جاءت بطولة كأس العرب التي نظمتها قطر لتكشف أوضاع كرة القدم في مصر. فالبطولة التي تم تنظيمها في غياب محترفي الدوريات الأوروبية أثارت بعض الملاحظات. أهمها المقارنة بين عدد المحترفين المصريين ونظرائهم بدول شمال أفريقيا (المغرب وتونس والجزائر). وهي المقارنة التي خسرت فيها مصر. خاصة بالنظر إلى مستوى اللاعبين المحليين. ومؤخرا لمع نجم مصري -محمد صلاح- تم وضعه في قمة هرم اللعبة عالميا. ما يكشف ببساطة أن مصر الكبيرة محرومة من ثرواتها المارادونية التي تملك منها الكثير لكنهم للأسف ليسوا تحت النظر.
ففي بلد يبلغ تعداده أكثر من مائة مليون نسمة -ما يساوي تقريبًا عدد سكان بلدان الشمال الأفريقي مجتمعة- لا تقدم مصر لاعبي كرة على قدر من الموهبة. وهو سؤال يدفع للبحث عن أسباب تراجع مستوى اللاعبين المحليين في مصر وعن قطاعات الناشئين في مثل هذا البلد الكبير.
يرى خبراء أن هناك أكثر من سبب لتراجع مستوى اللاعبين. منها غياب الكشّاف الذي كان يلف المحروسة شرقًا وغربًا بحثًا عن موهبة في مباراة تلعب في شارع أو حارة. ومن ثم تسويق هذا النجم الصاعد لأحد الأندية الكبيرة. ما كان يمثل شريانًا مهمًا لإمداد قطاعات الناشئين في مصر باللاعبين المواهب. أو هكذا كان الوضع قبل أن تتحول إلى قطاعات استثمارية تستهدف الربح السريع، ولو على حساب الموهبة.
قطاعات للناشئين أم للاستثمار
يقول الناقد الرياضي محمد القاضي، في حديثه لـ”مصر 360″، إن أزمة مواهب كرة القدم في مصر لا يمكن الحكم عليها بمعزل عما تتهم به مجالس اتحادات الكرة المتعاقبة في آخر عشر سنوات بالتواطؤ على قطاعات الناشئين.
يوضح القاضي، أن قطاعات الناشئين باتت استثمارية بشكل حاد. وأصبح على كل لاعب يريد أن يحصل على فرصة ويقيد في فريق أن يدفع عشرات الآلاف ليتحقق حلمه.
“الحقيقة أن النادي الواحد -يملك من 10 لـ12 فريقًا في قطاع الناشئين- يقيد ما يقرب من 40 لاعبًا كل سنة مقابل تسعيرة معروفة. وبالتالي يحصل النادي على ملايين الجنيهات في وقت يحرم لاعبين موهوبين من القيد”، حسب القاضي.
يضرب القاضي، مثلاً بنادي كبير مثل المقاولين العرب خرج منه أهم وأعظم لاعب مصري محترف في الدوري الإنجليزي محمد صلاح، ولاعب نادي أرسنال محمد النني. فيقول: توقف هذا النادي عن الإنفاق على قطاع الناشئين. واتخذ قرارًا بأن يصبح نصف القطاع استثماريا. بمعنى أن يدفع اللاعب أموالاً مقابل قيده في الفريق وخوض المباريات.
قطاعات الناشئين.. نحتاج إلى دوريات شعبية
يتحدث القاضي عن تحول قطاعات الناشئين إلى استثمارية تهدف لربح سريع حرم مصر من الموهوبين، ودفع الأندية لرفع عدد الفريق لـ60 لاعبًا، في وقت يحتاج الفريق إلى 22 لاعبًا فقط؛ 11 أساسيًا ومثلهم بدلاء. حتى يتمكن المدرب من متابعة اللاعبين.
يرى القاضي أن الأندية الكبيرة مثل الأهلي والزمالك، أسهمت في غياب الموهوبين عن الكرة المصرية. بعد أن باتت تعتمد على شراء اللاعبين الجاهزين من خارج البلاد أو حتى من داخلها. هذه الأندية لم تصعد لاعبين من قطاعات الناشئين إلى الفرق الكبيرة.
يدلل القاضي على رأيه، فيقول إن أهم لاعبي الزمالك خلال السنوات الماضية هما مصطفى محمد وأوباما. وهما لاعبان لم يصعدّهما الزمالك إلى الفريق الأول، إلا بعد أن أعارهما لفرق أخرى لمدة 4 سنوات.
مثال آخر على ذلك، أيمن أشرف، وهو أحد أبناء قطاع الناشئين في الأهلي، استغني عنه النادي دون مقابل، لعدم وجود مكان لقيده بالفرق الأول قبل أن يعود ويشتريه.
يتحدث القاضي عن بيزنس العمولات في الأندية. يقول: بات لكل نادي مجموعة من السماسرة مكاسبهم في عمولات شراء اللاعبين. لذا يحاولون بقدر الإمكان تقديم لاعبين من خارج الفريق حتى يحصلوا على عمولات.
يذكر القاضي كيف خرج لاعبون كبار من قطاعات الناشئين في الأندية خلال العقود الماضية، مثل جيل حسام وإبراهيم حسن في الأهلي، وجيل الغندور وسامي الشيشني في الزمالك.
الناقد الرياضي جمال العاصي يرى أنه رغم تعداد سكان مصر، فإن عدد من يشاركون باللعب في قطاعات الناشئين أقل بكثير من العدد المفترض للمشاركة. وهو يتحدث عما وصفه بالرتابة في إدارة كرة القدم في مصر. فضلاً عن غياب المشروعات التي تمكننا من اكتشاف المواهب. ويؤكد ضرورة تبني مشروع الدوري الشعبي، الذي يتضمن 26 منطقة من أجل رفع نسبة المشاركة في البطولات.
تربع المنتخب المغربي على قائمة أغلى المنتخبات العربية المشاركة في كأس العرب بنحو 222.4 مليون يورو. ويليه المنتخب الجزائري بـ 178.35 مليون يورو. وحل منتخب مصر في المركز الثالث بـ159.65 مليون يورو
الاعتماد على اللاعبين الأفارقة
يتفق العاصي مع الرأي القائل بأن العمولات والسمسرة لعبت دورًا في غياب المواهب، بعد تحكمها في اللاعبين المقيدين في الفرق، بدلاً من سياسة البحث عن الموهوبين. لكنه يشير أيضًا إلى انخفاض نسبة المحترفين المصريين في الدوريات الأوروبية، مقارنة بدول شمال أفريقيا. ويرجع ذلك لأسباب عدة، منها احتكاك هذه الدول المباشر، وقدرة لاعبيها على التحدث باللغات الأجنبية، إضافة إلى انخفاض نسبة المشاركة في ممارسة كرة القدم في مصر مقارنة بهذه الدول.
يتحدث العاصي عن أزمة اعتماد مصر على استيراد اللاعبين من أفريقيا. ويؤكد أن الأمر لا يقتصر على الدوري الممتاز، بل يمتد لكل درجات الدوري. وهو يلفت إلى وجود فرق في دوري الدرجة الثالثة، تعتمد على مهاجمين أفارقة.
لا يرفض العاصي فكرة استيراد اللاعبين. لكنه يؤكد ضرورة أن يكون هناك خطة لتصدير اللاعبين المصريين أيضًا. حتى لا نجد أنفسنا لا نملك مواهب في أماكن معينة في الملعب.
ويدلل على أزمة الموهوبين تلك بفشل المدير الفني للمنتخب المصري لكرة القدم “كيروش” في البحث عن بديل “باك شمال” لأحمد فتوح.
يشير العاصي إلى وجود 19 محترفًا من دول شمال أفريقيا في مصر. ويذكر بمعركة إلغاء احتراف حارس المرمي، التي سمحت للحراس المصريين بالظهور. ويؤكد أن استيراد لاعبين من الخارج دون تصدير مصريين موهوبين مقابلهم يعد ضمن أحد أهم أسباب أزمة اللاعبين في مصر.
التوريث في الملاعب
لا تقتصر الأزمات على التخطيط، بل وصلت لفكرة التوريث في الأندية الكبيرة، وحرمان المواهب من المشاركة لمصلحة أبناء قيادات الأندية. وربما أكبر مثال على ذلك ما قاله والد حسين فيصل -لاعب نادي الزمالك السابق- الذي تألق مع المنتخب خلال بطولة كأس العرب.
قال إن نجله لم يكن مصابًا كما ادعى البعض خلال فترة وجوده بنادي الزمالك. وإن المدير الفني الفرنسي باتريس كارتيرون رفض بكل قوة إشراكه في المباريات والتدريبات الخاصة بالفريق. وأشار -في تصريحات تليفزيونية- إلى اتهام أسامة نبيه -المدرب العام لنادي الزمالك السابق- بأنه سبب رفض قيد ابنه حسين من أجل قيد يوسف نبيه.
ولم تعد ظاهرة التوريث في الرياضة المصرية خافية على أحد. ففي الوقت الذي يدافع البعض عن حق كل شخص في الحصول على فرصته في إظهار موهبته، ويطالبون بعدم ظلم اسم معين بسبب قرابته من لاعب أو قيادة في فريق. يرى آخرون أن كثيرين ممن يطلق عليهم “أبناء عاملين” في الأندية وجودهم بالأندية مشوب بالمجاملات.
من بين تلك الأسماء التي أثارت جدلاً في الفترة الأخيرة، مصطفى أحمد شوبير حارس مرمى النادي الأهلي، الذي حل مكان أبيه في حراسة مرمى الأهلي. ونجل سيد عبد الحفيظ الذي يلعب في فريق 2005 بالنادي.. وغيرهما.
5 لاعبين مسيحيين فقط في “التوب ليفل”
أمر آخر يحرم المصريين من اكتشاف مواهب كرة القدم، كشف عنه أحمد حسام ميدو -لاعب منتخب مصر ونادي الزمالك السابق- حينما تحدث عن وجود عنصرية ضد المسيحيين في ملاعب الكرة المصرية.
تساءل ميدو -خلال استضافته على شاشة “دي إم سي سبورت”: هل يعقل ألا يكون هناك في تاريخ الكرة المصرية سوى 5 لاعبين مسيحيين فقط في التوب ليفيل (المستويات العليا) في الكرة المصرية؟. وأضاف أن “هناك الكثير من اللاعبين المسيحيين يتوقفون عن لعب الكرة في سن صغيرة بسبب العنصرية التي يواجهونها في فرق الكرة”.
وفق تصريحات ميدو، فإنه لا بد من مواجهة هذه المشكلة. وقد أشار إلى أنه اقترح في أثناء وجوده في لجنة قانون الرياضة نسبة 10% مسيحيين في الفرق المصرية. يقول: “العنصريون لا يخفون عنصريتهم وعندنا عنصرية حول الديانة واللون والعرق”.
بين رفع الأندية الصغيرة شعار “من يلعب يدفع” واعتماد الأندية الكبيرة على الاستيراد وسياسة توريث وحرمان جزء كبير من المجتمع من المشاركة في اللعبة الشعبية الأولى، يبدو انخفاض إنتاج المواهب أمرًا طبيعيًا في مصر.