في ظل متوالية الإخفاق والسقوط المدوي لليرة تركيا أمام الدولار. تفاقمت الأزمة الاقتصادية من معضلات الأوضاع السياسة التي يقع تحت وطأتها نظام حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان. بينما تجعل الأرض تهز تحت أقدامه وتضع حكمه في أزمة وجودية. لا سيما بعد انحسار شعبية “أردوغان” وحكومته. الأمر الذي تؤكده مراكز قياس اتجاهات الرأي العام. فضلا عن مطالبات المعارضة التركية الملحة بتدشين انتخابات رئاسية مبكرة. ومن المتوقع أن تسجل هزيمة للرئيس التركي وحليفه زعيم الحركة القومية المتشددة -دولت بهجلي- مثلما حدث في الانتخابات البلدية.

وقبل نحو عامين سجل مرشحو الحزب الحاكم أول خسارة فادحة في الانتخابات البلدية التركية بينما فازت المعارضة. إذ تقدم مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو أمام مرشح “العدالة والتنمية” -بن علي يلدرم- في إسطنبول. واللافت أن “أردوغان” الذي طالما اعتبر أن “من يفوز في إسطنبول يفوز بتركيا” قد واجه الهزيمة في الانتخابات بإجراءات قمعية للحد من صلاحيات الحاكم الجديد للبلدية.

وعدَّ حزب الشعب الجمهوري -الذي ينتمي له أوغلو- والفائز ببلدية إسطنبول موقف حكومة “أردوغان” بأنه “أول عصا حكومية في دواليب عربة إمام أوغلو”. واعتبرت المعارضة أن موقف الحكومة الذي يقضي بسحب صلاحيات الحاكم الجديد يتاقض نص المادة 37 من قانون البلديات. وتنص على أن العمدة هو ممثل الكيان القانوني للبلدية.

انقسامات العدالة والتنمية في تركيا

شهد الحزب الحاكم في تركيا انقساماتٍ حادة وتصدعاتٍ داخلية بين قياداته وتحديدا حلفاء “أردوغان”. وذلك على خلفية رفضهم إدارته السياسية المحلية. وكذا مغامراته الخارجية المتسببة في عزلة إقليمية لتركيا بعد انخراطه في أزمات الإقليم خلال العقد الأخير. وذلك بداية من الحروب في شمال شرقي سوريا مرورا بليبيا حتى ناغورني قره باخ. فأسس رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو حزب “المستقبل”. والأمر ذاته تكرر مع وزير آخر هو علي باباجان الذي دشن حزب “الديمقراطية والتقدم”.

وتعلق وكالة “رويترز” للأنباء على ظهور أحزاب جديدة منشقة يقودها حلفاء سابقون للرئيس التركي بأنها “ما تزال بلا حواضن اجتماعية ولم تشكل لها قواعد. لكن “تحول الناخبين ولو بشكل هامشي تجاه هذه الأحزاب قد يضر بأردوغان بما يكفي لقلب الطاولة”.

أردوغان يتهم “أباطرة المال” في أزمة تركيا

وفي خطاب للرئيس التركي قبل أيام أكد أنه لن يقبل بحدوث انتخابات مبكرة قبل موعدها عام 2023. بينما اتهم “أباطرة المال” بأنهم السبب وراء إضعاف الاقتصاد التركي وأزمة تدهور الليرة أمام الدولار. كما تعهد بـ”خفض تكاليف الاقتراض لتعزيز النمو”. وذلك لجهة استعادة شعبيته المتدهورة قبل انتخابات عام 2023 -حسبما توضح وكالة بلومبيرج. غير أنه في أعقاب خطابه تراجعت العملة المحلية مجددا بنحو 4.5% وتم تداولها عند سعر 12.4766 ليرة للدولار الواحد.

وقال “أردوغان”: “لن نتخلى عن برنامجنا الاقتصادي الجديد مهما فعلوا. إنهم يحاولون تدبير سيناريو مظلم عبر استغلال مستويات أسعار صرف العملات الأجنبية”.

نهاية الشهر الماضي كشفت شركة “متروبول” التركية -المعنية بقياس اتجاهات الرأي العام- انخفاض الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية لنحو 26٪. وتعد النسبة هي الأدنى في تاريخ الحزب الذي يحكم منذ عقدين.

كما بلغت نسبة الموافقة على أداء الرئيس “أردوغان” حول 39٪. ما يجعلها تقترب من أدنى مستوياتها القياسية التي تم تسجيلها عام 2015.

ولذلك ترجح وكالة “رويترز” أن “الناخبين الذين صوّتوا لحزب العدالة والتنمية لأعوام عديدة قد لا يدعمون أردوغان في الانتخابات المقبلة”.

فرص المعارضة في تركيا

ولفت مركز كارنيجي إلى وجود حظوظ جادة للمعارضة التركية بشكل متزايد. لا سيما بعد خسارة “العدالة والتنمية” في الانتخابات البلدية. إذ كانت نتائجها لافتة على أكثر من مستوى. واعتبر أن أمام المعارضة “فرصة لتحدي حزب العدالة والتنمية في السمعة التي اكتسبها في موقع الحزب الذي يؤمّن الخدمات. لقد استطاع حزب العدالة والتنمية أن يحصل على دعم مجتمعي قوي وراسخ بنجاحه في تأمين الخدمات. وذلك منذ تجاربه الأولى في الحكم المحلي -خاصة أنقرة وإسطنبول- وقد صبّ هذا الإرث أيضا في مصلحة قادة الحزب المستقبليين”.

غير أن اتساع رقعة التحزب والمحسوبيات تسبب في تراجع شديد في فاعلية الحزب في توفير الخدمات في الأعوام الأخيرة. ما أتاح فرصة سانحة أمام المعارضة بحسب المركز الأمريكي.

وهكذا يستطيع حزب الشعب الجمهوري وسائر الأحزاب المعارضة من خلال تأمين بديل حيوي قادر على توفير الخدمات بالفاعلية نفسها -لا بل بفاعلية أكبر- بناء علاقة قوية مع الناخبين. الأمر الذي قد يسهم بدوره في تحسين حظوظ تلك الأحزاب في الانتخابات التشريعية.

ويتابع مركز كارنيجي: “فيما تدخل تركيا مرحلة سياسية جديدة يبرز عاملان متعارضان بما يستدعي تفاؤلا حذرا. لقد وجّه الناخبون رسالة واضحة بأن حزب العدالة والتنمية لم يعد يتمتع بالحصانة الانتخابية التي كان يعتقد أنه يمتلكها. الأمر الذي يُرسي من جديد درجة من المساءلة الانتخابية. وهذه بارقة مشرقة نظرا إلى المسار الأخير للسياسة التركية. لكن عجز الأحزاب المعارضة عن رصّ صفوفها بغية العمل على تحقيق الأهداف المعبّر عنها والمتمثلة في مساءلة حكومة أردوغان في اتهامات الفساد التي واجهتها عام 2015. لا يزال العامل الحاسم الذي يحدد ما تستطيع المعارضة إنجازه أو بالأحرى ما تعجز عن إنجازه في مواجهة حزب العدالة والتنمية”.

الانتخابات المبكرة والتغيير في 2023

وفي حديثه لـ”مصر 360″ يشير الدكتور محمد ربيع -الباحث المتخصص في الشأن التركي- إلى أن تركيا شهدت خلال الأيام القليلة الماضية حالة استياء شعبي ورفض للنظام التركي بسبب انهيار الليرة. ما تسبب في سوء الأوضاع المعيشية. الأمر الذي يعد انعكاسا طبيعيا للحياة السياسة في تركيا وسياسات النظام الخارجية التي أفرزت دوامة مشكلات هددت الاستثمارات الأجنبية في الداخل.

وأضاف “ربيع”: “لا شك أن مطالبة المعارضة اليوم بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة هو مطلب منطقي. وقد تكرر كثيرا. لكن الواقع يعكس قبضة أمنية متشددة وملاحقة لكل الخصوم السياسيين. كما أن المعارضة التركية ما زالت تعاني ضعفا بسبب عدم الاصطفاف السياسي. وبالتالي لا توجد أجندة متجانسة وواحدة للمعارضة. فيما يستغل أردوغان هذه التناقضات لصالحه. فيعيق أي محاولات لإجراء الانتخابات المبكرة. فضلا عن كسب بعض الأصوات التي تظل مترددة لعدم وجود بديل آمن”.

وعليه، أكد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا أن الانتخابات المبكرة هي “الحل للخروج من الأزمات التي تمرّ بها تركيا”. ودان رئيس الحزب كمال كليتشدار أداء الحكومة الذي أدى لتفاقم الديون. إذ غرّد عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “على الجميع ألا يلتزموا الصمت ويعلنوا موقفهم صراحة لأن التاريخ سيدون مؤيدي وداعمي هذا الجهل”.

إلغاء الفوائد لإنقاذ الليرة

ورفض رئيس الحزب التركي المعارض تصريحات “أردوغان” التي تروّج إلى أن خفض الفوائد “ضرورة دينية”. وطالب أوغلو الرئيس التركي إذا كان يعتقد في ذلك أن “يتفضل ويلغي جميع الفوائد”. وتابع: “جميعا نعلم أنه (أي أردوغان) يرتكب هذا الأمر عن عمد. لا يوجد نموذج اقتصادي ولا ما شابه. البلدان ذات الاقتصادات المشابهة لتركيا قد زادت أو تستعد لزيادة أسعار الفائدة. حاليا أهم شيء بالنسبة للاقتصاد التركي هو إنهاء الإفراط في تقلب سعر الصرف وعدم الاستقرار في الاقتصاد. المشكلات كبيرة للغاية. أمتنا الآن تنتظر بلوغ صندوق الاقتراع في أقرب وقت ممكن.. لا توجد طريقة أخرى للتغلب على الأزمة. وصندوق الاقتراع هو التدخل الأكثر فاعلية لكل من سوق الصرف الأجنبية وسعر الفائدة”.

ويوضح سونر كاجابتاي -مدير برنامج البحوث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى- أن “التطورات منذ 2018 عندما واجهت تركيا أول أزمة اقتصادية في عهد أردوغان تشير جميعها إلى حقيقة أن إردوغان هو السلطان في خريف حياته المهنية”. وقال: “أبحث عن عمل. لا أستطيع سداد ديوني. لا يوجد حل. لقد سئم الناس الآن”. وأضاف: “صوّتت لأردوغان لسنوات. لن يكون قادرا على إنقاذ نفسه”.

يتفق والرأي ذاته المدير في مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية -سنان أولجن- الذي قال: “لم نشهد قط مثل هذا الدعم المنخفض لحزب العدالة والتنمية. هناك تصور متزايد بأنه سيكون هناك تغيير سياسي في عام 2023”.