بنظرة على المشهد السياسي في المنطقة االعربية ستصل للحقيقة الواضحة وضوح الشمس: هذه المساحة المنكوبة من الكوكب هي الأكثر استبداداً في العالم، كما أنها الأكثر في عدم الاستقرار والثورات والانقلابات والإرهاب.
نظرة واحدة تستطيع أن تهدم النظريات التي يرددها داعمو الاستبداد والمتعايشون معه والمستفيدون من بقائه.
كل أنصار نظريات “الحفاظ على الاستبداد” و”الخوف من الحرية” لا يكفون عن التلويح الدائم بأنَّ الحرية هي العدو الأول للاستقرار، وهي التهديد الأكبر لعرش الأنظمة، ولكن في الحقيقة، فإنَّ كل هذه النظريات البائسة لا تصمد أمام واقع نعيشه جميعًا، ونشعر به في كل يوم وفي كل لحظة.
1- كل الحديث عن أن الحريات العامة تحفِّز الناس وتدفعهم للثورة، وتفتح مساحات ينفد منها أعداء الاستقرار ودعاة الفوضى هو وهم لا أساس له، ومنطق مغلوط ليس له ما يدعمه، فالحريات هي التي تحصِّن الأنظمة من الغضب المتراكم، إذا ما فشلت السياسات أو تعثرت الخطط، وهي التي تصرف هذا الغضب في مجرى قانوني ودستوري، وتعبر عنه في صورة مقالات أو حوارات أو مؤتمرات أو عمل حزبي أو تظاهر سلمي، ويكاد يكون هناك ما يشبه الإجماع بين السياسيين والمهتمين بالشأن العام على أن هامش الحرية الذي أتاحه نظام حسني مبارك في سنواته الأخيرة، هو الذي أمد في عمر النظام لعدة سنوات، وجعله يستطيع أن يتلقى ضربات وعواصف الغضب بمرونة أكبر.
هل سمع أحدنا ذات يوم عن مظاهرات سلمية، حتى لو كانت مليونية، في الدول الحرة تدعو “لإسقاط النظام”؟، بالتأكيد لا، والإجابة سهلة وواضحة، فهؤلاء يعلمون أن الديمقراطية تمنحهم حق التداول السلمي للسلطة بدون ثورات، وأن الحريات المدنية والدستورية تمنحهم الحق في الرفض والاحتجاج وتقييم وتقويم السلطة إذا انحرفت، إذاً فالكل يدرك أن الحرية والديمقراطية تحمي الأنظمة وتصون بقائها مستقرة، ولكن خاضعة للمساءلة والمحاسبة في ذات الوقت.
2- ثاني النظريات التي يرددها أنصار الاستبداد هي أنه لا حريات أو حقوق إنسان في ظرف وجود إرهاب وتطرف، والحقيقة أنها مقولة باطلة بطلاناً كاملاً، فالانتصار على الإرهاب سيكون بمواجهة مجتمعية في الأساس، ولا يمكن أبداً أن نظن أن المواجهة الأمنية- على أهميتها- كافية، فإذا سلمنا بأن المواجهة يجب أن تكون مجتمعية وشاملة، فإنّ الصحافة الحرة التي تنشر الوعي والتنوير هي جزء من المواجهة مع الإرهاب، كذلك الإبداع الفني الذي يتطلب مناخاً حرًا للسينما والمسرح وغيرها من الفنون، وقبل كل هذا وبعده حرية في المجال العام تسمح للأحزاب السياسية بنشر الوعي وتصحيح المفاهيم في مواجهة التطرف، أضف إلى كل هذا أن مناخ القمع والاستبداد هو المناخ الأمثل لنمو التطرف والإرهاب، فالمناخ الذي يزدري الحوار والعقل ويحاصر الفكر والفن والصحافة هو البيئة الأنسب لكل الأفكار الرجعية والمتشددة والداعمة للإرهاب.
كما أن الإجراءات الاستثنائية التي تحاصر الحريات لم تكن أبداً طريقا صحيحاً للانتصار على الإرهاب ولا التطرف، بل كانت بما تحمله من انتهاكات لحقوق الإنسان وبما تفرضه من تغول على حريات الأفراد تشكل البيئة الخصبة لنمو التطرف وانتشاره.
3- نعيد السؤال من جديد: لماذا ينتشر الإرهاب والتطرف في الدول المنكوبة بالاستبداد أكثر من غيرها من دول العالم؟
وبمعنى آخر: لماذا “يزدهر” الإرهاب في المنطقة العربية وفي منطقة الشرق الأوسط بالذات، بينما يقل بدرجة كبيرة في كل الدول التي تتخذ من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان سبيلاً ومنهجاً؟
أظن أن الإجابة على السؤال كافية لأن ندرك أن التطرف وعدم الاستقرار يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالاستبداد السياسي، وبالقمع وبعدم احترام حرية الإنسان وحقه في التفكير والتعبير والكتابة.
جربوا مرة واحدة أن تواجهوا الإرهاب ليس بالأمن وحده بل بالتفكير والحرية والإبداع، وأشركوا المجتمع ليمارس حقه في أن يكتب ويقرأ ويحاصر كل صور التطرف، ربما عندها تتفتح ألف زهرة أوشكت أن تموت بفعل الاستبداد وأعوانه!