لقد خسرت كثيرًا. جملة عادة ما تتكرر ونحن نغلق باب علاقة كانت قائمة لفترة من الزمن. قد تكون صداقة أو ارتباطا عاطفيا أو زواجا. تأتي هذه الجملة ممتزجة بألم الخسارة وندم الفقد. غير أن قائلها مستغرق في مشاعر الخسارة بما لا يجعله يقف ويفكر جيدًا قبل التقرير بالخسارة أو المكسب.

إذا قلنا إن الطن هو ألف كيلوجرام. والمتر مائة سنتيمتر. والليتر ألف مللي. فنحن أمام أدوات قياس واضحة نقيس الكتلة والمسافة والوزن. فكيف نقيس المشاعر؟

كل العلاقات بها أشياء جميلة. هذا التعميم مقصود وحقيقي. فالعلاقة حتى تأخذ اسمها بكونها رابطا يجمع طرفين أو أكثر فإنها تحتاج إلى وقت. ومن ثم كيف نستمر في علاقة دون أن يكون فيها شيء جميل؟

في أوقات الفقد والنهايات ينظر الأطراف إلى النقاط السوداء. يلملمون التعاسة التي خيّمت على العلاقة. أوقات الخذلان والضعف والإنكار والتخلي. كلها أمور مفهومة بجمعها في سلة واحدة وإلا لماذا انتهت العلاقة. حتى تلك المواقف الكارثية التي يفعلها طرف لا بد أن تسبقها ولو هنات صغيرة تُشير إلى النتائج. لكن الطرف الآخر لم يلتفت إليها لأن غيمة الحب أو الثقة أو السعادة كانت تُعيق الرؤية. إذًا كانت هناك سعادة وهو ما دفع العلاقة للاستمرار بعض الوقت.

ليس لدينا وحدة قياس للمشاعر. لا يمكن أن يصف أحدهم أنه يحب شخصا محبة سعة ألف متر. حتى تلك التعبيرات المجازية مثل “بحبك قد البحر” فهي تأتي من قبيل تصوراتنا بأن البحر كبير جدًا بما لا يسمح لنا بمعرفة حجمه الحقيقي. وكذلك السماء كلها تعبيرات تُشير إلى الـ”ما لا نهاية”.

الوقوع في فخ تحجيم العلاقات في المكسب المطلق أو الخسارة المطلقة هو أمر مؤذٍ. عادة يشعر طرف أو الطرفان بأنهما خسرا في العلاقة وربحا بانتهائها. أمر جائز.

إلا أننا نتمادى في إحساس الخسارة. ذلك الشيء الذي لا يمكن قياسه أو الوقوف على حجمه بدقة. هو أمر موجع يتسبب في فقد الثقة في العلاقات. ويثير الغضب نحو الطرف الآخر. وربما تحرك طرف محاولًا النيل من شريكه بالتشويه والتقليل من شأنه. هذه الأمور هي التي تصل إلى درجة مزعجة ومؤذية للسمعة أحيانًا وتصنع ضغائن من اللا شيء.

هل فكّر أحد الطرفين أن اختياره لشريكه هو بصورة أو بأخرى يعبر عنه؟ نحن نرى أنفسنا فيما حولنا. فالشخص حسن النية يرى مَن حوله طيبين. والمتردد لا يمكنه اتخاذ قرار بشأن شيء ويجد تردده في تصرفات غيره. كلنا إن جاز الوصف نعكس أنفسنا على الآخرين. قد تنعكس صفة أو صفات على الطرف الآخر. وهو ما يكون شرارة البدء لأي علاقة. لذا عند نهاية العلاقات وعندما يبدأ أحد الأطراف بتشويه غيره فإنه يشوه نفسه بالدرجة الأولى قبل أن يطال التشويه الطرف الثاني.

فكرة المكسب والخسارة فكرة أليق بعملية حسابية جافة وباردة. بينما العلاقات ليست كذلك. حتى علاقات العمل المبنية أساسًا على المكسب والخسارة. فالشخص الذي يترك عمله مضطرًا مع وقته الذي خسره من وجهة نظره فقد اكتسب مهارة جديدة واكتسب أصدقاء ومالا. حتى لو رآه قليلًا لكنه استخدمه في أشياء هامة له. حتى علاقات العمل المنتهية ليست كلها خسارة.

النظر إلى العلاقة المنتهية بوصفها خسارة يغرق صاحب الفكرة في حالة من التعاسة وإحساس بعدم جدوى أي شيء. إحساس الخسارة تحريضي نحو الأسوأ وليس شيئا جيدا.

قد يجد البعض نفسه مدفوعًا بالحماس لتعويض خسارته. فاذا أنهى رجل علاقته بفتاة جميلة ووجد أن العلاقة كانت خاسرة فإنه يسعى للارتباط بالأجمل أو الأغنى أو الأكثر تعليمًا. هذا الحماس يُعمي صاحبه.

تقع غالبية النساء في مشاعر الحزن أسهل من الرجال. فهن الأكثر تأثرًا بالتفاصيل والمواقف. وعندما تُنهي امرأة علاقتها بصديقة أو صديق أو حبيب فإنها تنزوى في حالة يأس وحزن. حالة معطِّلة عن التقدم نحو الأفضل.

لم تقف لتفكر أنها عاشت لحظات جميلة. شعرت بالحب والاهتمام والسند. كلها مشاعر من المؤكد أنها شعرت بها حتى مع وجود مواقف تحزنها. عاشت بالفعل أحداثًا جميلة أسهمت في حياتها. فلماذا ننظر إلى السيئ فقط ونتذكر الخسارة؟

قد يتورط أحدنا في علاقة أسسها خاطئة لا شيء يجمعه بالطرف الآخر. فتكون علاقة ضاغطة عليه. مطالب طوال الوقت بتقديم تبريرات وشروح. يعيشها بمنطق المدافع حتى هذا النمط من العلاقات نهايته مكسب وليس خسارة.

أولى خطوات التعافي من العلاقات المنتهية ألا نضعها في قوالب المكسب والخسارة. بل أن ننظر إليها على أنها مرحلة ومرت. ربحنا فيها أمورا نحبها وبالطبع فقدنا.

تنميط العلاقات تحت مقياس المكسب والخسارة هو أمر بالغ السوء. ليس فقط لأنه ينتزع الثقة من صاحبه تجاه الآخرين. فالخسارة الحقيقية تحدث فيما بعد انتهاء العلاقة. عندما يظل الإنسان يحسب هل ربح أم خسر؟ وكأن الأمور بهذه السهولة والوضوح.

فهل فكر أحد الطرفين كم تساوي لحظة سعادة شعر بها إزاء مساندة جاءت في موعدها؟ أو اهتمام أحدث فارقًا؟

ولأن الكثيرات من النساء غارقات في عقد المقارنات تنساب بسهولة مع تلك العمليات المنهكة والمستهلكة للروح. خاصة تلك التي يقررن فيها أنها “خسارة فيه” وأنها تستحق مَن هو أفضل. مثل تلك الجُمل التي يتم ترديدها خاصة مع نهاية العلاقات العاطفية وعلاقات الزواج فقط لأن الكثيرين منا لم يتعلموا مسؤولية الاختيار. فيختار أحدهم شيئا أو شخصا وعند فشل العلاقة ينطلق في تشويهه.

جميع العلاقات نختار وجودنا فيها ومساحة الوجود. وعلى كل إنسان أن يتعلم تحمل مسؤولية اختياره.

لا مكسب مطلق أو خسارة مطلقة. هناك دومًا الجمال إلى جوار القبح. الشر والخير. الحب وغير الحب. فقط عندما يصل أحدنا إلى نهاية علاقة عليه ألا يقف بأريحية ويقر بأنه كان خاسرًا وقد ربح اليوم.