في فيلمه الأخير Free Guy قدّم الممثل الأمريكي ريان رينولدز، شخصية شاب هادئ الطباع يعمل صرّافًا في بنك. وبينما يعيش حياة روتينية وسط مدينة صاخبة، يكتشف أن العالم الذي يعيشه كل يوم ليس حقيقيًا. وأنه مجرد “لاعب غير أساسي” في لعبة فيديو قاسية، مليئة بالقتلة والسارقين والباحثين عن الفوضى.

عندها، يعرف المحاسب الذي يحمل اسمًا مُحايدًا هو Guy، أن ما عليه وأصدقاؤه من اللاعبين غير الأساسيين، سوى أمرين: إما أن يموتوا في صمت -وبأبشع الطرق- إرضاءً للاعبين أساسيين يبحثون عن المتعة، أو أن يخرجوا عن القواعد لتغيير هذا العالم الافتراضي للأفضل.

أعقب الفيلم الصادر في أغسطس الماضي، إعلان شركة “ميتا/ Meta“، صاحبة العلامات التجارية للعديد من مواقع التواصل الاجتماعي، أشهرها Facebook، إطلاقها تطبيق العالم الافتراضي الجديد Meta Horizon Worlds. وهو تطبيق يضم صورًا رمزية لأشخاص حقيقيين، يسمح بالتجمع مع الآخرين وممارسة الألعاب، وبناء عوالم افتراضية خاصة بكل مشارك للاستخدام العام.

تحرش افتراضي

رغم الدعاية الهائلة التي جذبت المستخدمين في الولايات المتحدة وكندا. لكن العالم الجديد، الذي أشرق فضاؤه الافتراضي في 9 ديسمبر الماضي، شهد أول الخطايا بسرعة هائلة حتى قبل أن يتم إطلاقه رسميًا. ففي 26 نوفمبر، كشفت إحدى المختبرين الأوائل للنظام الجديد عن أن “صورتها الرمزية قد تحسسها شخص غريب”. ونقل موقع The Verge عن المستخدمة قولها: شعرت بأنها “أكثر حدة” من المضايقات على شبكة الإنترنت العادية.

وجاء في رسالتها: التحرش الجنسي ليس مزحة على الإنترنت العادي. لكن التواجد في الواقع الافتراضي يضيف طبقة أخرى تجعل الحدث أكثر حدة. لم يتم لمسي فقط الليلة الماضية. ولكن كان هناك أشخاص آخرون دعموا هذا السلوك الذي جعلني أشعر بالعزلة في البلازا”. وهي مساحة التجمع المركزية للبيئة الافتراضية الجديدة.

ووصف فيفيك شارما، نائب رئيس المنصة الافتراضية، حادثة التحرش بأنها “مؤسفة تمامًا”.

المنطقة الآمنة.. الفقاعة لمواجهة التحرش

بناءً على الحادث، وجدت المراجعة الداخلية التي أجرتها Meta أن على مختبري الإصدار التجريبي استخدام أداة تسمى “المنطقة الآمنة”. وهي عبارة عن فقاعة واقية يمكن للمستخدمين تنشيطها عند الشعور بالتهديد.

داخل هذه الفقاعة، لا يمكن لأحد أن يلمسهم أو يتحدث معهم أو يتفاعل بأي طريقة حتى يشيروا إلى أنهم يرغبون في رفع المنطقة الآمنة.

وقالت كريستينا ميليان، المتحدثة باسم Meta: نريد أن يتمتع كل فرد بتجربة إيجابية مع أدوات الأمان التي يسهل العثور عليها -ولن يكون خطأ المستخدم أبدًا إذا لم يستخدم جميع الميزات التي نقدمها.

وأضافت: سنواصل تحسين واجهة المستخدم الخاصة بنا، وفهم كيفية استخدام الأشخاص لأدواتنا بشكل أفضل، حتى يتمكن المستخدمون من الإبلاغ عن الأشياء بسهولة وموثوقية. هدفنا هو جعل Horizon Worlds آمنًا، ونحن ملتزمون بالقيام بهذا العمل.

لكن، في الوقت نفسه، لم تُعطي المتحدثة باسم المنصة العملاقة ردًا حول مصير المتحرش الافتراضي. فقط أشارت إلى أن الشركة “لا تشارك تفاصيل حول الحالات الفردية”.

Horizon World

تم الإعلان عن تطبيق Horizon World لأول مرة في عام 2019، وقد أطلق العام الماضي في إصدار تجريبي. لكنه الآن يسمح للمستخدمين في الولايات المتحدة وكندا، بالتجمع مع الآخرين، وممارسة الألعاب، وبناء عوالمهم الافتراضية الخاصة على Horizon طالما أنهم يبلغون من العمر 18 عامًا، ولديهم المعدات المناسبة. ومنها لعبة Quest 2 الافتراضية، وسماعة الواقع الافتراضي VR.

في العالم الافتراضي الجديد، ينشئ الأشخاص صورًا رمزية لأنفسهم. يختارون شكلهم ولونهم، وكذلك الملابس وخصائص أخرى فريدة من نوعها للفرد. ويمكن لهم الانتقال إلى أي مكان داخل العالم الافتراضي، وزيارة الأصدقاء في جميع أنحاء العالم، أو حضور اجتماع دون مغادرة مكتبهم في المنزل، أو حتى تناول العشاء مع العائلة أثناء الجلوس في مطبخهم الخاص.

ويتضمن التطبيق العديد من العوالم الأصغر التي يمكن للمستخدمين استكشافها، بما في ذلك منصة متعددة اللاعبين على غرار الممرات القديمة تسمى Pixel Plummet وWand & Broom، والتي تتيح للمستخدمين التحليق فوق Towncity على مكنسة سحرية. كذلك هناك Mark’s Riverboat، والذي يسمح للمستخدمين وأصدقائهم بالطفو على النهر أثناء ركوب قارب نهري ثلاثي الطوابق.

ومع حديث الشركة عن وسائل الأمان التي يتم تطويرها، أشار أندرو بوسورث مدير التكنولوجيا ونائب رئيس الواقع الافتراضي بالشركة إلى أن “الإفراط في استخدام وسائل الأمان قد يؤدي إلى العزلة”.

وأضاف في حديث لموقع protocol: حتى أصدقائي يقولون لي أشياء سيئة في بعض الأحيان. الطريق إلى الخصوصية اللانهائية ليس نافعًا. الطريق إلى الأمان اللامتناهي ليس تفاعلًا اجتماعيًا. لا أعتقد أن أي شخص يقترح أن نأخذ هذه الأمور إلى أقصى حدودها.

ليست الواقعة الأولى

في الحقيقة، ليست مضايقة الواقع الافتراضي جديدة على المستخدمين. فقد وجدت دراسة استقصائية أجريت عام 2018 على 600 شخص استخدموا الواقع الافتراضي مرتين على الأقل شهريًا، إبلاغ 49٪ من النساء و36٪ من الرجال عن تعرضهم للتحرش الجنسي.

وفي عام 2016، كتبت امرأة في مدونة عن تجربتها في لعبة الرماية على “QuiVR”. قالت إنها “كانت تقضي وقتًا رائعًا حتى طاردها شخص غريب في جميع أنحاء محاولة لمس صورتها الرمزية”. وقالت لصحيفة الجارديان البريطانية إن الصدمة التي شعرت بها “كانت مساوية لحوادث مماثلة في الحياة الواقعية”.

ونقلت Technology Review عن جيسي فوكس، الأستاذ المشارك في جامعة ولاية أوهايو. وهو يبحث في الآثار الاجتماعية للواقع الافتراضي: “أعتقد أنه يجب على الناس أن يضعوا في اعتبارهم أن التحرش الجنسي لم يكن بالضرورة شيئًا ماديًا. يمكن أن تكون لفظية، ونعم، يمكن أن تكون تجربة افتراضية أيضًا”. يُضيف: “نحن بحاجة إلى وسائل ردع”.

يتفق مع فوكس العديد من المحامين في الولايات المتحدة، والذين يحاولون الاستفادة من المشكلة. حيث أنشأ بعضهم مكاتب افتراضية في Metaverse لتقديم خدماتهم للمستخدمين المتضررين.

ووفقًا لـ Fortune، فتحت شركة محاماة تتخذ من نيوجيرسي مقرًا لها مكتبًا جديدًا في الواقع الافتراضي. ذلك لمساعدة الأشخاص في التعامل مع حالات التحرش الجنسي على المنصة. وتتسع أنشطة الشركة إلى أنواع أخرى من القضايا، مثل الإصابة الشخصية، وإساءة استخدام المنزل، والإهمال، والتمييز في العمل، وتعويضات العمال.

لكن، قد لا تكفي الإجراءات القانونية في المنصة الجديدة، والتي يبدو أنها ستحتاج إلى أكثر من محامين افتراضيين لإنهاء هجمات التحرش الجنسي والسلوك الضار في العالم الرقمي.

معاقبة المعتدين

تلفت كاثرين كروس، الباحثة المتخصصة في التحرش عبر الإنترنت في جامعة واشنطن في تحليلها للحادث، إلى أنه عندما يكون الواقع الافتراضي غامرًا وحقيقيًا بالنسبة للمستخدم، فإن السلوك السام الذي يحدث في تلك البيئة يكون حقيقيًا أيضًا.

لذلك، ليس من المنطقي توقع عالم تختفي فيه مثل هذه المشكلات تمامًا لمجرد أنها حياة جديدة أو افتراضية. فطالما أن هناك أشخاصًا سيختبئون وراء شاشات الكمبيوتر للتهرب من المسؤولية الأخلاقية، سيستمر حدوث ذلك.

تضيف كاثرين لـ Technology Review: في نهاية المطاف، تكون طبيعة مساحات الواقع الافتراضي مصممة لخداع المستخدم. هي مصممة لجعله يعتقد أنه موجود جسديًا في مساحة معينة. وأن كل حركة جسدية تحدث في بيئة ثلاثية الأبعاد.

وأوضحت أن هذا جزء من السبب في أن ردود الفعل العاطفية يمكن أن تكون أقوى في هذا الفضاء، وتفسر لماذا يتسبب الواقع الافتراضي في التأثير على الجهاز العصبي الداخلي والاستجابات النفسية.

وتؤكد: “في العالم الواقعي، لن تلمس شخصًا بشكل عشوائي، ويجب عليك نقل ذلك إلى العالم الافتراضي. إحدى الخطوات الرئيسية نحو عالم افتراضي أكثر أمانًا هي معاقبة المعتدين، الذين غالبًا ما يكونون خاليين من الأخطاء ويظلون مؤهلين للمشاركة عبر الإنترنت حتى بعد أن يصبح سلوكهم معروفًا”.