عبرت زوجة المحامي محمد الباقر، عن واقع مثول زوجها أمام محكمة جنح أمن الدولة طوارئ في يوم صدور الحكم بما يصفه بشكل قاس، حيث قالت عبر تدوينة لها على صفحتها الشخصية: “لكن الواقع طلع درامي أكثر بمراحل .. الناس كلهم شافوا عربية الترحيلات جايه بباقر وعلاء وأكسجين.. ونستنى في القاعة بالساعات وصولهم للقفص دون فايدة.. وندخل مفاوضات على عدد أفراد الأسرة المسموح لهم بالتواجد في القاعة على أمل نشوفهم .. وينتهي الفيلم بلحظة عشوائية جدا .. ويطلع فجأة واحد على المنصة ويقول بمنتهى السرعة.. علاء 5 سنين والتاني والتالت 4 سنين.. ويهرب بسرعة قبل ما الناس تستوعب”.

هذا كان جزءًا من رسالة مطولة عبرت فيها زوجة محمد الباقر عن بعض أوجاعها، ومعاناتها في رؤية زوجها، أو التواصل معه وهم بداخل المحكمة، فما بال الحال في داخل أروقة السجون، وقد زادت منى سيف تلك المعاناة بأن قالت أيضا على صفحتها الشخصية “إن من أعلن الحكم كان هو حاجب المحكمة”.

وكان ذلك بمناسبة إصدار الحكم في القضية رقم 1228 لسنة 2021، ووفقا لأحكام قانون الطوارئ فإن ذلك الحكم -وعلى الرغم من صدوره من محكمة جزئية- إلا أنه غير قابل للطعن عليه، وهو ما عبرت عنه محكمة النقض المصرية في الحكم رقم 11545 لسنة 82 قضائية، والصادر بجلسة 3 / 11 / 2013، والذي ذكرت فيه المحكمة “أن المحاكم المشكلة وفقا لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 هي محاكم استثنائية موقوتة بحالة الطوارئ أماز الشارع بينها وبين المحاكم العادية في إجراءات المحاكمة وفي تشكيلها في بعض الأحوال وفي عدم جواز الطعن في أحكامها وعدم صيرورتها نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية، إذ نصت المادة ١٢ منه على أنه “لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة ولا تكون تلك الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية”، كما وأن هذا القانون قد نص على حق رئيس الجمهورية في إلغاء الحكم أو التصديق عليه أو تخفيف العقوبة أو تبديلها بعقوبة أقل منها أو بوقف تنفيذ بعضها أو بإلغاء الحكم وحفظ الدعوى أو إعادتها إلى محكمة أخرى، وذلك إعمالا للمواد 13، 14، 15 من ذات القانون وأن حقه في ذلك مستمد من القانون دون توقف على تقديم تظلم من المحكوم عليه، وقد نصت المادة العاشرة من القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة العليا والواردة في الباب الخامس منه الذي تضمن أحكاما انتقالية على أن “لرئيس الجمهورية أو من يفوضه مباشرة السلطة المقررة في القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، وذلك بالنسبة للأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة التي لم يتم التصديق عليها حتى انتهاء حالة الطوارئ “، كما نصت المادة الحادية عشرة بأن “يستمر مكتب شئون قضايا أمن الدولة في مباشرة أعماله فيما يتعلق بالقضايا التي لم يتم التصديق من رئيس الجمهورية على الأحكام الصادر فيها”.

وهنا لا أناقش وجود قانون الطوارئ ذاته، لأن كل دول العالم لديها قوانين لتلك الأحوال الاستثنائية، ولكن يبدو السؤال الأول حول متى وكيف يتم فرض تلك الحالة المصحوبة بتضييقات كثيرة على حريات المواطنين، ومصادرة بعض حقوقهم؟ ولماذا تكون الصياغة الدستورية المصرية فضفاضة إلى الدرجة التي تسمح فيها بفرض حالة الطوارئ وتمديدها دون حد أقصى؟

ومن ثم، يكون السؤال المحوري: إلى متى سيكون وجود ذلك القانون دون أي تطوير في نطاق العدالة؟ بحسب كونه لا يجعل من الأحكام الصادرة من محاكم الطوارئ غير قابلة للطعن عليها؟ ولا يتبقى للمحكوم عليهم سوى الانتظار لما سوف يسفر عنه تصديق رئيس الجمهورية على تلك الأحكام، أو ما يسفر عنه التظلم الذي يتقدم به المحكوم عليه. وهو الأمر الذي ملخصه لا يكون سوى: لماذا تتحكم السلطة التنفيذية في أحكام القضاء ويصبح لها الكلمة العليا عليه، فإن هي شاءت صدقت وأيدت عن طريق رئيس الجمهورية، أو أن تخفف الحكم أو تلغيه أو تستبدله، فهنا يكون السؤال: أيهما أقوى وأيهما أعلى قيمة، الأحكام الصادرة من تلك المحاكم على الرغم من تحفظي على فرض حالة الطوارئ بهذا الشكل الواسع، أم غلبة سلطان السلطة التنفيذية على أحكام المحاكم وأن كلمتها في النهاية تكون هي الفاصلة فوق تلك الأحكام، ومن ثم، فما هي قيمة القضاء ذاته حال تحكمية السلطة التنفيذية فيما يصدره من أحكام، فالحماية التي كفلها الدستور للقضاء وردت على ثلاثة مستويات، الأول: هو حماية استقلال السلطة القضائية، باستقلالها بشئون أعضائها كافة وبمنع تدخل جهة الإدارة في شئون جهات القضاء، وحماية استقلال القضاة وحظر عزلهم، وحظر التدخل في شئون العدالة، وجعل ذلك جريمة من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، والمستوى الثاني يتعلق بحماية عمل القاضي بحظر تدخل أية سلطة في القضايا المنظورة أمامه وتجريم التدخل في القضايا، والمستوى الثالث يخص احترام نتيجة عمل القاضي بوجوب تنفيذ الأحكام التي تصدر، وتجريم تعطيل أو الامتناع عن تنفيذ الأحكام، وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في قضائها بجلسة 15/6/1996 في القضية رقم 34 لسنة 16 قضائية دستورية على أنه يتعين على السلطة التنفيذية بوجه خاص ألا تقوم من جانبها بفعل أو امتناع يجهض قراراً قضائياً قبل صدوره، أو يحول بعد نفاذه دون تنفيذه تنفيذا كاملا، وليس لعمل تشريعي أن ينقض قرارا قضائيا، ولا أن يحور الآثار التي رتبها. وإذا كان الدستور قد عصم القضاء من تدخل السلطة التنفيذية في شئونه أو في شئون العدالة والقضايا، ولم يمنح الدستور رئيس الجمهورية أي اختصاص يجيز له التأثير في القضايا، وليست له صفة قضائية تجعل منه معقبا أو رقيبا على أحكام القضاء فإن سماع النصوص المشار إليها لرئيس الجمهورية بالتصديق على الحكم وبإلغائه وبالأمر بإعادة المحاكمة – في ظل نص في قانون الطوارئ لا يسمح للمتهم بالطعن على الحكم الصادر ضده من المحاكم المشار إليها في قانون الطوارئ – يجافي المبادئ الأساسية للعدالة التي تحكم عمل القضاء، ويهدر مبدأ المحاكمة العادلة المقرر في أحكام الدستور.

ومن هنا، فإننا ندعو أهل الحل والعقد لمراجعة أحكام قانون الطوارئ كاملة بما يضمن حسن استقلال السلطة القضائية، علاوة على تطوير القواعد الواردة به بما يتناسب مع القواعد الحقوقية، بما في ذلك مراجعة أحكام فرض حالة الطوارئ أو تمديدها الواردة بالدستور المصري.