دأب عدد من الدول الغربية والكيانات الأممية، على انتقاد أوضاع حقوق الإنسان في مصر خصوصا قبيل عدد من المحاكمات التي أقيمت مؤخرا. مما حدا بالبعض إلى عقد الأمل على تلك الضغوطات في حلحلة هذا الملف الشائك.
قبل أيام قضت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ في مصر، بالسجن خمسة أعوام للناشط علاء عبد الفتاح و4 أعوام. لكل من المحامي الحقوقي محمد الباقر والمدون المعروف باسم محمد أوكسجين، وذلك بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديد الأمن القومي.
واحتجز المتهمون الثلاثة في عام 2019، وبالتزامن مع أحداث سبتمبر، وحبسوا احتياطيا لمدة تجاوزت العامين. قبل أن يحالوا إلى المحاكمة في أكتوبر الماضي ضمن القضية رقم 1228 لعام 2021 بتهم بث أخبار كاذبة.
وقبيل المحاكمة صدرت العديد من البيانات الدولية المطالبة بالإفراج عنهم، والتي كان أبرزها بيان الخارجية الألمانية. التي قالت: “إن الحكم المرتقب النطق به في الـ20 من ديسمبر. بحق المحامي محمد الباقر يعد بالنسبة للحكومة الاتحادية. بمثابة إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر”.
وأضافت: “تتوقع الحكومة الألمانية أن تعمل الحكومة المصرية على تحقيق محاكمة عادلة وكذلك الإفراج عن الباقر والمتهمين الآخرين علاء عبد الفتاح ومحمد إبراهيم”.
بينما ردت الخارجية المصرية بأن الأمر شأن قضائي داخلي لا يجوز للحكومة الألمانية التدخل فيه. وأنها أي الحكومة الألمانية عليها أن تلتفت لتحدياتها الداخلية، وبالمثل طالبت عدة منظمات حقوقية دولية ومحلية بالإفراج عنهم.
خيبة أمل
كما أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، أعرب عن “خيبة الأمل” تجاه الأحكام القضائية التي صدرت في مصر. وقال إنه “يجب أن يتمكن الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان. وغيرهم ممن يسعون إلى ممارسة حريتهم في التعبير سلميًا من القيام بذلك دون مواجهة عقوبات جنائية أو ترهيب أو مضايقة أو انتقام”.
ووصفت منظمة العفو الدولية، عبر حسابها على تويتر، الحكم بأنه “تزييف للعدالة، وتذكير ببطش السلطات المصرية بالمعارضين”. وأضافت: “طالبوا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإلغاء هذه الأحكام الآن وإطلاق سراحهم فورا”.
إلا أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد حافظ، قال في تصريحات نقلتها صحيفة “الأهرام” “ليس من المناسب إطلاقًا التعليق بأي شكل. أو التطرق إلى أحكام تصدر من القضاء، تنفيذًا لقوانين واستنادًا لأدلة وأسانيد دامغة وقاطعة في إطار مسار قضائي عادل ونزيه ومستقل”.
الضغوط الدولية فيما قبل 25 يناير
“العالم الخارجي، الذي ألهمه الثوار المصريون ذات مرة، يشيح بنظره بعيدا عنهم“
دكتورة ليلى سويف في أعقاب الحكم على علاء وزملائه
في معرض تعليقه على إشكالية الضغوطات الدولية والتعويل عليها. وتغير وزنها عبر الحقب الزمنية والسياسية المختلفة قال الباحث الحقوقي ورئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي محمد زارع “اختلف تناول ملف حقوق الإنسان قبل عام ألفين عن الأعوام العشرة الأخيرة من الألفية والمزامنين لحركة الربيع العربي”.
وتابع زارع “في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تم استغلال هذا الملف في الحصول على بعض المعونات أو المساعدات، من قبل بعض الدول بما فيها مصر، مقابل تحسن طفيف في ذلك الملف”.
ولهذا كان وضع هذا الملف دائما بحسب زارع متذبذب ويختلف حجم الضغوط فيه من فترة لأخرى، بينما استمرت المنظمات الأممية في عملها مثل المجلس الدولي لحقوق الإنسان، والأمم المتحدة، مع غياب الآلية الواضحة لاجبار الدول المخالفة للمعايير الحقوقية الدولية على الانصياع لتوصياتها، بعكس الدول والكيانات الاقليمية التي تملك تلك الآلية عبر فرضها شروط تتعلق بتلك المسألة في أي اتفاقات بين الأطراف، فكانت تلك الضغوط تنجح في لحظات وتخفق في أخرى، وهو ما يتوقف على قدرة الدولة في التفاوض مع نظيرتها”.
انتقاد أوضاع حقوق الانسان..شأن داخلي أم أممي؟
انتقاد الدول بعضها البعض، ومايراه البعض تدخلا في الشأن الداخلي، أمر غير منطقي. في رأي كل من محمد زارع. والحقوقي ومدير المركز العربي لاستقلال القضاء ناصر سلامة، إذ يرى كل منهما أن مصر كعضو بالأمم المتحدة. ومجلس حقوق الإنسان، قد ارتضت بتلك التدخلات من قبل، كما أن مصر نفسها سبق وأن انتقدت أوضاع حقوق الإنسان بعدد من الدول.
أما الحقوقي ناصر أمين فيرى أن ما يمكن توصيفه بالضغوط الدولية هو بمثابة توصيف غير صحيح للمشهد. فالمسألة لا تتعدى كونها التزاما وتعهدا على الدولة المصرية بإخضاع وضع حقوق الإنسان للمناقشة. بعد أن انضوت تحت جناح المنظمات الأممية والعالمية، وهو مايطلق عليه الاستعراض الدولي الشامل والذي يصدر عنه تقرير سنوي. وتخضع له كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة .
وبالمثل على الأعضاء إخضاع هذا الملف للتدقيق والتمحيص. وانتقاد أي مخالفة للمعايير والاتفاقات المعلن عنها مسبقا في هذا الشأن. فالوصف الطبيعي لما يحدث هو إعمال بالتزامات مصر الدولية. بما فيها العهد الدولي لمصر، والبروتوكولات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان.
وبمجرد خضوع الدولة لتلك الالتزامات، يجب عليها النظر في التوصيات والانتقادات التي توجه لها بعين الاعتبار والعمل على تحسين أحوال حقوق الانسان.
وقد توجه تلك الانتقادات من دولة كحالة الخارجية الألمانية أو كيان كحالة الاتحاد الأوروبي أو منظمات حقوقية معروفة. وفي المطلق يؤكد أمين أن أي محاولات لانتهاك حقوق الإنسان. هي بالقطع ستخضع لمراقبة العالم أجمع، خاصة في ظل الثورة التكنولوجية الرهيبة التي نعيشها. وأن الأولى هو التوقف عن تلك الممارسات بدلا من الرد عليها بممارسات خارقة أخرى.
انتهاكات حقوق الإنسان في مقابل المصالح
اما عن أثر تلك الممارسات على المستوى الدولي فيقول أمين: “بالطبع تؤثر تلك الممارسات. على سمعة البلاد بالآخر، ما يجعل بعض الدول تضغط اقتصاديا أو عبر الاتفاقات العسكرية على نظيرتها على أمل تحسن الوضع”
ولكن مع ذلك -وبحسب أمين- فقد تغلب المصالح على المشهد فتصبح تلك الضغوط شكلية. أو غير مجدية، فبالنهاية علاقات الدول تحكمها المصالح لا الأيدلوجيات. وهو أمر متغير أيضا خلال السنوات الأخيرة، حيث يخشى بعض مسؤولي الدول التي تحكمها الديمقراطيات خصوصا، المساءلة من قبل مؤسسات الدولة سواء برلمان. أو مؤسسات المجتمع المدني، ما يجعل الأمر خليطا بين المصالح ومعايير حقوق الإنسان، قد ينجح في لحظات، ويفشل في أخرى في احراز تقدم يمكن التعويل عليه.
وفي كل الأحوال يرى محمد زارع أنه لا يجب أن يصبح ملف حقوق الإنسان مجالا للتفاوض بين الداخل والخارج بهذا الشكل، حتى يصبح الاهتمام العالمي بذلك الملف خارجيا أكثر منه داخليا.
الضغوط الخارجية وغياب جماعات الضغط الداخلي
يفسر ناصر أمين ازدياد وتيرة الضغوط الخارجية بمحدودية عمل جماعات الضغط المحلية. إذ يرى أمين أن عدم إتاحة أدوات التعبير عن الرأي في البيئة المحلية مثل تكوين الأحزاب. وإتاحة المساحات للجمعيات الأهلية، والمجتمع المدني عموما، يجعل من أي بلد عرضة للانتقادات الخارجية، كبديل عن جماعات الضغط الداخلية.
ويرى أمين أن إضعاف قوى المجتمع المدني بالشكل الحالي، وتغييب جماعات الضغط. كأحد أهم أدوات الديمقراطية. يعرض سلامة المجتمع للخطر، ويجعله عرضة للتدخل الخارجي دوما.
وعن ما يتعرض له المجتمع المدني كأحد جماعات الضغط، يرى محمد زارع أن هذا المجتمع قد دفع الثمن غاليا خلال السنوات العشر الأخيرة، عبر العديد من الانتهاكات بحقه. وفي الوقت نفسه يشدد زارع على أن الملف الحقوقي المصري لا يجب أن يظل في انتظار الضغوط الخارجية. التي تتقاطع مع مصالح الدول، فتنجح أو لا تنجح.
وحتى مع تغير الإدارات الأمريكية ووعود الحاكم الجديد جو بايدن بإبداء العناية بملف حقوق الإنسان. خلافا لسابقه دونالد ترامب، فإن الأمر لايزال محكوما بالمصالح بين الحكومات والإدارات. ولذا لا يمكن التعويل تماما على تلك الضغوط، في رأي زارع، الذي يعتقد أن بايدن لن يتخلى تماما عن الملف الذي وعد بالاهتمام به خلال برنامجه الانتخابي وعليه ضغوط كبيرة بشأنه، ولكنه بالوقت نفسه لن يتخلى عن مصالح بلاده. وهنا ستكون الكلمة الأخيرة في ذلك الصراع للأقوى.
ما العمل؟
يعتقد ناصر أمين أن كيفية تحسين حالة ملف حقوق الإنسان سؤال قديم حديث طرح لأكثر من ثلاث عقود وربما آن الأوان للنظر فيه بجدية، بعيدا عن الاعتماد على الخارج وما يتقول به من جانبه، بل يجب النظر إليه في إطار الحفاظ على صحة وسلامة إجراءات حقوق الإنسان في البلاد وبما فيه صالح الشعوب، وأن عملية الإنكار التي تعيشها النظم السياسية لن تجدي فلابد من التحرك ومواجهة مشاكلنا بشفافية، وحسم.
أما محمد زارع فيرى أن الظرف السياسي الإقليمي الحالي والذي يصفه بشديد التعقيد في ظل توسع مساحات التوتر وامتدادها من اليمن لليبيا، لفلسطين، وسوريا، والعراق، لا يجب أن يظل ذريعة لأي انتهاكات تخص حرية التعبير، فطالما كانت هناك دول تحظى بأعلى درجات الاستقرار، والتداول السلمي للسلطة، ويسودها احترام الحريات كافة.
ويختم زارع: “يبدو أننا لم نتعلم من درس 25 يناير وتجربة الربيع العربي كافة، التي أكدت أن مجتمعا مدنيا قويا يخلق بدائل ومسارات سياسية آمنة، تحمي البلاد من الدخول في متاهات”.