في محاولة لتحرير الأجنَّة من الحبس، يلجأ سجناء إلى تهريب النُّطف خارج أسوار السجن، لاستمرار الحياة الأسرية، وتتابع النسل. في فلسطين تشكِّل تلك الظاهرة إحدى مظاهر المقاومة، للحفاظ على الأرض والنسل، وفي مصر لا تخلو عقول المحبوسين من التفكير في الأمر. ينجح أحيانًا ويجانبه الحظ أحيانا أخرى.
الظاهرة التي يعتقد البعض أنها تشغل الفلسطينيين فقط، موجودة في السجون المصرية منذ أمد بعيد، بحسب روايات سجناء سابقين. وهي أيضًا متجددة في الوقت الحالي في ظل صعوبات تواجه تنفيذ الخلوة الشرعية. لكن عدم توافر معامل حكومية يعقِّد الأمر، رغم أن النيابة العامة تسمح بهكذا إجراء.
“أيوة بحاول أنجب عن طريق تهريب نطفة منوية من زوجي من داخل السجن. وأنا مش أول واحدة، هناك حالات نجحت بالفعل وربنا رزقها بتوأم من زوجها. أنا وزوجي بنحلم نعمل كده، وهنعمله”.. هكذا تحدثت منى لـ”مصر 360″، وهي زوجة أحد المسجونين السياسيين، والمحكوم عليه بالسجن لمدة 15 سنة.
وفق منى، فإن تهريب السائل المنوي من داخل السجون أصبح واقعًا في مصر وليس فلسطين فقط. وذلك في ظل توقف وزارة الداخلية عن السماح بالخلوة الشرعية للمسجونين، والتى كان مسموحًا بها بعهد الرئيس السابق أنور السادات. وقتها كانت سببًا في إنجاب الكثير من زوجات المسجونين بمصر، خصوصًا من عناصر الجماعة الإسلامية.
حلم الأمومة المحبوس
الأمر ليس مجرد فكرة بالنسبة لزوجة السجين، التي طلبت عدم نشر اسمها الحقيقي، لكنها سعت من خلال الاستفسار عن التفاصيل. وتقول: “أنا سألت كثيرًا في هذا الأمر، والفكرة شاغلة بال الكثير من أهالي المسجونين، خصوصا أصحاب الأحكام القضائية الكبيرة. هناك سيدات لم يمر على زواجها سوى أسبوعين أو أكثر قليلاً، وترفض فكرة الانفصال عن زوجها. بل وترغب في استمرار النسل وإشباع رغبة الأمومة لديها، والموضوع سوف يهون عليها وعلى الزوج والأهل كثيرا. ويعوض شعور فقدان الزوج والابن”.
ولكن يبدو أن الأمر ليس سهلاً مجتمعيًا، وهو ما أشارت إليه منى التي تلقت نصائح مثبطة ممن عرضت عليهنَّ الفكرة. ومنها: “الله يعينك بس مش هتخلصي من كلام الناس. وللأسف إحنا في مجتمع صعب والكلام هيكتر. وهتجيبي لنفسك شبهات”.
ترفض منى الاستسلام، وتواصل مقاومة الواقع المجتمعي. وتقول: “تلك النصيحة لم تمنعني المحاولة. خصوصا أن من حملت بالفعل من زوجها المسجون أخبرتني أن الطبيب الذي قام بعملية الحقن اشترط استلام النطفة من أهل الزوج. حتى يتوثق من صاحب السائل المنوي، وهو الأمر الذي يزيل الكثير من المخاوف المجتمعية من هذا الأمر، ولكن الظروف الخاصة بها منعتها من نشر قصتها بكشل واسع”.
هكذا يتم تهريب النّطف
وعن آليات إخراج النطف بشكل غير رسمي، يقول سمير محمد- سجين سابق بمصر- إن ظروف الزيارة داخل السجون المصرية قبل جائحة كورونا كانت تسمح بسهولة بإخراج الحيوانات المنوية. وذلك عبر أكياس أو عبوات طبية، وكان بالفعل يتم تهريب رسائل مكتوبة ذات حجم أكبر من كيس يحمل سائلاً منويًا من داخل السجن في الزيارات. والأمر يكون سهلا في التهريب طالما لا يوجد جسم معدني قد يظهر في أجهزة التفتيش بالسجون.
وقبل تطبيق الإجراءات المتعلقة بالجائحة، يمكن أن يتواجد أكثر من شخص في الزيارة من الأقارب أصحاب الدرجة الأولى. ومن ضمنهم الزوجة والأب والأم والأخت. وهنا يتوفر شهود من أهل الزوج مع الزوجة أثناء خروج النطفة لحين تسليمها إلى المعمل والطبيب المختص”. يقول المسجون السابق لـ”مصر360″.
وأضاف سمير: “لكن الأمر ليس سهلاً في الوقت الحالي مع تطبيق إجراءات احترازية مع انتشار وباء كورونا في مصر. حيث لا يسمح إلا بتواجد فرد واحد، وتكون الزيارة عبر حائل، غير أن هناك طرقًا لإخراج تلك النطف وإن كانت بصعوبة. حيث يمكن تهريبها في معلبات الأكل الفارغة التى يخرجها المسجين، ولكن الأمر أصعب بكثير مع السجناء الممنوع عنهم زيارة الأهلية”.
كم يعيش الحيوان المنوي خارج الرحم؟
بدأ الحديث عن تهريب النّطف المنوية من داخل السجون، مع انتشار عمليات التلقيح الصناعي. ولجوء أسر المعتقلين الفلسطنيين داخل السجون الإسرائيلية لتلك المعليات، من أجل الإنجاب من ذويهم. خصوصا مع السجناء أصحاب الأحكام طويلة المدة. وبحسب أحدث إحصاءات هيئة شؤون الأسرى، هناك 52 حالة لزوجات أسرى أنجبن 65 طفلًا وطفلة بهذه الطريقة.
والتلقيح الصناعي، هو عبارة عن إدخال حيوانات منوية مستخرجة من الزوج في المسالك التناسلية للزوجة بهدف الإنجاب. وذلك عبر حقن السائل المنوي بطريقة اصطناعية، بإدخال قسطرة رفيعة جدًا عبر عنق الرحم. ليتم حقن الحيوانات المنوية المغسولة مسبقًا في المختبر مباشرة في الرحم، وهي عملية تستغرق 3 دقائق على الأكثر.
ويمكن للسائل المنوي أن يعيش عدة ساعات، إذا وضعت الحيوانات المنوية في وعاء معقّم مثل كوب بغطاء لولبي بعد القذف مباشرة. ويمكن أن يعيش من ۲٤–٧۲ ساعة، إذا جرى إجراء غسل للحيوانات المنوية داخل المختبر. وهي إحدى التقنيات التي تستخدم لفصل الحيوان المنوي عن السائل المنوي، والحيوان المتحرك عن غير المتحرك. وذلك من أجل التحضير لاستخدامه في التلقيح الصناعي.
الظاهرة في مصر قد تتخطى فلسطنين
وعند مقارنة عدد السجناء في مصر، والسجناء الفلسطنيين نجد أن الظاهرة المصرية قد تتفوق من حيث العدد. إذا ما جرى التوسع بها من قبل أسر السجناء. ووفق وكالة “وفا” الفلسطينية، يبلغ عدد السجناء الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية 4500 أسيرًا، بينهم 140 طفلاً قاصرًا، و41 امرأة.
فيما يقدر متوسط عدد السجناء في مصر بـ114 ألف سجين، 84 ألفا منهم صدرت أحكام نهائية ضدهم. و30 ألف حبس احتياطي وفقًا للقانون، وذلك وفقا لما ذكره نشأت الديهي الإعلامي المصري، وهي أرقام تقترب مما ذكرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان– وهي منظمة حقوقية تنتقيد أوضاع حقوق الإنسان بمصر– والتي قدرت إجمالي عدد السجناء والمحبوسين احتياطياً والمحتجزين بمصر حتى بداية مارس 2021 بنحو 120 ألف سجين. بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي. وحوالي 54 ألف سجين ومحبوس جنائي، ونحو ألف محتجز لم تتوصل لمعرفة أسباب احتجازهم.
ظروف مصر لا تسمح بالخلوة الشرعية
وفي الماضي لم يكن هناك حاجة إلى عملية تهريب النطفة المنوية من داخل السجون المصرية في ظل تطبيق الخلوة الشرعية. والتى كان مسموحًا بها دينيًا، وفقا لفتوى الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، صادرة عام 2004. والتي جاء في نصها: “ليس هناك مانع شرعي من خلوة المسجون بزوجته أو العكس. ولا يجوز حرمان الرجل من زوجته على سبيل التعزير (العقاب)، لأن التعزير في هذه الحالة لن يقع عليه وحده. بل سيتعدى الضرر إلى زوجته. أما مدة البعد التي تبيح طلب التطليق لتضرر الزوجة من بعد زوجها عنها فسنة أو أكثر، طبقا للمعمول به أمام المحاكم المصرية”.
وتطبق عدد من الدول العربية الخلوة الشرعية داخل سجونها، وفقا لآليات تناسب كل دولة. ومنها السعودية والأردن والكويت وقطر، بل تسمح بعضها بخروج المسجون إلى بيته لمدة 24 ساعة. وفقا لإجراءات أمنية، يسمح له فيها بالخلوة الشرعية مع زوجته داخل منزله.
“نحن المصريين سمح لنا بالقيام بالخلوة الشرعية داخل أحد السجون في السعودية، حين تم القبض علينا تمهيدا لترحيلنا إلى مصر. وذلك إذا تواجدت الزوجة داخل المملكة، وتقريبا لا يخلو مكان غير مراقب بالكاميرات والسمعات داخل الزنازين وأماكن السجن في السعودية. سوى الحمامات، وغرفة الخلوة الشرعية”.. وفقا ما ذكره معتقل مصري سابق بالسعودية لـ”مصر 360″.
في حين ترى وزارة الداخلية المصرية صعوبة في تطبيق الخلوة الشرعية في الوقت الحالي بشكل موسع. وذلك وفقا لما ذكره اللواء محمد عليوة، مدير إدارة الإعلام بقطاع مصلحة السجون سابقا. والذي أرجع ذلك إلى عدد المحبوسين الكبير، مع قلة إمكانيات السجون المكتظة بالنزلاء في الوقت الحالي. وهو الأمر المختلف عما كان موجودا في أوقات سابقة.
يشير عليوة، في تصريحات صحفية، إلى استحالة توفير مكان لممارسة النزلاء فيه الخلوة الشرعية. وتساءل: “النهاردة هعمل مكان الخلوة فين؟ دانا بعمل مستشفيات لعلاجهم بالعافية”، مستبعدا فكرة إرسالهم لمنازلهم تحت حراسة قوة أمنية.
عدم توفر معامل حكومية يحبط المحاولات الرسمية
المحامي الحقوقي عمرو الحلواني استخرج تصريحا بخلوة شرعية لسجين جنائي في سجن وادي النطرون في 2018. لكن عندما حاول استخراج تصريح من النيابة لسجين سياسي رفضت إدارة السجن تنفيذ الأمر، متعللة بصعوبة تطبيق ذلك. وعدم وجود ظروف مناسبة لإجراء الخلوة.
لكن في المقابل، ذكر الحلواني، في تصريح لـ”مصر360″، أنه بالفعل تقدم بطلب للنيابة لعدد من السجناء السياسيين لاستخراج السائل المنوي، وإجراء عمليات تلقيح صناعى لهم. وبالفعل وافقت النيابة، ولكن لم يتمكن من تنفيذ القرار لعدم توفر معامل تلقيح أجنة حكومية. وبالأخص عدم توفر معمل مخصص لذلك تابع لوزارة الداخلية. حيث تشترط الداخلية المصرية التعامل مع مؤسسات طبية حكومية في أى أمر طبي خاص بالسجناء.
ويضيف: “لا يوجد إمكانية للسماح بإخراج السائل المنوي من السجين، إلا عن طريق الخلوة الشرعية، وهذا غير مسموح للسجين السياسي. أو عن طريق توفير معمل طبي متخصص في تلك العمليات، كما أن هذا يحتاج وقتًا وجهودًا لتحريكه. أو عن طريق إخراجها بشكل غير رسمي. وليست هناك مشكلة في توثيق الجنين. حيث تسمح الدولة المصرية، لأحد أقارب الزوج من الدرجة الأولى من تسجيل الطفل بمكتاب الصحة المخصصة لذلك”.
وختم المحامي الحقوقي حديثه، قائلا: “تلك القضية هامة جدا في مصر، لأنها متعلقة بحقوق الإنسان للسجناء. وكذلك حقوق الإنسان لأبرياء لم يقوموا بجريمة، ولا يحق معاقبتهم بمنع الإنجاب حتى وإن كان أزواجهم سجناء”.
اقرأ أيضًا