محاولات مضنية ليحصل المحامي على ورقة عليها “مسموح بالزيارة”. لا تأتيه بسلاسة ولا تكون آخر مرحلة لتمكينه كمحامٍ من زيارة المحبوس -موكله- في محبسه. بل يعقبها أمر تنفيذ يتوقف على رغبة المنفذ -“إدارة السجن”- في تخبط واضح وتناقض مع القوانين والمعاهدات الدولية والدستور.

مجهود كبير بذله مجموعة من المحامين للحصول على تصريح زيارة لمتهم محتجز بأحد السجون. وبعد فترة انتظار جاء قرار التنفيذ من إدارة السجن ممثلا في اشتراط: “تقتصر الزيارة على فرد واحد”.

المشهد حدث للمحاميَيْن أحمد فوزي ومحمد عيسى اللذين رغبا في زيارة زميلهم المحامي عمرو إمام بسجن طرة. وهي الزيارة التي تمت من وراء سلك. ويحكي “فوزي”: “أتمنى أن ما حدث معنا في الزيارة كمحامين لا يصبح نهجا. ويتم تنفيذ قرارات النيابة ونتمكن من الانفراد بموكلينا. خاصة أنه يتم اتخاذ إجراءات أمنية وتدابير صحية لا تحتاج إلى تشدد أكثر من ذلك”.

بلاغ للنائب العام والداخلية

ومن خلال صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. تقدم المحامي نجاد البرعي ببلاغ إلى النائب العام ووزير الداخلية وزارة الداخلية المصرية ونقيب المحامين وإلى أعضاء مجلس نقابة المحامين المصرية. وذلك حول ما رواه المحامي أحمد فوزي عن الطريقة التي يزور بها المحامي موكليه في السجن. وقال “البرعي”: “مفزعة وتخالف أحكام قانون المحاماة وقانون الإجراءات الجنائية” .

وطالب “البرعي” بالتحقيق فيما حدث من إجبار محام واحد على زيارة موكله. رغم أن تصريح النيابة صادر لمحاميين اثنين. ثم إجبار المحامي على أن يزور موكله وبينهما “سلك”. وقبل ذلك إجبار المحامي على الانتظار ساعات طويلة مرهقة قبل تنفيذ إذن النيابة بالزيارة. كلها أمور تحتاج إلى تحقيق جدي وعقاب المتسبب. فيما أكد أن احترام مهنة المحاماة هو فرع من احترام العدالة وشرط لقيام دولة القانون.

وأشار “البرعي” إلى أن المادة 49 من قانون المحاماة تنص على “للمحامي الحق في أن يعامل من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة”. والمادة 53 من قانون المحاماة: “للمحامي المرخص له من النيابة بزيارة أحد المحبوسين في السجون العمومية حق زيارته في أي وقت والاجتماع به على انفراد وفي مكان لائق داخل السجن”. كذلك المادة 141 من قانون الإجراءات الجنائية تؤكد حق زيارة المحامي لموكله: “للنيابة العامة ولقاضي التحقيق في القضايا التي يُندب لتحقيقها في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس بغيره من المسجونين وبألا يزوره أحد وذلك دون إخلال بحق المتهم بالاتصال دائماً بالمدافع عنه دون حضور أحد”.

معاناة لأخذ تصاريح زيارة المحبوس

المحامي ياسر سعد قال إن القانون ينص على أن الزيارات إما عن طريق إذن النيابة العامة أو في ميعاد الزيارات الرسمية. وذلك بتقديم طلب لمأمور السجن لنتمكن من زيارة المتهم. ولكن في زيارات المحتجزين السياسيين ومحتجزي الرأي لا يحدث.

يعاني المحامون في الحصول على تصريح من النيابة. إذ يتم الحصول عليه بتكرار الطلب أكثر من مرة. ولا تنتهي بذلك المعاناة ولن يتوقف أمر التنفيذ أمام إدارة السجن. والتي من شأنها أن ترفض أو تنفذ. وفي حالة التنفيذ يتم السماح بزيارة لمدة 15 دقيقة على الأكثر وسط حراسة مشددة.

يقول “سعد”: “تلك الإجراءات تحول دون التواصل بشكل حقيقي بين المحامي وموكله. لأنه بالتأكيد هناك معلومات أو أمور نرغب في تداولها سريا بعيدا عن الأمن أو مأمور السجن. وهذا ليس مخالفا للقانون بل إن هذا هو دوري وفقا للاتفاقيات الدولية والدستور والقانون”.

العلاقة بين المحامي والمتقاضي

يوضح “سعد” أهمية تلك الزيارات التي من شأنها أن تكون حجر أساس للعلاقة بين المحامي وموكله. ويشير إلى أن تلك العلاقة في الأغلب تبدأ بعد القبض على المتهم. وبالتالي يكون المحامي في احتياج إلى مزيد من المعلومات حول حالته الصحية والاجتماعية والدينية ومعتقداته والكتب والأدوية التي يريدها. هذا إلى جانب ملابسات الواقعة التي تم اتهامه بها والتفاصيل الخاصة بواقعة القبض عليه.

بتلك المعلومات التي يحصل عليها المحامي من المتهم يتمكن من تجهيز المرافعة والدفاع أمام النيابة والمحكمة. فيما يؤكد “سعد” أنه لا يصح إطلاقا الاعتماد على الأقوال المكتوبة في محضر التحريات التي غالبا ما تكون “تحت إكراه”.

كل ما سبق يعد مخالفا لعدد من القوانين وكذلك الدستور حسب “سعد” إذ أوضح أن قانون الإجراءات الجنائية وقانون المحاماة والدستور يعطي الحق للمحامي في الحضور بدءا من مرحلة جمع الاستدلالات وليس من مرحلة التحقيق أمام النيابة أو المحكمة فقط. وكذلك الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمحامين -سواء الاتفاقية الأفريقية أو الأوروبية. وكذلك مبادئ أساسية بشأن دور المحامين والتي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين.

إجراءات زيارة المحبوس تمس منظومة العدالة

“دائما نضع القوانين والتعليمات والقرارات واللوائح المنظمة لكل أمور المواطنين وعند التنفيذ يتم تركها بسلطان القائم على تنفيذها. هكذا قال المحامي محسن بهنسي. فيما أضاف أن هناك عيبا في مسألة تطبيق القوانين بلغة العموم. ويشير إلى أن اتصال بموكله نصت عليه لكن اتفاقيات دولية موثقة. مثل العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهو ما تعتبره مصر “نصا قانونيا وطنيا”. مؤكدا أن إحدى مواد الاتفاقية هو حق المحامي في الاتصال بموكله وزيارته في محبسه والاستماع إليه.

وتابع لـ”مصر 360″: للأسف تنفيذ ذلك في الحال الواقعي تخرج عن كل هذه المضامين. بل تصل إلى درجة رفض القائم بالتنفيذ أو المسؤول عن تسلم تصريح الزيارة أو تمزيقها ومنع الزيارة بحجج واهية. وهو الأمر الذي بالضرورة يمس سلطان القضاء والنيابة العامة لأنه يعتبر صاحب المنع والتنفيذ.

تأتي إجراءات التنفيذ لتمثل دورا أكبر من دور استخراج التصاريح. والتي تمس هيبة وسلطان النيابة العامة. وتلك أمور تعني للمحامي أن تصريحه “حبر على ورق”. وكذلك تمس السلطة القضائية ومدى قدراتها في تتبع الأمور القانونية. فلا رقابة أو تنفيذ بالشكل الصحيح أو عقاب على هذا الأمر -بحسب “بهنسي”.

ويؤكد “بهنسي” أن المخالفات المتعلقة بمنع الزيارة أو التعسف فيها تتعلق بمنظومة العدالة. والتي تعد أهم ركن في نجاح الدولة. وتابع: “ما يحدث هو إعاقة تنظيم العدالة بشكل غير قانوني ويمس كذلك كل الأطراف المحامي والمتقاضي والنيابة والقضاء”.