في بث حي أذاعته دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها قبل أيام، تساءل مواطن، تمت الإشارة إليه باسم الأستاذ محمد، عن ما إذا كان يجوز له أن يقطع علاقة زوجته بأهلها، أو أن يمنعها من الذهاب إليهم مرة أخرى. وذلك لأنه، حسب قول السائل، تحدث الكثير من الخلافات “الكبيرة جدًا” بعد الذهاب إلى أهل زوجته، تكاد تصل إلى حد الطلاق.

لحسن الحظ، ولأن “قضاء أخف من قضاء”، فإن المجيب على السؤال من صفحة دار الإفتاء، الشيخ الدكتور محمد عبد السميع، كان قاطعًا في رده بأن منع الزوجة من زيارة أهلها “لا يجوز مطلقًا”. وأضاف الشيخ بعد أن حدد بكلمة أهلها “الأب والأم”، أنه يجب على الزوج أن يسمح لزوجته بزيارة الأهل مرة كل أسبوع، وأن هذا ما يقضي به المذهب الحنفي الذي تأخذ به دار الإفتاء المصرية. وأردف قائلاً أنه في حالة الشعور بالقلق على الزوجة يمكن للزوج أن يقوم بتوصيل زوجته إلى أهلها ثم ينتظرها “ساعة أو ساعتين” إلى أن تعود معه إلى البيت.

وكهامش جانبي؛ يصعب تصوّر أن أحدًا لا يعرف أنه لا يجوز للزوج منع زوجته من زيارة أهلها. ذلك لأن الإسلام يحوي تقديرًا كبيرًا لأمرين بهذا الصدد، وهما برّ الأبوين، وصلة الرحم. وعلاقة الزوجة بأهلها هي مما يجمع الأمرين معًا. ومع ذلك، لاحظ كيف يتكرر السؤال باستمرار عن “حق” الزوج في منع زوجته من ذلك، فحتى هذا الحق الأصيل للزوجة، والذي عادة ما يتعلق بجهد خدمة الأبوين أكثر مما يتعلق بالتنزه أو الترفيه، يجد نفسه مهددًا باستمرار بالسؤال عن ما إذا كان ممكنًا منعه أو التحكم فيه في ظروف معينة.

لكن هذا الهامش ليس موضوعنا في هذا المقال ولا حتى سؤال السائل نفسه، بل إجابة ممثل دار الإفتاء، فصحيح أنه كان واضحًا في شرح عدم أحقية الزوج في منع زوجته عن أهلها، ولكننا نعرف أن الكثير من الفخاخ قد تكمن في التفاصيل، فخاخ وردت في جواب الشيخ، ومنها “والدها ووالدتها”، “ساعة أو ساعتين”، “يوصلّها الزوج وينتظرها”، فماذا لو كان المتبقي من أهل الزوجة خالة وحيدة أو عمّ عجوز؟ وماذا لو أرادت الزوجة قضاء النهار أو المبيت لدى والدتها؟ وماذا لو لم يكن الزوج متوفرًا ليستطيع توصيل زوجته أو إرجاعها؟ هل تنطبق الفتوى أيضا أم يتغير حكمها؟ هل نرى سؤالاً جديدًا على غرار: هل يجوز منع زوجتي من زيارة خالتها الوحيدة؟ أو هل يحق لي منع زوجتي من زيارة أبيها لأنني أعمل في مدينة أخرى ولا أستطيع توصيلها؟ إلخ.

والواقع أن تلك الأسئلة ممكنة بل وموجودة وستظل تطرح، والسبب في ذلك، أننا رغم عيشنا في القرن الحادي والعشرين، وبعد ما يقرب من قرنين على بدء تجريم العبودية، لا يزال هناك من يرى لنفسه الحق في أن يمنع إنسانًا مثله من مغادرة المنزل لأي سبب، كأنه يملكه، أو كأنه سجان والآخر سجين، وإذا كان لنا أن نتصور ردًا معاصرًا من دار الإفتاء، فهو أن تقول للسائل، إنه لا يجوز لإنسان أن يحبس إنسانًا آخر مهما كانت أسبابه، فهو زوجه أو زوجته وليس عبدًا لديه، وليس من المتصور على أي نحو أن يكون الأمر غير ذلك.