عانى كثيرون تدني أجور القطاع الخاص. وباتت الآمال مُعلّقة على تطبيق الحد الأدنى للأجور بتوجيه رئاسي اعتبارا من يناير 2022. والذي تقدر قيمته بنحو 2400 جنيه.
عدد من المؤسسات طلبت استثناءها من القرار عبر تقديمها طلبا رسميا بذلك. نظرا لما تعرّضوا له من خسائر في الفترة الراهنة. وتعد تلك الاستثناءات الأكثر خطورة على القرار. بل إنها ستفتح المجال أمام تمييز يخالف الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية.
السؤال الذي فرض نفسه ودعا البعض للتشكك هو آلية النظر في طلبات الاستثناءات وأسباب عدم الوضوح. وكذا الشفافية في الإعلان عمن تعثروا ويطلبون عدم الالتزام بدفع الحد الأدنى للأجر بدءا من يناير المقبل. وكذلك أسباب التأخر في تقديم الطلبات عن الموعد المحدد والمنشور في الجريدة الرسمية بحسب ما وصفه لنا رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص -شعبان خليفة.
استثناء مؤسسات متعثرة من “الأدنى للأجور”
تضمن قرار رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2400 جنيه للفرد -والذي تم نشره بالجريدة الرسمية- اعتبارا من يناير المقبل. استثناء المؤسسات التي تعاني تعثرا ولا تستطيع الوفاء بتلك القيمة حاليا.
وتمت مطالبة تلك المؤسسات بإرفاق أدلة على عدم قدرتها على الوفاء بتطبيق القرار في موعد أقصاه 31 أكتوبر الماضي. كما أنه من المقرر أن تحدد العلاوة الدورية بنحو 70 جنيها كحد أدنى أو 3% من قيمة أجر الموظف التأميني.
وأعلن المجلس القومي للأجور في بيان رسمي أنهم منحوا المنشآت المتعثرة فرصة لتحسين أوضاعها. إذ تقدم للمجلس نحو 3090 طلبا فرديا بالاستثناء. فضلاً عن تقديم نحو 22 قطاعا 2855 طلبا في الفترة من يوليو إلى 31 أكتوبر الماضي.
وقدم الاتحاد العام للغرف التجارية طلبا لوزارة التخطيط باستثناء 8 قطاعات من تطبيق الحد الأدنى للأجور. وتمثلت في “إلحاق العمالة بالخارج والرعاية الصحية والصيدلة وخدمات الأمن والحراسة والتعليم والجمعيات الأهلية ومواد البناء والمقاولات”.
ولم يتم البت في الطلبات إلا أن “القومي للأجور” كشف إرجاء تفعيل الحد الأدنى للأجور بتلك المؤسسات حتى منتصف فبراير المقبل. وذلك لحين فحص كامل الطلبات وإصدار قرار بشأنها.
أسباب تطبيق “الأدنى للأجور” وتأثيره الإيجابي
ضعف الدخل أصاب كثيرين بمعاناة حقيقية مع ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ. وقد أولت الدولة اهتمامها بالقطاع الحكومي بوضع حد أدنى للأجر خلال الفترة الماضية. وجاء قرار الحد الأدنى للأجور وتطبيقه على القطاع الخاص طوق نجاة لكثيرين في ظل تحديات كورونا.
الدكتورة هالة السعيد -وزيرة التخطيط- اعتبرت أن وضع حد أدنى للأجر بقيمة 2400 جنيه يضمن مستوى معيشيا مناسبا. وهو بالأساس تلبية لتدني الظروف الاقتصادية ولدعم الأسر في مواجهة المتطلبات الإضافية التي يتحمل الجميع أعباءها. ومنها الإجراءات الاحترازية المتبعة مؤخرا والتي فرضت على كثيرين نمط حياة أكثر كُلفة.
وتعد قرارات المجلس القومي للأجور ملزمة وفقا لقانون العمل الجديد الذي ستتم مناقشته في مجلس النواب خلال الأيام المقبلة. وذلك بعد الانتهاء من مناقشته في مجلس الشيوخ.
وبحسب شعبان خليفة -رئيس نقابة العاملين في القطاع الخاص- فهناك نحو 3738 مليون منشأة بالقطاع الخاص بها نحو 25 مليون عامل. منهم نحو 14 مليونا عمالة غير منتظمة وباقي العدد يترقب تنفيذ قرار الحد الأدنى للأجور خلال الأيام القليلة المتبقية على الموعد الرسمي المحدد.
وأكد “خليفة” في حديثه لـ”مصر 360″ أن قرار الحد الأدنى للأجور جاء ليتماشى مع الدستور الذي فرض عدم التمييز. خاصة بعد إقراره في القطاع العام وقطاع الأعمال. كما أن المبلغ المحدد بالكاد يسد احتياجات البعض. وبالفعل تم قبوله على مضد لأن أقل أسرة الآن لا يمكنها أن تحيا بدخل أقل من 3 لـ4 آلاف جنيه.
واعتبر مجدي البدوي -عضو المجلس القومي للأجور- أن قرار وضع حد أدنى للأجور في القطاع الخاص مكسب للعمال. وسيكون له دور فاعل في حل الأزمات المرتبطة بعلاقات العمل وزيادة الإنتاج خلال الفترة المقبلة. وتابع: “الأجر العادل يدفع العامل إلى الإنجاز ويرفع معدل الطاقة الإنتاجية”.
قيمة “الأدنى للأجور” ستحتاج إلى هيكلة لاحقا
البعض يرى أن الحد الأدنى للأجورلا يزال يفتقر إلى الهيكلة ولن يحقق أي مكسب للعمال الذين طالت سنوات انتسابهم لمؤسساتهم. بل قد يهدر هذا العمر بلا عائد حقيقي.
ويرى رئيس نقابة العاملين في القطاع الخاص أن الحد الأدنى -2400 جنيه- يتم تطبيقه على العامل حديث التخرج. والذي لا يمتلك أي خبرة تذكر. وهنا تكمن الإشكالية المرجأ الحديث عنها لحين إتمام التطبيق. وهي ترتبط بوضع العامل الذي مر عليه سنوات عديدة في وظيفته.
وأضاف أن المرحلة اللاحقة لتطبيق الحد الأدنى من الأجر هي المطالبة بإعادة الهيكلة. فلن تكون هناك عدالة أن يكون بعض العاملين الذين أمضوا من 5 لـ10 سنوات في العمل متساوين في بعض المؤسسات مع حديثي التخرج في الأجر.
استثناء غير عادل
حرمان العمال من حقهم في الحد الأدنى للأجور بحسب طلبات الاستثناء المقدمة أمر غير عادل. فبالأساس القرار صدر لحماية هؤلاء وتعزيز دخلهم الذي يقع دون الرقم المعلن. وهم الفئة الأحق في ظل التقلبات الاقتصادية والتعثر الحالي الخاص بالمؤسسات.
وأكد رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص أن المهندس إبراهيم العربي -رئيس اتحاد الغرف التجارية- تقدم بمذكرة تفتقد إلى التحديد والوضوح في معالمها. بل تظلم قطاعا كبيرا من العمال في هذه الحالة. فعلى سبيل المثال ذكر “المحلات التجارية” ولم يخبرنا هل هي تلك الصغيرة التي تحتوي على عامل أو اثنين أم أنها الهايبر ماركت التي يعمل بها المئات؟ وتابع: “قطاع الصيدلة أيضا فوفق ما قاله (الأدوية) فهناك 64 ألف صيدلية. ولو فرضنا أن بها 4 عمال في كل وردية. وتعمل الصيدلية ورديتين في اليوم فسيكون الحاصل لدينا في هذا القطاع وحده أكثر من نصف مليون عامل”.
وردّ رئيس اتحاد الغرف التجارية سبب استثناء المحلات التجارية وقطاع الملابس وغيرها إلى تأثير كورونا والخسائر. إلا أن ذلك يعيدنا إلى جهة إنفاق أموال العمال. ويتعجب “خليفة”: “لو عامل مرتبه زاد إنفاقاته هترتفع وهيشترى احتياجات أسرته من المحل التجاري وغيره. أي إن الحديث عن الخسارة لا محل له. والأسعار واحدة تقريبا في كل المحافظات لأن الموزع واحد ومصدر السلعة واحد. بل إن المحتكر قد يكون واحدا أيضاً والأسواق تفتقر إلى الرقابة. ورفع أجر العامل لن يكون سبب الخسارة بل على العكس. فنحن أمام حلقة متصلة لا تقبل التعبيرات المطاطية وتحتاج إلى قدر من الوضوح والشفافية”.
واعتبر رئيس نقابة العاملين في القطاع الخاص أن الدستور واضح وكذلك القانون ويتم النظر كل ثلاثة أشهر في الحد الأدنى للأجر لخلق توازن مع الأسعار ومعدل التضخم. ولا يمكن التمييز بين العمال على هذا النحو. لذلك فما يحدث يعد مخالفة واضحة خاصة أنهم حتى الآن لم يعلنوا عن آليات الدراسة والفحص التي سيتم بناء عليها استثناء المؤسسات.
مراكز قوى
وعلى ما يبدو أن هناك مراكز قوى بـ”القومي للأجور” -وفق رؤية “خليفة”- المستمدة من تعجبه بشأن إرسال الطلبات في فترة تالية على الموعد المحدد من جهة. وكذلك عدم إعلان المجلس أسماء الشركات وأدوات فحص الاستثناءات. سواء من خلال بيوت خبرة لدراسة الميزانيات المقدمة أو بمخاطبة الضرائب والتأمينات والتعرف على وضع الشركات الفعلي.