تباينت ردود الفعل الدولية والمصرية عقب إصدار محكمة جنح أمن الدولة أمس الإثنين أحكاما بالحبس 4 و5 سنوات. وذلك على كل من المحامي محمد الباقر والمدون محمد أكسجين والناشط السياسي علاء عبد الفتاح.

جاءت الأحكام على ذمة القضية رقم 1228 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ القاهرة الجديدة. والتي واجه فيها الثلاثة اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة.

وعبرت وزارة الخارجية الأمريكية اليوم عن “خيبة أملها” إزاء الأحكام الصادرة. وقالت إن واشنطن تتحدث مع مصر باستمرار بشأن قضية حقوق الإنسان. وأكدت في بيان أن العلاقات مع القاهرة يمكن أن تتحسن إذا حدث تقدم على صعيد حقوق الإنسان. وشددت الدبلوماسية الأمريكية على أن الحكومة المصرية على دراية تامة بالمخاوف الأمريكية.

“هيومن رايتس ووتش” طالبت بإلغاء حكم حبس “علاء والباقر وأكسجين” والإفراج الفوري عنهم.

وقال جو ستورك -نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”. إن الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة “الاستثنائية” لمعاقبة التعبير السلمي يكشف إلى أي مدى أصبح نظام العدالة في مصر نفسه “أداة قمع”. وأضاف: “ينبغي للمحكمة إلغاء الحكم والإفراج عن عبد الفتاح والباقر وإبراهيم فورا”.

وقالت منظمة العفو الدولية في حسابها على “تويتر” أمس: “حكم محكمة الطوارئ على المدون والناشط علاء عبد الفتاح بالسجن 5 سنوات والمحامي محمد الباقر والمدون محمد أكسجين بالسجن 4 سنوات هو تزييف للعدالة”.

ورفضت 10 منظمات حقوقية الحكم الذي وصفته بـ”المُشين”. وطالبت رئيس الجمهورية بإلغاء الحكم وحفظ الدعوى. محملة السلطات المصرية المسؤولية عن حياة الثلاثة وصحتهم النفسية والجسدية. كما رفضت استمرار توظيف “المحاكم الاستثنائية” في محاكمة النشطاء السياسيين.

واعتبرت المنظمات في بيانها أن هذا الحكم يبرهن على استمرار سياسات الحكومة المصرية في حقوق الإنسان. ويؤكد “ادعاء” مراعاتها على نحو “ينافي تمامًا الواقع”.

مأساة تدوير علاء والباقر وأكسجين

وأوضحت المنظمات -ومن بينها مركز النديم والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. أن هذا الحكم الصادر من محكمة لا يمكن الطعن على أحكامها يأتي ضمن مجموعة انتهاكات خطيرة. وذلك خلال العامين الماضيين بحق النشطاء الثلاثة المحتجزين منذ أكثر من عامين. على خلفية اتهامات في القضية رقم 1356 لسنة 2019. رغم تخطيهم الحد الأقصى للمدة القانونية للحبس الاحتياطي. وبدلاً من الإفراج عنهم تم “تدويرهم” على هذه القضية المستنسخة من الأولى.

وأشارت المفوضية المصرية للحقوق والحريات إلى أن الحكم دليل آخر على أنه لا نية على ما يبدو في انفراجة حقيقية تُنهي معاناة سجناء الرأي والمعارضين.

وطالبت المفوضية رئيس الجمهورية من خلال عريضة يتم تجميع توقيعات عليها بالإفراج الفوري عن السجناء السياسيين وإلغاء الأحكام الصادرة ضدهم من محاكم طوارئ.

ويقف ائتلاف مؤلف من 134 محاميًا وطلاب حقوق و32 منظمة تعمل في مجال القانون من جميع أنحاء العالم للتضامن مع “الباقر”. وذلك بحسب ما نقلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط الأمريكي. ودعا الائتلاف إلى إسقاط جميع التهم الموجهة إلى “الباقر” والإفراج الفوري عنه دون قيد أو شرط ورفع الإجراءات التقييدية المفروضة عليه بسبب عمله كمحام.

كواليس الحكم على علاء والباقر وأكسجين

شهدت جلسة الحكم مشادات بين الأهالي والأمن. وبعد صدور الحكم حاول فريق الدفاع -من بينهم خالد علي ومحمد فتحي- الحصول على صورة من الحكم. ولكن تم إجابتهم بأن الملف تم إصداره بالفعل للحاكم العسكري وتمت إحالته برقم 5915 صادر لمكتب الحاكم العسكري. وهو ما استنكرته منى سيف -شقيقة علاء: “عمركم شوفتوا سرعة وإنجاز بالشكل ده؟!”.

وأشار المحامي جمال عيد إلى أن ما حدث بالمحاكمة “تضليل وانتقام سياسي من الشباب الثلاثة المنتمين لثورة يناير”. وتابع: “لم يعلم المتهمون ولا الدفاع بالجريمة. وعليه فقد تم إهدار حق المتهمين من قاعدة القانون الأصلح للمتهم”.

وأوضح “عيد” ملابسات القبض على المتهمين الثلاثة قائلا: “أكسجين تم اختطافه وإخفاؤه قسريا. الباقر اتقبض عليه في النيابة. علاء أثناء تنفيذ المراقبة”. مضيفا أنه تم تجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي.

وتابع: “تم اتهامهم في قضية جديدة بنشر أخبار كاذبة دون تحديد ما هي تلك الأخبار المزعومة. وإحالتهم لمحكمة استثنائية لا يتوافر بها حق الاستئناف أو النقض”.

وتجاهل النائب العام المصري حمادة الصاوي البلاغات المقدمة له عن انتهاكات للقانون. وكذلك تجاهل القاضي حق الدفاع كممثل للمتهمين. بأن يتساوى مع النيابة في الاطلاع والحصول على كامل الملف. كما لم يتمكن الدفاع من رد القاضي، فحكم على متهمين يعتبرونه خصما.

وقالت منى سيف: “القاضي حجز القضية للحكم دون مرافعات أو دفاع أو نسخة من الملف لفهم الاتهامات. أصدر حكمه النهاردة بـ5 سنين سجن على علاء عشان شير بوست. 4 سنين سجن على الباقر عشان نشر عن معاناة المساجين. 4 سنين سجن على أكسجين عشان اهتم بنقل أحوال المواطنين وأخبار الشارع”.

جدل خارجيتي مصر وألمانيا قبل الحكم

وجرى جدال قبل يوم من النطق بالحكم بين وزارتي الخارجية الألمانية والمصرية بعد رفض الأخيرة الدعوات الألمانية للإفراج عن المتهمين الثلاثة.

واعتبرت الخارجية المصرية أسلوب بيان “الخارجية الألمانية” ينطوي على تجاوزات غير مقبولة وتدخل سافر في الشأن المصري. ووصفته بأنه يُصادِر على مسار قضائي دون دليل أو سند موضوعي”. فيما طالبت نظيرتها الألمانية بـ”الالتفات إلى تحدياتها الداخلية بدلا من فرض وصايتها على الغير”.

وجاء بيان الخارجية الألمانية بأن الحكم المرتقب يعد بالنسبة للحكومة الاتحادية “إشارة لاتجاه حالة حقوق الإنسان في مصر”. فيما ثمّنت ألمانيا في الوقت ذاته إطلاق الحكومة المصرية استراتيجية حقوق الإنسان في سبتمبر الماضي. حيث قال السفير الألماني بالقاهرة -فرانك هارتمان- عبر حساب السفارة: “‏سنتابع تنفيذها باهتمام كبير”.

كانت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ بالقاهرة الجديدة بدأت في 18 أكتوبر الماضي محاكمة علاء والباقر والمدون محمد إبراهيم رضوان “أكسجين”. وذلك بعد يومين من إحالتهم للمحاكمة بتهمة “نشر أخبار كاذبة”.