“على المرأة أن تكون ما تريد أن تكون..”. قد تكون تلك العبارة منطلقا لمنظومة أفكار كاملة. تمتعت بها عقلية أسمى خضر -واحدة من أشهر المدافعين عن حقوق الإنسان في الوطن العربي. وجاء اهتمامها الأول بما تعانيه النساء في مجتمعاتنا.

إنضاج بين النكسة وأيلول الأسود

هناك في بلدة الزبابدة القريبة من جنين حضرت إلى الدنيا أسمى خضر عام 1952 لأسرة بسيطة. وفي 20 ديسمبر من العام الجاري رحلت عن 69 عامًا. وفيما بين تاريخي الميلاد والرحيل صارت هي الوزيرة المدافعة عن حقوق الإنسان وواحدة من رائدات مجال الدفاع عن حقوق المرأة.

وربما تكون البدايات ناطقا رسميا باسم التاريخ الذي نعيشه لاحقا. ففي عام 1952 جاءت أسمى خضر إلى الدنيا بهوية فلسطينية. وما بين فلسطين الهوية والأردن وجودا تحركت قصتنا المناضلة على هيئة امرأة لم تمنحها أحداث المنطقة الملتهبة على مدار تاريخها وقتا لتنضج على مهل. فسريعا ما جاءت نكسة العرب. ها نحن في عام الحزن العربي. الشهير بـ”يونيو 1967″. طفلتنا لا تزال تشق طريقها لكنها تجد نفسها بين المشاركين في خضم مظاهرات ضد قصف الاحتلال الإسرائيلي لبلدة السموع في الضفة الغربية -التابعة للأردن آنذاك.

ولأن حاملي القضايا الكبرى تصنعهم أنفسهم أولا فقد اتجهت أسمى عام 1974 إلى دراسة الحقوق، وكأنها عرفت ما ستؤول إليها مهامها في قادم الأيام. انتقلت إلى جامعة دمشق. ثم بدأت التدرّب على المحاماة. ومع بدايات عملها بالمحاماة مالت إلى قضايا الحريات، وكانت تترافع دون أجر. ما أهّلها لشغل رئاسة لجنة الحريات في نقابة المحامين. ثم رئيسة لجنة المرأة في اتحاد المحامين العرب. بينما بين 1974 و1978 عملت في مجال التعليم في المدارس الثانوية الخاصة في عمّان. ثم إلى الصحافة في الفترة بين 1978 و1979 في صحيفة الأخبار الأردنية. ثم اجتازت فترة تدريبها على المحاماة حتى سمحوا لها بإجازة المهنة بموجب قانون نقابة المحامين الأردنيين.

الميثاق الوطني

صارت أسمى خضر سياسية أخيرا في مطلع عام 1990. وذلك حين استدعاها ملك الأردن السابق الحسين بن طلال -وكانت حينها ناشطة في “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”- إلى القصر الملكي. حيث طلب منها المشاركة في إعداد الميثاق الوطني. وفي عام 2003 عُينت وزيرة للثقافة، ثم أصبحت الأمينة العامة لـ”اللجنة الوطنية لشؤون المرأة” في الأردن.

قد يكون تشكُّل الوعي السياسي لأسمى خضر في أحداث ملتهبة كتلك التي عاصرتها من قصف إسرائيلي لقرى فلسطينية، ثم الانقسام الفلسطيني-الأردني “أحداث أيلول الأسود“. هو ما جعلها معادلا موضوعيا مهما يمكن تتبعه ورصد التاريخ من خلالها.. تاريخ جمع بين نضالين –فردي وجماعي.

نضال الكاميرات

في زيارة لها إلى ليبيا عقب أحداث الربيع العربي عام 2011. التفتت “خضر” بين ما التفتت إلى الشهادات العديدة حول استهداف النساء بالاغتصاب والاعتداءات الجنسية والتهديد كأداة من أدوات الحرب. فيما أعربت عن أملها أن تهتم التقارير الدولية باحتياجات النساء الليبيات فيما يتعلق بحقوق الإنسان.. لم تتكلم عن دولة ليبية مستقرة كما يفعل السياسيون أمام الكاميرات. بل إنها أكدت أنه لا حق لدولة تُهدِر حقوق النساء.

لا تنسى القضية. لا تنسى سر وجودها.

أسمى خضر.. صوت المرأة الممتن للرجل

وعلى عكس كثيرات ممن يسقطن في فخ الانتصار لنوع على حساب شريكه. فإن أسمى خضر انتصرت للمرأة بمعزل عن معارك “الذكورة والأنوثة”. إذ كانت تمتن لدور الرجل وترى أن الشراكة معه أساس لكل تقدّم.

 

“هناك صعوبات في المجتمع تميّز بين الذكورة والأنوثة من ناحية الأدوار”. هكذا تقول أسمى خضر وتلفت إلى أن المرأة العاملة مثلا تبذل جهدا مضاعفا لتثبت أنها جديرة بمنافسة الرجال في مهن ووظائف يحتكرونها. وهذا أمر لا لوم فيه على الرجال بل إن اللوم كله على التشريعات. فباعتبارها سادس محامية في تاريخ الأردن فقد جعلت من تغيير التشريعات التي تتضمن تمييزًا ضد المرأة في بلادها شاغلها وقضيتها الرئيسية. إذ خاضت معارك حقوقية عدة من أجل تحسين وضع المرأة في العمل وفي القضاء وفي المجتمع وفي البرلمان.

“أعرب عن امتناني لوجود رجال كالذين مرّوا في حياتي”. هكذا تصفهم: الأب الصديق. الشقيق الرائع. الزوج الرفيق. الابن الحنون.

لا حرية دون تمكين اقتصادي

ربما لا يشي العنوان السابق إلا بالحديث عن دولة تعاني ولا بد لها من قوة اقتصاد تنهض بها. يبدو أن المعنى ينسحب إلى فروع ربما تكون أهم. إذ كثيرا ما تؤكد أسمى خضر على وجوب أن تكون حرية المرأة مدعومة بتمكين اقتصادي. مؤكدة أن “واقع العنف الاقتصادي تجاه النساء ينافي ما أقره القانون والشريعة لهن”. لافتة إلى أمثلة على مثل هذا السلوك العنيف كالتصرف في ذهبها وحقها في الميراث والحق بالاتفاق والتعامل وحق التصرف بما تملكه المرأة من أموال. فيما لم تكن تتغافل عن دور ومسؤولية الدولة في توفير منظومة حماية مجتمعية للنساء. بالتشريعات والسياسات والتدابير والتعليمات. تلك التي طالما دعت إلى تطوير آلياتها لدرء العنف وتأثيراته بحق المرأة.

النسوية والحق الوجودي

“هناك تساهل في منح أبناء الرجل الأردني حق المواطنة التلقائية. وتشدد مبالغ به في حرمان أبناء الأردنيات من ذات الحق”. الحديث لأسمى. وكانت تلك نقطة انطلاق قضية أخرى لا تتعلق فقط بحق نسائي. وإنما ترتبط بصورة أو أخرى بحق وجودي وسياسي لأبناء الأردنيات. وقد أكد ذلك رأس الحكومة الأردنية حينها بقوله: مشروع التوطين لم يتحدث عنه جون كيري. ومعالجة هذه المسألة المطلبية لا تؤسس أي مخاطر على الأردن ولا تعفي إسرائيل من مسؤولياتها. فلا تجنيس إطلاقا”.

من هي أسمى خضر؟

هي الحائزة على وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الأولى عن صياغة الميثاق الوطني الأردني 1991. وهي التي عملت كرئيسة لمجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان “ميزان” عام 1998. وهي الأمين العام للجنة الوطنية لشؤون المرأة ومؤسسة المعهد الدولي لتضامن النساء. وهي وزيرة دولة ووزيرة الثقافة في الأردن والناطقة الرسمية باسم الحكومة الأردنية بين 2003-2005. وهي الحاصلة على جائزة الأمم المتحدة لمجابهة الفقر.