دأب قطاع من رجال الأعمال بمصر إلقاء مسؤولية التوقف عن ضخ استثمارات جديدة بالسوق المحلية بمزاحمة المؤسسة العسكرية والشركات الحكومية في الاقتصاد. قبل أن تتبنى الدولة سياسة جديدة بفتح مساحة واسعة أمام المستثمرين حتى في مشروعات الإنتاج الحربي.
أعلن الرئيس السيسي، يوم الأربعاء الماضي خلال افتتاح مجمع إنتاج البنزين بشركة أسيوط لتكرير البترول. فتح المجال أمام رجال الأعمال للاستثمار في جميع المشروعات حتى التابعة للإنتاج الحربي. مجددًا التأكيد على تصريحاته التي أصدرها قبل شهور بطرح شركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالبورصة المصرية.
قال السيسي نصًا: “لو الإنتاج الحربي عنده مشروعات٠٠ القطاع الخاص يقدر يبقى له شراكة فيها٠٠ ده توجه دولة”. وتشير كلمة “توجه دولة” إلى رغبة من الدولة لكل أجهزتها في تخفيف ملكيتها في الاقتصاد ومنح الفرصة للقطاع الخاص، للاستفادة من خبرات وقدرته.
تبدو التصريحات موجهة لمجموعة من رجال الأعمال في مقدمتهم نجيب ساويرس الذي يتحجج في تفسيره بالإحجام عن دخول المنافسة في المشروعات بوجود منافسة غير عادلة. وهي مقولة رددتها بعض المراكز الغربية أيضًا.
ساويرس قال، في لقاء مع وسيلة إعلامية فرنسية، أخيرا. إن الشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك. وطالب بأن تكون الدولة جهة تنظيمية، وليست مالكة للنشاط الاقتصادي بمصر.
توجه دولة
يتولى الصندوق السيادي، حاليا، العمل على عدد من الشركات المملوكة لجهاز الخدمة الوطنية للاستثمار. تمهيدا لطرحها أمام القطاع الخاص في البورصة المصرية. في خطوة هي الأولى من نوعها بالتاريخ المصري.
يرجع بداية النشاط الاقتصادي لجهاز الخدمة الوطنية لعام 1979 عندما أصدر الرئيس المصري السابق، أنور السادات. قرارا بإنشاء جهاز “مشاريع الخدمة الوطنية” الذي تولي إنشاء مشروعات هادفة للربح.
يدرس الصندوق السيادي طرح ثلاث شركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية لمستثمري القطاع الخاص. من بينها شركتي “صافي للمياه المعبأة”. و”الوطنية للبترول”، بحسب أيمن سليمان، المدير التنفيذي للصندوق. الذي وعد بالمزيد مؤكدا أن “الخطة الأولية تشمل بيع حصص تصل إلى 100% في عشر شركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية.
تريد الدولة شراكة بينها وبين القطاع الخاص، حاليا، تصب بالنفع بين الطرفين، وهو أمر آتى ثماره في المشروعات العقارية. بالمدن الجديدة عبر تأسيس شركات مشتركة دخلت فيها الدولة بحصة الأرض وأعمال الترفيق وتولي المستثمرون الإنشاء والتسويق وتقديم خدمات الصيانة.
رغبة واضحة
“دي سادس مرة أقول فيها إحنا محتاجينكم وعاوزينكم تشتغلوا معانا”.. تلخص تلك العبارة التي قالها السيسي خلال الفعالية التي شهدت إعلان الدولة عن إنجازاتها في صعيد مصر. وأكد خلالها أيضًا عدم وجود مزاحمة أو رفض لرجال الأعمال. فحجم العمل المطلوب بمصر ضخم، وخبرات والقدرة المالية للقطاع الخاص طيبة ومقدرة.
يريد بعض رجال الأعمال انسحاب الدولة الكامل من الاقتصاد. وأن تكتفي بالدور التنظيمي فقط، أمر لن يجدي في دولة لديها خطط تنموية كبيرة. ففي مجال الزراعة على سبيل المثال. يتكلف استصلاح الفدان الواحد ما بين 200 و300 ألف جنيه، وهي تكلفة لن يتحملها القطاع الخاص.
الشراكة مع الدولة مربحة _بحسب تأكيدات الحكومة _ التي كشفت عن حصول إحدى شركات القطاع الخاص على استثمارات تقدر بـ 75 مليار جنيه. بمجال البناء في 7 سنوات، بما يعادل نحو 11 مليار جنيه سنويا.
تعمل مع الدولة حاليا 4375 شركة، 150 منها بحد أدنى مليار جنيه، وحد أقصى 75 مليار جنيه بحجم أعمال إجمالية. تصل إلى تريليون و100 مليار جنيه.
بحسب بيانات وزارة المالية، فإن حجم الأعمال التي قام بها القطاع الخاص في العام المالي 2021. في قطاع الإنشاءات حوالي 450 مليار جنيه.
توجد مشروعات تمولها الدولة من موازنتها المباشرة وهي قد تصل لـ 400 مليار. وأخرى تنفذها الجهات التي تكون موازناتها ملحقة على الدولة المصرية. أو ما يسمى بالتمويل الذاتي. وتريد الدولة أن يتحمل القطاع الخاص دورا أكبر في عملية التنمية لتقليل الضغط على الموازنة.
يساهم القطاع الخاص حاليًا بنحو 30% في الوقت الحالي من الناتج المحلى وتستهدف الحكومة رفع نسبته إلى 50%. خلال الثلاث سنوات المقبلة من خلال إجراءات متعددة أبرزها برنامج الطروحات الحكومية.
يعمل برنامج الطروحات الذي يستهدف شركات أيضًا لجهاز الخدمة الوطنية. تحديد قطاعات بعينها لإتاحة استثمار القطاع الخاص لقيادة معدلات النمو بهذه القطاعات. كما توجد إجراءات عديدة اتخذت خلال الفترة الماضية، وأخرى سيتم إطلاقها لتحقيق هذا الغرض.
تعول الدولة حاليا على القطاع الخاص في التشغيل، وتخليق مليون فرصة عمل سنويا، وهو أمر لن تستطيع الحكومة وحدها تحقيقه. ما يتطلب منح دور أكبر للشركات الخاصة في تحقيق ذلك الهدف.
تعديلات جديدة
في نوفمبر الماضي، أقر مجلس النواب تعديلات على قانون مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية للدولة، وفر طرقًا جديدة للتعاقد منها التعاقد المباشر. والتعاقد بمبادرة من القطاع الخاص، والمناقصات والمزايدات المحدودة.
تتضمن التعديلات إمكانية أن يقدم القطاع الخاص فكرة مشروع كاملة للحكومة ويبدي رغبته في تنفيذها بالتعاون معها. كما خفضت التعديلات الجديدة مدة الإجراءات مع القطاع الخاص لتصبح 15 يومًا
توسعت مجالات الشراكة لتشمل مجالات البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة في مختلف قطاعات الدولة، كالنقل والكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحي والصحة والتعليم وغيرها.
تكمن بعض المشكلات التي تعوق انطلاق القطاع الخاص، في أن معظم المشروعات، التي يقدمها القطاع الخاص. عن طريق الشراكة لها أبعاد اجتماعية، ما يثير الريبة عند دخوله خاصة عند تسعير مقابلها. الأمر الذي يجب الانتباه إليه عند إبرام عقود الشراكة.
يجب على الدولة أن تحدد بوضوح وفق خطة تنموية شاملة برامج الشراكة التي تحتاج إلى تنفيذها. وأن تراعي فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة. كما يتطلب الأمر وضع نظام يراعي الأولويات المطلوبة للتنمية حسب كل مرحلة. عبر قاعدة بيانات متوافرة لديها وتنطلق من خلالها لتحقيق خططها التنموية.
شركاء التنمية
يقول خبراء إن الحكومة معنية بتحديد دور كل شريك في التنمية. والابقاء على دور الإشراف والمراقبة. وتوفير منظومة رقابية تتكون من بعض الأجهزة الحكومية واللجان الشعبية.
يضمن ذلك الالتزام بالاتفاقات المعقودة بين القطاعين العام والخاص من جهة. ووصول السعر والخدمة المناسبة للمواطنين من جهة أخرى. مع التأكيد على الدولة عدم تدخلها بهيمنتها وطغيانها بصورة تعرقل الإنتاج.
إبرام عقود المشاركة، يتطلب وجود إطار تشريعي يحمي مصالح الدولة، مع توخي الحذر عند إبرام واختيار العقود المناسبة لخططها. فبعض عقود المشاركة يترتب عليها نقل الملكية من القطاع العام إلى الخاص بنهاية فترة التعاقد.
يقول الباحث عمرو عدلي، في دراسة لمركز مالكوم كير – كارنبجي الشرق الأوسط، إن أحد أدوار الدولة التنموية إزاء الاقتصاد. هو أن تضطلع بإدارة جزء من الموارد الاقتصادية بما يدفع النمو أو يحقق أهدافا تنموية كالتصنيع. أو دعم منافسة الصناعات المحلية في الأسواق العالمية أو تنمية قطاعات بعينها لخلق الوظائف.
ويمتد هذا الدور، وفقا للباحث، إلى اضطلاع الدولة بدور داعم للاقتصاد الخاص عن طريق الاستثمار الحكومي في قطاعات قلما يتجه إليها الاستثمار الخاص. لضعف عائدها على المدى المباشر كالبنية الأساسية والاستثمار في الموارد البشرية من خلال التعليم والتدريب المهني والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي.
تلك القضايا لها بعد تنموي من ناحية لأنها تزيد من قدرة الاقتصاد على المنافسة والنمو وترفع من مستويات المعيشة. ولها بعد اجتماعي كذلك لأنها تمس القدرات الإنتاجية للمواطنين. وترتب لهم حقوقا اقتصادية واجتماعية كمواطنين وليسوا فحسب كأطراف في العملية.
تؤكد التوجهات الاقتصادية الجديدة للحكومة على دور أكبر للقطاع الخاص. في شراكة مع الدولة فى مشروعاتها أيا كانت أو في ملكية شركاتها عبر الطرح في البورصة. في قناعة على قدرته الادارية وفي الوقت ذاته سد باب الحديث عن المزاحمة والمنافسة.