” شهد المعتقل السابق على تعرض البلوشي والعبدولي لاعتداء جسدي من قبل رجال الأمن. مؤكدا أنه تمت ممارسته ضدهما مما ترك آثارا على وجهيهما وجسديهما.

وأكد أن ظروف احتجازهما وبقية معتقلي الرأي “سيئة للغاية”. مشيرا إلى أن الزنازين لا تصلح للعيش البشري فضلا عن الإهمال الطبي.

وأوضح أن حديث الإعلام الرسمي الإماراتي عن وجود محاكمات لمعتقلي الرأي “كذب”. فهي تمثيليات ومسرحيات ليس أكثر والتهم عبارة عن افتراءات لا أساس لها والأحكام “معلبة جاهزة للتنفيذ”.

قضية “الإمارات 94” شاهدا

بحسب “العفو الدولية” واصلت السلطات الإماراتية حظر المعارضة السياسية واحتجازها. واستمر العشرات من الإماراتيين في قضاء أحكام بالسجن في إطار قضية “الإمارات-94” وهي محاكمة جماعية لـ94 متهماً انتهت في 2013 وأدين فيها 69 شخصاً بتهم السعي لتغيير نظام الحكم.

وقال موقع “ميدل إيست آي” على لسان جو أوديل: “مع الذكرى الخامسة لإدانة نشطاء سياسيين في الإمارات طالبوا بإصلاحات ديمقراطية ما يزال التوازن الاجتماعي في الإمارات مختلًا وتسيطر الديكتاتورية على البلاد”.

وفي مارس 2013 تم اتهام 94 ناشطًا اجتماعيًا وسياسيًا في الإمارات بالتآمر للإطاحة بالحكومة. وذلك بعد التوقيع على عريضة تطالب بإصلاحات ديمقراطية لتصبح قضية “الإمارات 94” لحظة فاصلة للقمع في الإمارات.

وفي محاكمة سياسية مُنعت وسائل الإعلام الدولية والمراقبون القانونيون من حضورها. وُجه الاتهام إلى 94 شخصًا بمحاولة إنشاء حكومة موازية للإطاحة بالحكومة الإماراتية.

قبل ذلك بعامين في مارس 2011 وقع متهمو “الإمارات 94” على عريضة تدعو الحكومة لإجراء إصلاحات ديمقراطية. وبنوا مطالبهم على دستور دولة الإمارات فطالبوا بمجلس وطني اتحادي منتخب بالكامل مع سلطات تشريعية كاملة بنظام الاقتراع العام. بالإضافة إلى تخفيف القبضة الأمنية ومراعاة حقوق الإنسان الأساسية ضمن الإطار الحالي للملكية الدستورية.

وطوال عام 2012 جرى توقيف الموقعين على العريضة في مداهمات ليلية من قبل مسؤولين أمنيين في ثياب مدنية وجرى احتجازهم دون أوامر اعتقال.

وطبقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” فإن 64 من أصل 94 تم احتجازهم في أماكن لم يكشف عنها لمدة تصل إلى عام أحيانا دون السماح لهم بالاتصال بمحام أو بزيارات عائلية.

وفي تقرير صدر بعد المحاكمة خلصت اللجنة الدولية للحقوقيين إلى أن الإجراءات القانونية “لم ترقَ إلى المعايير الدولية للمحاكمة العادلة”. وأشارت اللجنة إلى عدم وجود مستشار قانوني مناسب للدفاع وعدم التحقيق في ادعاءات التعذيب. بالإضافة إلى الاعتماد على الأدلة التي تم الحصول عليها تحت التعذيب.

زانتهت المحاكمة بإدانة 69 مواطنًا إماراتيًا من مختلف المشارب السياسية والمعتقدات الأيديولوجية.

الجنسيات..المنح في مقابل السحب

في الحقوق الاجتماعية-السياسية وبحسب منظمة العفو الدولية ظل زهاء 20.000 – 100.000 شخص عديمي الجنسية رغم ولادتهم في الإمارات. لكن تم حرمانهم من التمتع على قدم المساواة بالحقوق الممنوحة للمواطنين الإماراتيين على حساب الدولة. مثل الرعاية الصحية والسكن والتعليم العالي الذي تدعمه الدولة أو الحصول على وظائف في القطاع العام. وذلك في وقت تمنح فيه الجنسية لعدد من رجال الأعمال ونجوم الفن والرياضة والمستثمرين “الإسرائيليين”.

وقد تم حرمان عديمي الجنسية من الاعتراف بهم كمواطنين رغم أن العديد منهم لهم جذور في الإمارات تعود إلى أجيال مضت. وذلك وفق معلومات المنظمة وتقريرها عن العام السابق.

كما وجد الإماراتيون عديمو الجنسية -والذين مُنحوا جوازات سفر جزر القمر بموجب اتفاق أُبرم في 2008 بين جزر القمر والإمارات استحالة في تجديد جوازات سفره. الأمر الذي جعل العديد منهم بدون وثائق الهوية الأساسية.

وتعد قضية سحب الجنسيات من المواطنين الإماراتيين من أبرز الانتهاكات الحقوقية التي تمارسها السلطات الأمنية. ففي عام 2011 سحب جهاز أمن الدولة في أبوظبي الجنسية من سبعة مواطنين إماراتيين ليصبحوا عديمي الجنسية. كما لم ينصف القضاء المواطنين الإماراتيين الذين ينتمون إلى عائلات إماراتية. كما سحبت الحكومة جنسية 19 من أقارب لمعارضَين اثنين. وهناك 30 شخصا على الأقل من أقارب ستة معارضين ممنوعون حاليا من السفر و22 من أقارب لثلاثة معارضين غير مسموح لهم بتجديد وثائق هويتهم. كما واجه أقارب جميع المعارضين الثمانية قيودا على الحصول على الوظائف ومتابعة التعليم العالي بين 2013 و2019.

ووفقا لـ”هيومن رايتس” لا يزال اثنان وعشرون من أقارب ثلاثة معارضين آخرين غير قادرين على تجديد وثائق الهوية. مما يتركهم عالقين فعليا في البلاد يكافحون للحصول على حقوقهم والخدمات الأساسية.

حرب اليمن والانتهاكات الإماراتية

عندما أرى البذخ والترف في معرض “إكسبو 2020” في دبي يتبادر فورا إلى ذهني اليمن. تلك الدولة العربية الأفقر ومعاناتها العصية على الوصف التي تتشارك  الإمارات مسؤولية خلقها. كيف كان ليبدو جناح اليمن في المعرض لو صممه المدنيون اليمنيون الذين يعانون؟. هكذا قالت الباحثة في منظمة “هيومن رايتس” أفراح الناصر.

في اليمن التعيس ادعت الإمارات في الفترة الأخيرة أنها أنهت مشاركتها في هذه الحرب عام 2019 حين سحبت قواتها من مدينة عدن الجنوبية.

لكن بحسب المنظمات الدولية والمراقبين للأوضاع هناك لا تزال الإمارات عضوا بارزا في تحالف الدول المشاركة في العمليات العسكرية التي ألحق العديد منها أضرارا جسيمة بالمدنيين.

وتواصل الإمارات عملياتها الجوية ودعمها للقوات البرية اليمنية المحلية المنتهِكة. وبعد أسابيع فقط من إعلان الإمارات سحب قواتها في عام 2019. انتقد المندوب اليمني الدائم لدى الأمم المتحدة -عبد الله السعدي- علنا تورطها المستمر في النزاع.

ووجّهت السلطات اليمنية اللوم إلى الإمارات بشأن ضربات جوية قتلت 30 جنديا يمنيا على الأقل قرب عدن.

وتواصل الإمارات دعم عدد متزايد من الجماعات المسلحة -بما فيها “المجلس الانتقالي الجنوبي”. وهو كيان سياسي تشكل في عام 2017 للمطالبة بإنشاء “دولة فيدرالية مستقلة كاملة السيادة” في جنوب اليمن.

كما أكد خبراء الأمم المتحدة دعم الإمارات لقائمة طويلة من الجماعات المسلحة المحلية التي ارتكبت انتهاكات. بما فيها الوحدة العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المسماة “قوات الحزام الأمني”. وقوات “النخبة الشبوانية”. ووحدات عسكرية بقيادة طارق صالح وهيثم قاسم طاهر على الساحل الغربي لليمن. فضلا عن “قوات العمالقة” وغيرها.

وفي أبريل الماضي اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية حكومة الإمارات بانتهاك حقوق الإنسان على أراضيها والأراضي اليمنية خلال سنوات الحرب الماضية. وذلك ضمن مشاركتها في عمليات التحالف العسكري بقيادة السعودية. تحت مزاعم استعادة الشرعية اليمنية وانهاء انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران.

وقال التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في العالم للعام 2020. إن قوات الأمن المدعومة من الإمارات في اليمن ارتكبت انتهاكات وسوء معاملة ضد المعتقلين.